دراسات قانونية

واقع الفلاحة وإشكالية البديل الاقتصادي في أفق التنمية المحلية (بحث قانوني)

واقع الفلاحة وإشكالية البديل الاقتصادي في أفق التنمية المحلية بجماعة عبد الغاية السواحل ” إقليم الحسيمة

ذ.مـحمـد بودواح *جاد فتال* * عبد السلام بوهلال** عبد النور صديق**

* مسؤول عن مختبر الدراسات والأبحاث في التنمية الترابية ومسؤول عن الدكتوراه في إعداد المجال والتنمية الترابية وماستر علوم المجال–القنيطرة

**طلبة في الدكتوراه :مختبر الدراسات والأبحاث في التنمية الترابية كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل القنيطرة

ملخص:
في هذه المداخلة تم التركيز على المحاور التالية:
في المحور الأول ، تعرضنا فيه إلى واقع الفلاحة بجماعة عبد الغاية- السواحل، مركزين على المعطيات الطبيعية والبشرية والاقتصادية، التي تؤثر بشكل مباشر على التنمية الفلاحية والمحلية، في هذا الحيز الترابي ، المحدود الإمكانيات على جميع المستويات.
أما في المحور الثاني، تم الاهتمام بالفلاحة التقليدية والعصرية، ومدى علاقتها بالوضعية الاقتصادية والاجتماعية للساكنة المحلية، التي تعيش وضعية هشة في هذه ا لمنطقة الجبلية النائية والمعزولة.
بينما في المحور الثالث، ركزنا على أهمية الزراعة الأحادية(‘الكيف)، مع الإشارة إلى مختلف الفاعلين المهتمين بالبديل الاقتصادي ، وخاصة الفلاحين المعنيين بالأمر؛ حيث تختلف آراؤهم حسب وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية، فيما يتعلق بالبديل الاقتصادي.
كلمات مفاتيح: الفلاحة- المعطيات- العوامل- المردودية- الفاعلون- البديل-الرأي- التنمية- المحلية.

واقع الفلاحة وإشكالية البديل الاقتصادي في أفق التنمية المحلية بجماعة عبد الغاية السواحل ” إقليم الحسيمة

المقدمة

تقع جماعة عبد الغاية السواحل في أقصى الجنوب الغربي لإقليم الحسيمة، وباعتبار البيئة الجبلية للمجال، فقد عمل سكانها منذ القديم على تنويع مواردهم الاقتصادية، فتعاطوا للزراعة المتنوعة وتربية الماشية واستغلال الغابة، إلى جانب أنشطة أخرى كالحرف التقليدية. ولقد ظلت الفلاحة هي العمود الفقري لاقتصاد هذا المجال الجبلي، مع هيمنة زراعة الكيف والتحولات المختلفة على مستوى نمط العيش. حيث تم الإهمال التدريجي للموارد المتنوعة وتثمين الزراعة المفضلة: الكيف مع العمل على تصنيعه وتسويقه بمختلف الوسائل للرفع من الريع العقاري. فماهي المعطيات المشجعة لتطوير زراعة الكيف؟ وماهي الأهداف التي وجهت اهتمام السكان لهذه الزراعة؟ وكيف يمكن تصور البديل الاقتصادي في أفق التنمية المحلية للجماعة المدروسة؟

المصدر: إنجاز فريق البحث 2012

1. واقع المعطيات الطبيعية والبشرية بجماعة عبد الغاية السواحل

1.1. المعطيات الطبيعية مطبوعة بالهشاشة

ينتمي المجال المدروس إلى قبيلة كتامة التي توجد في الريف الأوسط الذي يطغى عليه طابع الانحدار وشدة التقطع. ويعود هذا الوضع إلى حداثة التكوينات الصخرية مع اتساع نطاق المواد الهشة (الطفل والشست) وغزارة الأمطار (حسان عوض، 1971) ؛ مما يؤدي إلى تعرية جد قوية.

جدول رقم (1): شدة الانحدارات بجماعة عبد الغاية السواحل
قوة الانحدار% المساحة بالهكتار نسبته من مساحة الجماعة %
من 5 إلى 20 1041 5,2
من 20إلى 40 6509 32,6
أقوى من 40 12225 62,2
المجموع 29775 100
Source(1962) : DERRO.Rapport sur la zone d’attaque sahela sra.partie II

2.1. واقع المعطيات البشرية

2.1. تطور سكان الجماعة ومسألة الضغط الديموغرافي على المجال

رغم عدم ملاءمة ظروف الاستقرار بمجال الجماعة بسبب شدة التضرس وقلة الأراضي الصالحة للزراعة، فالحمولة الديموغرافية لهذه الجبال تبقى هائلة جدا وتفوق بشكل كبير الموارد المتاحة.

جدول رقم (2). تطور سكان جماعة عبد الغاية السواحل ما بين 1960 و 2004
السنوات 1960 1971 1982 1994 2004
عدد السكان 6791 8998 12213 19494 24013
المتوسط السنوي لنمو السكان 2,59 2,70 3.15 2.91
المتوسط الوطني لنمو السكان 2.8 2.6 2.1 1.4
المصدر: الاحصاءات العامة للسكان والسكنى

  

وثيرة تزايد سكان الجماعة أخذت منحى تصاعدي إلى حدود إحصاء 94 لتتراجع نسبة التزايد، عكس المتوسط الوطني الذي عرف تراجعا مستمرا منذ 1971، فمتوسط النمو السكاني بالجماعة خلال الاحصاء الأخير ضاعف المعدل الوطني(2.91% مقابل 1.4%). مما أعطى كثافة سكانية عالية وصلت في الإحصاء الأخير إلى 98 نسمة/كلم2. يمكن تفسير هذا، بالتشبث القوي للسكان بمواطنهم الأصلية من جهة، وبسيادة سلوكات ديموغرافية تقليدية من جهة ثانية، والنتيجة ارتفاع هام للمؤشر التركيبي للخصوبة بمعدل 7,8 طفل لكل امرأة في سن الانجاب.
فكيف سيكون وقع هذه الحمولة الديمغرافية العالية على المجال الفلاحي بالجماعة؟

2. واقع الفلاحة بجماعة عبد الغاية السواحل

1.2. النظام العقاري في الجماعة غير واضح

تصل مجموع مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بالجماعة حسب الإحصاء الفلاحي الأخير حوالي 10865 هكتار وهي مساحة جد ضئيلة مقارنة مع مساحة الجماعة الممتدة على 245000 هكتار، أي أن نسبة الأراضي الصالحة للزراعة لا تتجاوز 4.43% ربما من أضعف النسب على الإطلاق على الصعيد الوطني. فنصيب الشخص من الأرض لا تتجاوز 0.45 هكتار.

.أ. الوضع القانوني للأراضي

إذا كانت الوضعية القانونية للأراضي الفلاحية بالمغرب يطغى عليها طابع التعقيد، فإن الأمر يختلف بالجماعة إذ تكاد تكون هناك صيغة قانونية واحدة للأراضي الفلاحية هي الملك بنسبة 99.8% يليه الحبوس ب 0.18%، لكنه غير محفظ.
على الرغم من هذه النسبة التي يمنحها الإحصاء الفلاحي لأراضي الملك، إلا أن الوضعية القانونية لتملك الأراضي بالنسبة للأهالي تبقى هشة وبدون ضمانة. لماذا؟
نظرا لغياب التحفيظ العقاري بالمجال، إذ جل العائلات لا تتوفر إلا على رسوم عرفية بالنسبة للأراضي التي ورثتها. لهذا تبقى حجية الوثائق المتوفرة لدى الفلاحين جد ضعيفة من الناحية القانونية؛ زيادة على أنها لا تتوفر على أية وثيقة قانونية بالنسبة للأراضي التي اكتسبتها على حساب الغابة. هذه الأراضي الجديدة تشكل نسبة مهمة والتي تشكل نسبة مهمة من مجموع الاستغلاليات الفلاحية في الدواوير الثلاثة[1] المدروسة (40.76%). لهذا السبب يصعب استغلال هذه الأراضي والتصرف فيها على الوجه الأكمل.

.ب. طرق الاستغلال

إن أبرز شكل من أشكال الاستثمار غير المباشر الذي يمكن معاينته بالمجال هو “انـزالة”[2]، وبمقتضى هذه العلاقات الانتاجية المرتبطة بصاحب الأرض وبأحد الفلاحين (النـزال) الذي وضع فيه ثقته، وعلى إثر هذا الاتفاق الشفوي بين الطرفين يستقر النزال بالحيازة الفلاحية (موضوع الاتفاق)، ويقوم باستغلالها، تحت مراقبة صاحب الأرض، الذي يتردد بشكل دوري على حيازته، ليأخذ نصيبه من المحاصيل الزراعية سواء كانت فصلية أو سنوية.

أما الأصناف الأخرى للاستغلال غير المباشر، يصعب ضبطها ومعاينتها بشكل دقيق في الميدان؛ لهذا لم تظهر في نتائج اسثمارة البحث الميداني، لكن استطعنا تحديد بعض الحالات:

الغياب القسري لصاحب الأرض بسب الهجرة الخارجية أو وظيفة عمومية أو مزاولته لنشاط قار خارج المجال. في هذه الحالة غالبا ما يكلف صاحب الأرض أحد أقربائه بتسيير حيازته بعد أن يكونا قد اتفقا على شروط الاستغلال والغلل.
البعد الجغرافي لبعض المشارات التي تدخل في تكوين الحيازة الفلاحية، والتي قد تنتمي إلى دواوير بعيدة. هنا يضطر صاحب الأرض إلى الاتفاق مع أحد الفلاحين المستقرين بالقرب من هذه المشارات، لكي يرتب معه كيفية الاستغلال مع الضبط لعلاقات الانتاج.
شساعة الحيازة الفلاحية وترامي أطرافها وعدم قدرة صاحبها على استغلالها. فيكون في هذه الحالة مجبرا على تسليم بعض القطع إلى فلاحين آخرين حتى يسهل عليه الأشغال والاستفادة من ريعها العقاري.
هذه الأشكال الثلاثة يطلق عليها محليا إسم “التوقيع”.

وعموما، يتضح أن معظم الأشكال التقليدية للاستغلال بالمجال المدروس اندثرت، ولم يبقى منها إلا شكلين اثنين “النـزالة، و التوقيع”، واللذان من كثرة ندرتهما يصعب ضبطهما حتى بالعمل الميداني، والنتيجة هي سيادة الاستغلال المباشر بنسبة 98.09%.

جدول رقم(3): بنية الحيازات الفلاحية بدواوير البحث الميداني
الفئات بالهكتار % مسقية بورية إرث غابة
المساحات بالهكتار % المساحات بالهكتار % المساحات بالهكتار % المساحات بالهكتار %
أقل من 1,5 7,9 2.5 25 7.5 75 8 80 2 20
مابين 1,5 و 3 50,5 31.25 27.23 83.5 72.77 61,75 53,81 53 46,19
مابين 3 و 4,5 31,6 17 28,13 111 86.72 88 68,75 40 31,25
أكثر من 4,5 9 7 20 53 88.33 27,5 45,83 32,5 54,17
المجموع 100 57.75 18.47 255 81,53 185,25 59,24 127,5 40,76
المصدر: البحث الميداني 2005

ج. سيادة الحيازات المجهرية

لقد بينت نتائج البحث الميداني أن 90% من الحيازات تقل مساحاتها عن 4.5 هكتار، و58.4% دون 3 هكتارات، في حين أن الحيازات التي تفوق مساحاتها 4.5 هكتار لا تشكل إلا 9% من مجوع الحيازات.
يزيد من تأزم الاستغلال الفلاحي تجزؤ الحيازات وتشتتها. فمعدل عدد القطع الأرضية المكونة للحيازات هو 18 بالدواوير المدروسة؛ في حين أفضت نتائج الإحصاء الفلاحي إلى معدل أعلى 22.52، وهو أعلى بكثير من المتوسط الوطني 6.4 مشارة للحيازة. فلنتصور الطريقة التي سيتعامل بها رب أسرة مكونة من 8 أفراد مع حيازة فلاحية تتكون من 1.5 هكتار مجزأة إلى 15 قطعة مشتتة بشكل عشوائي في محاط الدوار، هل الريع الذي سيجنيه منها -بغض النظر عن نوعية المزروعات- يكفيه لمختلف احتياجات الأسرة والحيازة؟
تقزم الملكية و تفتيتها يزدادان استفحالا بالمجال أمام قانون الإرث و قلة الأراضي الصالحة للزراعة، مادامت الغابة التي كانت توفرها تعيش تراجعا كبيرا في كل سنة.
فإلى متى ستصمد المساحات الغابوية بأعالي الريف في امتصاص الفائض الديمغرافي، علما لأن المنطقة تعيش حاليا الهجرة المعاكسة؟

2.2. الزراعات المزاولة في المجال المدروس
توصلنا من خلال البحث الميداني أن جميع الحيازات تمارس بها زراعة الكيف بنسبة 100%، لكن غالبا ما تستغل الأرض خارج فترات زراعة هذا المنتوج الكيفي، لتزاول بها بعض الزراعات الأخرى في إطار الدورة الزراعية.

جدول رقم (4): استغلال التربة بجماعة عبد الغاية السواحل بالهكتار
الحبوب القطنيات البقليات زراعات زيتية زراعات صناعية زراعات علفية أشجار مثمرة أراضي بوار
1628 32 31 22 8044 318 2732 281
المصدر: الإحصاء الفلاحي 1996

نتائج الاحصاء الفلاحي تعطي أن مساحات الكيف التي صنفته ضمن المزروعات الصناعية لا تشمل إلا 74.03% من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة، و لزراعة الحبوب 15%، نعتقد أن هذا يجانب الصواب لأن النتائج الميدانية أعطت أن المجال الزراعي برمته يسخر لزراعة الكيف و لا تستثنى إلا مساحات ضئيلة جدا تخصص للحبوب وهي في الغالب مجالات يصعب فيها مزاولة النشاط الفلاحي بسبب شدة انحداراتها وتربتها السيئة جدا، أما باقي المنتوجات (البطاطس، الذرة، بعض الخضروات..) فتزرع بالتناوب مع الكيف في بعض المجالات المسقية.

الأشجار المثمرة بالمجال توجد في حالة متدهورة، لأن أغلبها الأشجار موروثة عن الأجيال السابقة. أما حاليا فالأولوية تعطى للكيف وتترك الأشجار عرضة للإهمال، مادام تواجدها يِؤثر على إنتاجية الكيف بسبب ظلها؛ غير أن ما يلاحظ هو أن ما راكمه السكان من خبرات ومهارات في الغراسة يسير نحو نهايته؛ مما سيؤدي إلى اندثار عناصر الهوية الترابية لهذه الجماعة.

3.2. السقي
يعتبر السقي في الميدان الفلاحي أقدم استعمال للمياه العذبة مارسته الساكنة. ويمكن التمييز داخل الجماعة بين السقي التقليدي والعصري.

أ. السقي التقليدي
إن المجالات المسقية في معظمها عبارة عن دوائر مجهرية تقليدية؛ حيث يتم تعبئة مياه السقي بمنشآت منجزة من طرف مجموعات مستعملي هذه المياه، حيث توزع بواسطة شبكة من القنوات الترابية، موضوعة حسب تخطيطات متعرجة ومتشابكة. كما يتم ضبط حصة الماء لفائدة كل مستعمل على أساس ملكية حقوق الماء وقواعد عرفية تكتسي قوة القانون بالنسبة للمستعملين، ولا يهم هذا محاط الدوار فقط، بل يشمل العيون طول الأودية، طبقا للأعراف المعمول بها حيث تعطى أولوية العالية على حساب السافلة.
وبالموازاة مع ذلك نجد أن مهارة الفلاح في تدبير مياه السقي في المجال المدروس بارزة وواضحة فهو لم يدخر جهدا في الاستفادة من مختلف مصادر المياه، لهذا نجده ابتكر نظامين للتعامل مع هذا المورد الحيوي: نظام الأودية الدائمة الجريان؛ ونظام المنابع والعيون.

نظام الأودية: يهم التجمعات المتواجدة على ضفاف الأودية؛ إذ يلجأ السكان لشق مآخذ “ساقيات” يتم من خلالها تحويل جزء من المياه الجارية للوادي، من أجل الاستفادة منها في سقي الحقول. “الساقية” الرئيسية في هذه الحالة يجب أن تمتد أطول مسافة ممكنة حتى تعمم الاستفادة منها على جميع ذوي الحقوق. بعد ذلك يلجأ الفلاحون لفتح مجموعة من المآخذ الثانوية التي تتفرع من “الساقية” الأم التي بواسطتها تسقى الحقول، في إطار نظام مضبوط بشكل دقيق، حسب نصيب الفرد من مياه السقي الذي قد يحدد بالأيام أو الساعات.
نظام المنابع والعيون: ونقصد بها استغلال مياه الجداول و العيون في مجال السقي، لهذا الغرض يتم حبس هذه المياه في خزانات ترابية ذات ماضي عريق في المنطقة يطلق علها محليا إسم “الشاريج” وتوزع مياهها في إطار دورة مائية مضبوطة تختلف من دوار لآخر حسب ملكيات لحقوق الماء وعدد الأسر.

ب. السقي العصري: تقنية حديثة بالمجال

من أجل الاستفادة من مياه الأودية التي يحول تعمقها دون استغلالها بواسطة السقي التقليدي، وبغية الاستفادة من مياه الفرشاة الباطنية الموجودة بالمجال، استعان بعض الساكنة بآلات لاستعمال مياه السقي، فلجأ الفلاحون إلى حفر الآبار و شراء المضخات، لجلب الماء من المجاري الرئيسية؛ بل هناك من عمد إلى تجهيز حقله بنظام السقي الموضعي: كالتنقيط[3] والرش.
لكن الإقدام على هذه التقنية، لم تكن فكرة محلية نابعة من المجتمع المحلي بقدر ما كانت “دخيلة” أو بالأحرى مستوردة، ساهم فيها توافد الأجانب “زبناء الكيف”، وبصفة خاصة المهاجرون الذين عادوا بفعل الهجرة المعاكسة. هؤلاء الذين شدوا الرحال إلى أوربا في السابق غالبيتهم اشتغلوا في الفلاحة، وبعودتهم إلى المجال استثمروا الخبرات التي تراكمت لديهم في تجهيز تسيير حيازتهم الفلاحية.
ويبقى هذا النوع من السقي قليل البروز في المجال المدروس، رغم التصريحات المحدودة للأسر المستجوبة في امتلاك المضخات والتي لم تتعدى أربع أسر، وعدم اعتراف أية أسرة بتبني تقنية حديثة في السقي (التنقيط أو الرش). إلا أن المعاينة الميدانية أفضت إلى تبني السكان هذا النوع من السقي (الصور) و لو بشكل محدود. وهنا تجدر الإشارة إلى ما جاء في الإحصاء الفلاحي (1996) الذي أقر بوجود 19 آلية لضخ المياه في ذلك الوقت. لكن لماذا لم تعمم؟
فحسب الأسئلة المطروحة في هذه النقطة والأجوبة عليها، تبين أن التكاليف الباهظة التي يتطلبها توفير هذه التجهيزات، هي السبب الرئيسي للحد من إمكانية امتلاكها من قبل أغلبية الساكنة المتعاطية للفلاحة.
وبصفة عامة وبغض النظر عن طبيعة السقي هل هو تقليدي أم عصري، تبقى المساحات المسقية بالجماعة ضعيفة جدا لا ترقى للإمكانيات المائية التي يتيحها المجال. فإذا كان البحث الميداني قد أعطى أن الحقول المسقية بالدواوير الثلاث تمثل حوالي 18.47% فإن الإحصاء الفلاحي حصرها في مساحات أقل9.4%.

هذه الأرقام قريبة مع تلك التي أوردتها تقاريرL’office des Nations Unies contre la Drogue et le Crime (ONUDC) لسنتي 2003 و2004 حول الكيف بالمغرب و الذي حدد المساحات المسقية في مجمل الأراضي التي يزرع فيها الكيف ب 12%.

4.2. المخصبات[4]العضوية والصناعية

في ظل الوضعية المتردية التي تتواجد عليها الأراضي الفلاحية بالمنطقة، من جراء غسل مكونات التربة تحت وطأة عنف التساقطات، و استنزافها بفعل الاستغلال المكثف وغير المعقلن، وجد الفلاحون أنفسهم مضطرين لاستعمال المخصبات، حتى تعوض التربة بعض مكونتها العضوية وبالتالي تستمر في مردوديتها. على مستوى الجماعة جاء استعمال المخصبات على الشكل التالي:

جدول رقم (5): استعمال المخصبات بدواوير البحث الميداني

جدول رقم (5): استعمال المخصبات بدواوير البحث الميداني
  المخصبات الصناعية المخصبات العضوية
المجموع بالقنطار معدل كل استغلالية بالقنطار المجموع بالشاحنات معدل كل استغلالية بالشاحنات
الساحل 459 9,56 31 0,64
بني حسان 366 7,17 59 1,15
أيلا 111 11,1 13 1,3
المجموع 936 8,59 103 0,94
المصدر: البحث الميداني 2005

المخصبات الصناعية تستعمل بشكل سنوي، معدل كل حيازة هو859 كلغ، وإذا أخذنا بعين الاعتبار معدل كل حيازة بالدواوير المدروسة، تكون حصة الهكتار الواحد هو286 كلغ، وهو معدل أقل بكثير من 800 كلغ/الهكتار الذي حدده تقرير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في دراساته التي همت مناطق زراعة الكيف بجبال الريف(ONUDC,2005).
من الملاحظات الأساسية التي سجلناها خلال البحث الميداني هي أن جميع الأسر بدون استثناء مهما اختلف دخلها تستعمل الأسمدة بشكل سنوي ومنتظم، فمردودية الكيف ترتبط في نظر العائلات بوجود الأسمدة التي أصبحت ضرورة حتمية، الاختلاف الوحيد الملاحظ يتعلق في الكمية المستعملة فبينما تكتفي الأسر المحدودة الدخل بكميات محدودة أيضا، تستعمل العائلات الميسورة القدر الكافي منها للمنتوج.

فيما يخص المخصبات العضوية( السرقين) فتواجدها في حقول الكيف تقل أهميته، فتركيز الفلاح ينصب بالدرجة الأولى على توفير الأسمدة الصناعية، لذا فاستعمالها يتخذ صبغة دورية سنتان أو ثلاث أو أربع سنوات و هناك من يكتفي بتلك التي توفرها الحيازة الفلاحية، بل قد نجد فلاحين يستبعدونها بشكل تام من نظامهم الزراعي.
وعموما، وبغض النظر عن هذه الاختلافات، يبقى المتوسط السنوي لكل حيازة بالدواوير المدروسة من المخصبات العضوية هو 0.94 شاحنة[5]، وبعبارة أخرى أن كل أسرة تقتني شاحنة على الأكثر في السنة لتخصيب لحيازتها.

5.2. اليد العاملة تمتاز بتنوعها

يمكن التمييز بين ثلاثة أصناف من اليد العاملة تقدم خدماتها للقنب الهندي، عائلية، مأجورة، متخصصة.

ا.اليد العاملة العائلية: نسوية بامتياز

يشتغل أفراد العائلات تحت إشراف رب الحيازة بكيفية مسترسلة، فهي تقدم خدماتها إلى زراعة الكيف في جميع مراحل الإنتاج من تهيئة الأرض وبذرها إلى موسم الحصاد بل إن عملها يدوم إلى ما بعد ذلك في الزراعات الصيفية .
فجميع الأسر المستجوبة أكدت لنا مساهمة أفراد الأسرة في العمل داخل الحيازة مهما اختلف دخلهم، نفوذهم، و مرتبتهم الاجتماعية.
وتعد المرأة أهم عنصر داخل منظومة العمل الفلاحي في الريف الأوسط. فبالإضافة إلى الأعمال المنزلية العادية، يشكل عمل النساء حلقة مركزية بالنسبة للدورة الانباتية للكيف. فعمل النساء يبدأ من داخل البيت حيث يوفرن شروط الإقامة “المريحة” لليد العاملة المأجورة، إعداد الطعام والماء الدافئ بالنظر لقساوة المناخ. وهذا العمل يتطلب طاقة نسوية هائلة وجهدا خارقا، بفعل تعدد اليد العاملة الذين ينضافون لأفراد الأسرة.

أما خارج البيت في الرساتيق الزراعية، فمعاناة المرأة القروية تستفحل أكثر، تبدأ بحمل الأسمدة الكيماوية و العضوية إلى الحقول فوق ظهورهن في أغلب الأحيان، ثم إزالة الأعشاب الضارة والنباتات الزائدة من الكيف حتى يسهل نموه، وتساهم النساء أيضا في ري الحقول و إزالة “ذكر الكيف” وحصاد المنتوج وحمله إلى بيت الحيازة مستعملة في ذلك قوتهن العضلية. فـ 2054 استغلالية بالجماعة من أصل 2257 تعتمد على اليد العامل العائلية الدائمة بمجموع 3124 عامل (الإحصاء الفلاحي، 1996) جلهم من النساء.
خارج الدورة الحياتية لنبتة الكيف، تتكفل المرأة بالعناية بالقطيع وجلب حطب التدفئة و… فتزداد بذلك معاناتها.

داخل هذا النسق، عمل الرجال بأعالي الريف في الميدان الفلاحي يكاد يكون هامشيا، إذ يقتصر على مراقبة اليد العاملة المأجورة وتوجيهها، وجلب المواد الأساسية من الأسواق: أسمدة ، مواد غذائية، عمال،.. وكذا الانشغال بتسويق المنتوج و السفريات خارج المنطقة…
مقابل هذا العناء والشقاء الذي تتكبده نساء الريف الأوسط، يقبعن في مجمل الحالات مهمشات أسيرات التقاليد والعادات، محرومات من أبسط حقوقهن: التمدرس، السفر.. ومازلن يرزحن تحت جبروت الرجل ! فكيف السبيل لتحقيق التنمية بالريف الأوسط ونصفه يعيش خارج إطارها؟
إذا كانت المرأة تشكل حجر الزاوية بالنسبة لليد العاملة العائلية، فإن اليد العاملة المأجورة تتشكل أساسا من الرجال وتقع مسؤوليتها بالضرورة على ذكور أفراد الأسرة.

ب.اليد العاملة المأجورة

توفر بلاد الكيف بجبال الريف حوالي 13 مليون يوم عمل نصفها تنذر لليد العاملة الأجيرة، وهذا ما يعطي 340 مليون درهم كرقم معاملات تحصل عليه هذه الأخيرة باعتبار أن متوسط الأجر هو52 درهم (ONUDC,2005)
يشارك العمال الزراعيون في جميع مراحل الإنتاج من فترة الحرث إلى موسم الحصاد. وجاء توزيعهم بالدواوير المدروسة حسب فترات العمل الزراعي كالآتي:

جدول رقم(6): نسبة حضور اليد العاملة الأجيرة في الفترات الزراعية بدواوير البحث الميداني
إعداد الأرض وزرعها صيانة المنتوج الحصاد
عدد العمال% عدد أيام العمل% عدد العمال% عدد أيام العمل% عدد العمال% عدد أيام العمل%
45,79 44,54 20,95 30,69 29,68 24,76
المصدر: البحث الميداني 2005

يتضح أن فترة إعداد الأرض وزرعها تتطلب نصف عدد العمال المأجورين ونصف عدد أيام العمل من الموسم الزراعي، أما النصف الآخر فيخصص لصيانة زراعة الكيف وحصادها. ويرجع هذا إلى أن حرث الأرض وبذرها عملية تستلزم جهدا كبيرا تعجز اليد العاملة العائلية توفيره، فيكون الاعتماد شبه كلي على اليد العاملة الأجيرة.
بينما في الفترتين الأخرتين الصيانة والحصاد فالعمل يكون تقنيا أكثر منه عضلي يؤديه أفراد الأسرة فتقل بذلك نسبة اليد العاملة المأجورة.

هناك بعض الحيازات الفلاحية بالجماعة التي تشغل اليد العاملة المأجورة بصفة دائمة عددها الإحصاء الفلاحي في 83 حيازة فلاحية، التي توظف 111عملا مأجورا. لماذا يختار العمال الزراعين التوجه إلى الريف الوسط؟ الجواب يعود إلى عدة أسباب منها: الارتفاع الملحوظ للأجر اليومي المتوسط الذي يصل إلى 100 درهم، زيادة على الاستفادة من بعض الامتيازات كالمأكل و المأوى والتدخين..وهذا ما يفسر «عدم مساهمة العمال الزراعيين في تحريك دواليب الاقتصاد المحلي على الأقل كمستهلكين»(بودواح، 2002) فباستثناء مصاريف التنقل يعود العامل الزراعي بكامل أجره إلى موطنه الأصلي.

ج.اليد العاملة المتخصصة: مهمتها تصنيع الكيف

تحويل الكيف إلى مادة مصنعة يستلزم يد عاملة متخصصة مؤهلة للقيام بهذا العمل، فتحويل الكيف إلى مشتقات صناعية قابلة “للاستهلاك”، يفرض توفر مهارات وتقنيات تمتلك بالتجربة والتراكم مع الوقت، كما يحتم بالضرورة عنصري الثقة والسرية بين المشغل والعامل، مادامت العملية برمتها تجانب القانون المعمول به.
لهذه الأسباب، تتسم أجور هذا الصنف من العمال بالارتفاع قد تصل إلى 400 درهم للقنطار بالنسبة لتحويل الكيف إلى مسحوق الحشيش، و 50 درهم للكيلوغرام بخصوص “الزيار” pressage، إعداد المسحوق للتخزين والشحن.
هذا الصنف من العمال يتكون أساسا من أبناء المنطقة الذين راكموا تجارب ومهارات تصنيع الكيف منذ نعومة أظافرهم، ونادرا ما يلجأ إلى عمال من خارج المنطقة.
توقيت عمل هذه الفئة غير مضبوط، فهي خاضعة بالضرورة للطلب، فالزمن هنا ينتفي ويفقد توازنه، النهار مثل الليل، المهم أن تكون الكمية المطلوبة جاهزة في موعد التسليم. لهذا لا غرابة أن نجد العمال يقضون ليالي بيضاء يشتغلون بدون انقطاع لمدة طويلة. فالكل يتجند لتوفير “الطلب” في الموعد المحدد.

6.2. تربية الماشية: في تراجع كبير في المجال المدروس

لقد ظل نشاط تربية الماشية إحدى دعائم الاقتصاد الفلاحي “المغلق” بهذه الجبال إلى عهد قريب، و شكل مع الغابة و الزراعة الثلاثية التي حددت معالمه. وكان قطيع الدوار وفيرا يتكون من مئات الرؤوس ، ويطغى عليه أساسا صنف الماعز. هذه الوضعية التي كانت تميز نظام تربية الماشية بالمجال سرعان ما ستنقلب رأسا على عقب خلال السنوات الأخيرة، بسبب ما تعرفه المنطقة من تحول في نمط الإنتاج و الحياة الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة، ومن تضيق وخنق للمجال الرعوي عن طريق الاجتثاث المفرط للغابة. فأصبح متوسط القطيع بالجماعة لا يتعدى 3.98 رأس (الاحصاء الفلاحي، 1996) لكل أسرة وهو متوسط ضعيف بالنسبة لساكنة قروية جبلية.
هزالة القطيع هذا يزكيها تصريحات الفلاحين أغلبيتهم أدلو لنا بأن قطيع الحيازة هو في تقهقر مستمر 92.59% من المستجوبين مقابل 7.41% من الأسر أكدوا على أنهم اعتادوا على كسب عدد قار من الماشية مدة طويلة لا يتجاوز في أحسن الحالات عدد أصابع اليد.

7.2. الأنشطة غير الفلاحية: مساهمة هامشية في خزينة الحيازة

هزالة الأنشطة غير الفلاحية بالمجال تبرز بشكل واضح، فمن أصل 2257 استغلالية الموجودة بالجماعة نجد 123 فقط هي التي تمارس نشاطا غير فلاحيا أي 5.4% ، مقابل 94.5% تعتمد بشكل كلي على الفلاحة(الاحصاء الفلاحي، 1996).لم تخرج نتائج البحث الميداني عن هذه الخلاصات:

جدول رقم(7): توزيع العائلات حسب عدد أفرادها المزاولين لأنشطة غير فلاحية ب %
عدد الأنشطة
الدواوير
0 1 2 3
الساحل 81.25 10,42 6,25 2,1
بني حسان 90,2 7,8 1,96
أيلا 80 20
المجموع 77.06 10.09 2.75 1,83
المصدر: البحث الميداني 2005

هامشية حضور الأنشطة غير الفلاحية بالمجال أمر واضح فأكثر من 77% من الأسر –رغم حجمها الكبير- لا يشتغل أي من أفرادها خارج القطاع الفلاحي و نسبة قليلة جدا يمتهن أحد أعضائها نشاطا غير فلاحي، أما العائلات التي لها أكثر من فرد يشتغل خارج الفلاحة، فنادرة الوجود بالمجال.
يبدو أن النشاط غير الفلاحي أمر غير مرغوب فيه بالمجال، فمن أصل 109 أسرة التي شملهم البحث الميداني، لم نعثر إلا على 21 شخصا ينشطون خارج الفلاحة. بمعدل أقل من شخص واحد لكل خمس أسر.

إذا كان خيار تنويع الأنشطة الاقتصادية يعتبر من المرتكزات الأساسية للتنمية بالعالم القروي (وزارة الفلاحة والتنمية القروية،2000) ، فالأمر يكتسي ضرورة ملحة ببلاد الكيف، فمن شأن تحفيز توجيه الاستثمارات لهذا الجزء من الوطن أن يخلق فرصا للشغل، تخفف من تركيز اهتمام الإنسان على ما يدره القطاع الفلاحي وبالتالي تخفيف ضغطه على الوسط البيئي.
وبهذا هيمن النشاط الفلاحي الأحادي على كافة الأنشطة الاقتصادية الأخرى بما فيها الأنشطة غير الفلاحية التي تبقى مساهمتها في خزينة الحيازة مساهمة جد هامشية.

3. آفاق التنمية بالجماعة: إشكالية البديل الاقتصادي

لاشك أن زراعة الكيف تمثل إحدى أهم تحديات التنمية ليس بالجماعة فقط، وإنما في جميع الجماعات التي تتعاطى لهذه الزراعة.

1.3. موقف السكان من البديل

ومن أجل الوقوف عند مدى ترسيخ ثقافة الكيف لدى سكان الجماعة، ومدى ارتباطهم بزراعتهم المفضلة، يمكن التساؤل عن إمكانية استبدالها ؟ قمنا باستقراء رأي السكان في هذا الصدد، فجاءت نتائج البحث كالآتي:

جدول رقم(8): موقف الفلاحين من بديل الكيف بدواوير البحث الميداني
  الرفض % بديل مالي% توفير الشغل% الامتناع%
الساحل 64,58 16,67 12,5 6,25
بني حسان 72,55 21,57 3,92 1,96
أيلا 60 10 30
المجموع 67,89 18,35 10,09 3,67
المصدر: بحث ميداني 2005

أهم الخلاصات التي يمكن استخراجها من الجدول هي تبلور موقفين أساسين: الأول يرفض أي بديل مهما كانت الظروف، والثاني يتنازل عن زراعة الكيف لكن بشروط.
الموقف الأول: وهو رأي السواد الأعظم من المستجوبين، فهؤلاء يرفضون بصفة قطعية أي تدخل لاستبدال مصدر رزقهم الوحيد، ويشكلون نسبة 68% من مجموع الأسر المستجوبة وتصل نسبتها القصوى في دوار بني حسان 72.55%.

الموقف الثاني: وتضمن رأي الذين قبلوا باستبدال زراعتهم، ونميز داخله بين مجموعتين:

مجموعة أولى: تشترط للاستغناء عن الكيف تعويضا ماليا شهريا قارا نعتوه بـ”الشهرية”، تفاوت قدره من مستجوب لآخر، ما بين 5000درهم كحد أدنى و 20000درهم كحد أقصى؛ يبررون موقفهم هذا بأمرين أساسين الأول هو أن المنطقة لا تتوفر على بنية تحتية (معامل، منشآت صناعية..) يمكنهم الاشتغال فيها؛ والثاني يتعلق بعدم ملاءمة الأراضي الزراعية لأية زراعات أخرى مهما كان نوعها بسبب تقطعها الكبير و انحداراتها الشديدة وأتربتها الرديئة -إنها وجدت من أجل الكيف- حسب تعبيرهم. لهذا فهم يرفضون أي مبادرة لاستبدال الكيف بمنتوج زراعي آخر لأنها ببساطة لا تصلح، وستكون ذات مردودية ضعيفة. أصحاب هذا التوجه مثلوا 18.35% من مجموع الأسر المستجوبة.
مجموعة ثانية: فضلت أن يكون البديل هو تمكينها من الحصول على شغل قار، لا يهم مكان تواجده داخل المنطقة أو خارجها أو حتى خارج الوطن. المهم أن يذر دخلا محترما ومنتظما يستطيعون به إعالة أفراد أسرتهم. شكل أصحاب هذا الموقف حوالي 10%.

 

يتبين إذن، أن 28.44% من العينة المستجوبة مستعدين للتخلي المشروط عن زراعتهم المفضلة، وهو ما يشكل حوالي الثلث وهي نسبة مرتفعة. لكن بالمقابل، هل شرطهم هذا قابل للتحقيق؟ أبإمكان الدولة أن توفر لكل هؤلاء المزارعين تعويض ماليا؟ هل باستطاعتها توفير الشغل لهم؟ و الأهم من كل هذا كيف ستتعامل مع الأغلبية الساحقة الرافضة؟ وهنا يكمن مربض الفرس !؟ يبدو أن حتى “زراعة الكيف” لم تعد تلك الزراعة الحلم التي تدرج بمن يزاولها في سجل الأغنياء، و الدليل أن غالبية الفلاحين المستجوبين عبروا لنا عن عدم رضاهم عنها، فهي في نظرهم في تقهقر مستمر منذ التسعينات، فمن جهة، أدت الحملات التي شنها المخزن على التجار و المهربين في منتصف التسعينات إلى كساد التجارة المحضورة، فتراجعت الأثمان إلى أدنى مستوياتها. ومن جهة أخرى، التوسع المجالي الشاسع للنبتة دفع بتجارها إلى تفضيل اقتنائها من الأماكن القريبة من مرافئ التصدير أو مجالات الإنتاج الحديثة، حيث تكون مردودية الكيف مرتفعة[6]. وهذا ما يجعل من سكان كتامة في لحظة انتظار طويلة، وقليل هم المحضوضون الذين يستطعون تسويق كمية من منتوجهم، وفي غياب ذلك لا يجد الفلاح الكتامي بدا من “الاستدانة”، من أجل سد حاجياته الأساسية في انتظار البديل الاقتصادي الذي قد يكون أو قد لا يكون !

و رغم كل هذا، فالفلاحون يرسمون صورا قاتمة في حالة إذا ما أنتزع القنب – تحت أي ظرف – من مشاراتهم الزراعية، ولقد شكل السؤال الذي طرحناه على الفلاحين في هذا الصدد: “كيف تتصور مستقبل البلاد بدون كيف؟” صدمة لهم ! حيث أثار حفيظتهم واستفزهم. فتوزعت، إجابتهم بين إعلان لموقف سياسي – ربما دون إدراكهم لذلك – أو بإعطاء صورة أقل ما يمكن أن بقال عنها مأساوية، وصنفناها كالآتي:


جدول رقم(9): صورة الجماعة بدون كيف في أذهان السكان
الرأي %
موقف سياسي* 35,78
صورة قاتمة** 56,88
العودة إلى الحياة البدائية 7,34
المجموع 100
المصدر: بحث ميداني 2005
*تمثل في موقف معادي للسلطة
**النزوح الجماعي، المجاعة، الاقتتال، السرقة، ..

2.3. نحو بديل اقتصادي مجدي

في آخر تقرير للمنظمة الدولية لمكافحة الجريمة والمخدرات حول الكيف بالمغرب الصادر سنة 2005 ، صنفت مجالات زراعة الكيف بالمغرب إلى ثلاث مجالات(ONUDC, 2005):
النطاق الأول: يتشكل من مجالات التي يعتبرون السكان الزراعة حق تاريخي مكتسب، في هذه المجالات نجد زراعة الكيف هيمنت على باقي الزراعات التي لم يعد لها أي دور اقتصادي بالنسبة للسكان، أرباب الاستغلاليات في هذا النطاق ورثوا زراعة الكيف عن أجدادهم.
النطاق الثاني: الزراعة ترسخت عند السكان كعادة “Tolérée “، عمر هذه الزراعة يتراوح ما بين 15 و 20 سنة في أقصى الحالات
النطاق الثالث: تترسخ الزراعة في أذهان السكان كنشاط غير شرعي، ويتكون من المجالات التي تعاطت لهذه الزراعة حديثا سنة2000.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار هذا التصنيف ومع مراعاة آراء السكان يمكن، أن نتصور استراتيجية للبديل الاقتصادي لهذه النبتة وذلك عبر المراحل الاتية:
المرحلة الأولى: القضاء على زراعة الكيف في المناطق الحديثة مادام لا يزال السكان يؤمنون بأنه نشاط غير مشروع، وتقليصه في النطاق الثاني إلى أقصى ما يمكن، والبدء هنا يجب أن يكون بالمناطق التي تتوفر على مؤهلات فلاحية هامة، ومنعه في المساحات المكتسبة حديثا على حساب الغابة في كافة جبال الريف.

المرحلة الثانية: حصر المساحات المتبقية وتدقيقها بغية إحصاء عدد الحيازات المزروعة بالكيف.

المرحلة الثالثة: تدعيم البنية التحتية للمنطقة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي، وخلق وحدات إنتاجية صغرى ومتوسطة مرتبطة بالصناعة الفلاحية أو غيرها، من أجل خلق مناصب شغل التي ستخفف من تركيز اهتمام القروين على الكيف.
المرحلة الرابعة: منح تراخيص لأرباب هذه الحيازات بمزاولة زراعة الكيف -على غرار ما كان المعمل به في ظهير 1919 أو المعمول به حاليا في زراعة التبغ- على أساس توجيه الانتاج إلى الاستعمالات الصناعية “النسيج، العطور، منتوجات صيدلية…” ويجب الاستفادة هنا من تجارب بعض الدول الأوربية.على أن تتكفل الدولة أو من توكله في تسويق المنتوج من الفلاحين.
في نفس الوقت يجب التعامل بصرامة -نص تشريعي إن اقتضى الحال- مع المخالفين ومع الذين يحاولون توسيع حيازتهم على حساب الغابة.

الخلاصة

تبقى زراعة الكيف أحد أهم العوائق التي تعرقل عجلة التنمية بالجماعة، فالجميع داخل المجال، سواء كان بشرا أم شجرا أم حجرا مصنف من الناحية القانونية ضمن دائرة اللاشرعي.
فإذا كانت الدولة بمشاركة الفاو قد فشلت في انتزاع الكيف من مئات السكان (تجربة دوار أزيلا)، فكيف لها أن تنجح في إنتزاعه من مئات الآلاف[7] الآن “جبال الريف”.

فرغم تعدد الاقتراحات لاستبدال زراعة الكيف، كغراسة الإجاص والتفاح أو زراعة التبغ والشاي أو زراعة الكبار التي اعتبرت من الزراعات ذات القيمة المضافة العالية التي بإمكانها أن تحل محل الكيف…، إلا أن مثل هذه الاقتراحات لم تأخذ بعين الاعتبار لا بنية الملكية العقارية السائدة بالمجال ولا الأهمية الاقتصادية الحقيقية، التي تمثلها زراعة الكيف بالنسبة للساكن. فهل بإمكان أشجار التفاح أو زراعة الكبار … أو غيرهما، أن تضمن العيش لأسرة تتكون من سبعة أفراد وتمتلك حيازة فلاحية لا تتعدى مساحتها بضع آرات؟
لقد حان الوقت في اعتقادنا لكي تعترف الجهات الرسمية باستحالة إيجاد البديل للكيف، ومن ثم البحث عن صيغة ملائمة لتقنين الزراعة مع توجيه الانتاج إلى (الصناعة، التطبيب، النسيج، …). ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تنقل مجال الدراسة ومعه باقي جبال الريف إلى نظام سوسيوإقتصادي جديد، ستتغير معه مختلف الميكانيزمات المحددة للتنمية بالمجال.
إن قرارا مثل هذا يحتاج للشجاعة والجرأة الكافيتان، لأن إخراجه للوجود يمكن أن يكتنفه مجموعة من العوائق، كصعوبة التحكم في مسالك الكيف أي استمرار استعماله في المجالات غير الشرعية. وكذلك الحرج الذي يمكن أن يضع فيه المغرب نفسه اتجاه المجتمع الدولي. لكن هذه العراقيل يمكن تجاوزها بتشديد العقوبات، وأن تطرح قضية تقنين الكيف للنقاش مع شركائه الأجانب، مادام العديد من الدول الأوربية ترخص لهذه الزراعة (إسبانيا، هولندا، ألمانيا..)، من أجل الاستعمالات الطبية والصناعية..
وفي هذا السياق، فالتركيز على البحث عن بديل سيكون دون جدوى، ما لم يكن مصحوبا بإجراءات فعالة لتنمية الرف الأوسط وهوامشه مختلف الميادين وفي إطار المشروع الترابي التشاركي للتنمية المستدامة.

وهنا يمكن القول أن إيجاد بديلا اقتصاديا لزراعة الكيف بجبال الريف ليس بالأمر الهين، لهذا، فإن أي تفكير يصب في هذا الاتجاه، لابد أن يمر عبر رد الاعتبار للسكان المعنيين، لأن المنع «يعني المواجهة المباشرة مع المواطنين الريفيين، لأنه لحد الآن ليست هناك زراعة بديلة ملموسة عن مادة الكيف» (أقصبي، 2006) وهذا ما عبرت عنه فئة عريضة من أرباب الأسر المستجوبين بالجماعة. لهذا فالمشروع التنموي المبني على البديل الاقتصادي يجب أن يشرك جميع الفاعلين والمتدخلين في التنمية المحلية من التصور ومرورا بمراحل الانجاز ووقوفا عند مرحلة المتابعة والتقييم من اجل ضمان نجاح واستمرارية المشروع التنموي الهادف للتنمية الشاملة والمستدامة.

 

(محاماه نت)

إغلاق