دراسات قانونية
دراسة موجزة حول تمييز الإرهاب عن غيره من الجرائم المشابهة
الإرهاب في القانون الدولي
في هذا البحث سوف أتناول مسألتين: الأولى هي التعريف بالإرهاب والجهود الدولية المبذولة لمحاربته، والثانية هي التمييز بين الإرهاب وغيره من الجرائم المشابهة.
أولا: التعريف بالإرهاب
ليس لمصطلح “الإرهاب” محتوى قانوني محدد، فقد تعرض مدلوله للتطور منذ جرى استخدامه في أواخر القرن الثامن عشر([1])، فقد تغير ذلك المدلول من وقت لآخر، فبينما كان يقصد به في البداية تلك الأعمال والسياسات الحكومية التي تهدف إلى نشر الرعب بين المواطنين، من أجل إخضاعهم لرغبات الحكومة، فقد أصبح يستخدم الآن لوصف أعمال يقوم بها أفراد أو مجموعات تتسم بالعنف وخلق جو من عدم الأمن لتحقيق هدف سياسي.
والعمليات الإرهابية المعاصرة تستهدف اليوم، وبصفة رئيسة بث الرعب في نفوس كافة الدول، مما دفع الأمم المتحدة في عام 1972م إلى إضافة لفظ دولي (International) إلى كلمة إرهاب، وإنشاء لجنة متخصصة لدراسة الدوافع والأسباب الكامنة وراء العمليات الإرهابية([2]).
بهذا المعنى يشمل الإرهاب عددا من الأعمال، منها اختطاف الأشخاص وأخذ الرهائن وخاصة الممثلين الدبلوماسيين وقتلهم، ووضع المتفجرات والعبوات الناسفة في أماكن تجمع المدنيين كالفنادق والبنوك ووسائل النقل العامة([3])، والأصل أن أعمال الإرهاب هي في غالبها أعمال يعاقب عليها القانون الوضعي في مختلف الدول حال ارتكابها فوق إقليم الدولة أو ملحقاته، ونظرا لتزايد الأعمال التي توصف بالإرهاب في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وخاصة جرائم الاغتيال السياسي، فقد أدى ذلك إلى ظهور بعض الجهود الهادفة للوصول إلى نوع من التجريم الدولي لتلك الأعمال، وضمان توقيع العقاب الرادع على مرتكبيها،
وقد توجت تلك الجهود بوضع اتفاقية تجريم الإرهاب والعقاب عليه في ظل عصبة الأمم التي عرضت للتوقيع عليها في جنيف في 16 تشرين أول عام 1937([4])، وهي بحق أول محاولة دولية لتقنين الإرهاب على الساحة الدولية وذلك على الرغم من انها لم تصبح نافذة المفعول نتيجة عدم التصديق عليها إلا من قبل دولة واحدة فقط، ولكن على الرغم من قصور هذه الاتفاقية وعدم التصديق عليها، إلا أنها كانت تعبر عن رغبة الدول في حينه للتعاون على مكافحة الإرهاب بما يحقق سيادة الدول واحترام انظمتها الدستورية([5]).
ولم يهتم المجتمع الدولي في قضية الإرهاب إلا بعد خمسة وثلاثين عاما من توقيع الاتفاقية، وتحديدا في أواخر عام 1972، أي بعد تنفيذ العملية الفدائية الفلسطينية في مطار اللد وقتل الرياضيين الإسرائيليين في ميونخ في ألمانيا في العام نفسه([6]).
ولقد ازداد اهتمام هيئة الأمم المتحدة بظاهرة الإرهاب بسبب سعة انتشارها وخاصة في السنوات الأخيرة، مما دفع الجمعية العامة للهيئة لإدراج بند الإرهاب على جدول اعمالها الأربعين، وتنم طريقة إدراجه على مدى التباين في وجهات النظر بشأنه، فالبند هو: التدابير الرامية إلى منع الإرهاب الدولي، الذي يعرض للخطر أرواحا بريئة أو يودي بها، أو يهدد الحريات الأساسية، ودراسة الأسباب الكامنة وراء أشكال الإرهاب وأعمال العنف التي تنشأ عن البؤس وخيبة الأمل، والشعور بالضيم واليأس، فتحمل بعض الناس على التضحية بأرواح بشرية وأرواحهم هم، محاولين بذلك إحداث تغييرات جذرية.
والواقع أن إدراج البند بهذا الشكل كان للتوفيق بين العديد من الاعتبارات، ولوضع حل وسط بين الدول فيما يعد إرهابا، والتدابير التي يمكن أن تتخذ ضد الإرهابيين([7]). وعندما وضعت لجنة الإرهاب الدولي التابعة للأمم المتحدة مشروع اتفاقية موحدة بشأن الإجراءات القانونية لمواجهة الإرهاب الدولي عام 1980م، عبرت عن خصائصه بقولها:
“إن الإرهاب الدولي يعد عملا من أعمال العنف الخطيرة أو التهديد به، يصدر من فرد سواء كان يعمل بمفرده أم بالإشتراك مع أفراد آخرين، ويوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو الأمكنة، أو وسائل النقل والمواصلات، أو ضد أفراد الجمهور العام، بقصد تهديد هؤلاء الأشخاص أو التسبب في جرحهم أو موتهم أو تعطيل فعاليات هذه المنظمات الدولية، أو التسبب في إلحاق الخسارة أو الضرر أو الأذى بهذه الأمكنة أو الممتلكات، أو بالعبث بوسائل النقل والمواصلات،
بهدف تقويض علاقات الصداقة بين الدول أو بين مواطني الدول المختلفة، او ابتزاز تنازلات من الدول، كما أن التآمر على ارتكاب أو محاولة ارتكاب أو الاشتراك في ارتكاب أو التحريض العام على ارتكاب الجرائم، يشكل جريمة الإرهاب الدولي”([8]).
وعلى الرغم من الاهتمام الكبير بظاهرة الإرهاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أننا لا نجد تعريفا قانونيا محددا للإرهاب([9])، كما أنه حتى اللحظة لم يستقر المجتمع الدولي على تعريف واحد ومحدد ومقبول لمصطلح الإرهاب([10]).
ولحسن الحظ فإن لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، التي تقوم بتقنين الجرائم المخلة بأمن وسلام الإنسانية، قد قدمت في المادة التاسعة عشرة من المشروع، التعريف التالي للإرهاب: “الإرهاب هو كل نشاط إجرامي موجه إلى دولة معينة ويستهدف إنشاء حالة من الرعب في عقول الدولة أو أي سلطة من سلطاتها أو جماعات معينة منها”.
فهذا التعريف يعطي العناصر الأساسية التي تقوم عليها جريمة الإرهاب، ولكن اللجنة لم تحدد المقصود بالنشاط الإجرامي، على الرغم من أن الأمثلة التي ضربتها على جرائم الإرهاب توضح أن المقصود منه العدوان على الأرواح أو الأموال أو عليهما معا، كما أدخلت اللجنة ضمن الأنشطة الإجرامية المكونة للإرهاب صناعة الأسلحة وحيازتها وإمداد الإرهابيين بها لمساعدتهم على القيام بأعمالهم الإرهابية([11]).
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن الإرهاب – في بعض الأحيان – يختلط بغيره من النشاطات الإجرامية الأخرى، وذلك لأن الارهاب بما يشكل من عدوان على الاموال ولأرواح يشكل جريمة داخلية، وهذا الخلط يقودنا الآن الى ضرورة التمييز بين الارهاب الدولي وغيره من الجرائم المشابهة، ولكن قبل ان نبدأ بالتمييز بينهما ان ننوه الى انه بالاضافة الى الاهتمام الدولي بالارهاب، فقد كان هناك جهد اقليمي ايضاَ لمحاربة الارهاب وخاصة اوروبا،
حيث نجحت تلك الدول وفي اطار مجلس اوروبا في التوصل الى الاتفاقية الاةرةبية لقمع الارهاب وقع عليها عدد من الدول في 27 يناير 1977م ([12])، وتجرم هذه الاتفاقية وتعاقب على الأفعال التي تشكل جرائم إرهابية من وجهة نظر هذه الدول، مع وضع تدابير للتعاون فيها في هذا الخصوص، بالإضافة إلى إقرار طائفة من الجرائم التي يتعين فيها تسليم المجرمين دون اعتبار لكون بعضها فيه شبهة الجريمة السياسية([13]).
ثانيا: التمييز بين الإرهاب وغيره من الجرائم المشابهة
قد يختلط الإرهاب في – بعض الأحيان – بغيره من النشاطات الإجرامية الأخرى الداخلية والدولية، وعلى وجه الخصوص ما يسمى بالجريمة المنظمة، وهو ما سوف نوضحه في ختام هذا المبحث.
فالإرهاب وبما يشكله من عدوان على الأرواح والأموال يشكل جريمة داخلية، ولكن الذي يعطي الوجه الدولي لهذه الجريمة هو حالة الرعب الشديد الذي ينشرها في عقول وقلوب الناس والحكام بشكل خاص.
فالإرهاب يتخذ من وسائل النقل الجماعي هدفا له، لأن أي عدوان عليها ينشر رعبا بين طوائف عديدة من الناس وينتشر سريعا في مختلف الدول([14]). فيحقق الهدف المنشود من العدوان وهو نشر قضية الإرهابيين واشعار المجتمع الدولي بمدى الظلم الواقع عليهم.
وتكمن الصعوبة في العمل الإرهابي أنه لا يقتصر على توجيه فعل العدوان إلى عدو الإرهابي فحسب، بل أنه يتعداه إلى رعايا دول أخرى وأموال مملوكة لدول أخرى، ولعل هذا هو السبب الرئيس الذي يجعل العالم الآن مهتما بالتعاون من أجل مكافحة الإرهاب وخاصة الذي يقوم به الأفراد([15]).
وقد عرف عبد العزيز سرحان الإرهاب الدولي بأنه:
“كل اعتداء على الأرواح والممتلكات العامة أو الخاصة بالمخالفة لأحكام القانون الدولي بمصادره المختلفة بما في ذلك المبادىء العامة للقانون بالمعنى الذي تحدده المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية([16])، ولأنه كذلك، فإنه يقع تحت طائلة العقاب طبقا لقوانين سائر الدول. وهو ما سبق أن استندت إليه الأحكام التي أصدرتها محكمة نورمبرج، ومحكمة طوكيو بخصوص معاقبة مجرمي الحرب العالمية الثانية”([17]).
ويعد الفعل إرهابا دوليا وبالتالي جريمة دولية سواء قام به فرد أم جماعة أم دولة، ولا يعد الفعل إرهابا وبالتالي لا يعاقب عليه القانون الدولي إذا كان الباعث عليه الدفاع عن الحقوق المقررة للأفراد، وحقوق الإنسان والشعوب، أو كان يهدف للوصول إلى حق تقرير المصير([18])، والحق في تحرير الأرض المحتلة و/أو مقاومة الاحتلال؛ لأن هذه الأفعال تقابل حقوقا يقررها القانون الدولي للأفراد والدول، ويكون الأمر هنا متعلقا باستعمال مشروع للعقوبة طبقا لأحكام القانون الدولي والاتفاقية العرفية([19])، وهذا ما أكدته ونصت عليه المادة الثانية من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998م([20]).
—
ولم تخرج هذه الاتفاقية في تعريفها للإرهاب عن المعاني والمضامين التي وردت في التعريفات السابقة، فقد عرفت الإرهاب بأنه:
“كل فعل من أفعال العنف والتهديد أيا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الإستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر([21])”.
وأخيرا تجدر الإشارة إلى الخلط الذي قد يثار بين جريمة الإرهاب، وما يسمى بالجريمة المنظمة عبر الدول مثل الاتجار بالأعضاء البشرية، والمخدرات.
فجرائم الإرهاب تتشابه مع تلك الجرائم من حيث درجة التخطيط والتنظيم، فكلا النوعين من الجرائم ترتكب من منظمات إجرامية على درجة عالية من التنظيم والتخطيط، وهذا ما دفع بعض الباحثين للخلط بينهما، واعتبارهما من طبيعة واحدة. ولكن على الرغم من وجود نقاط التلاقي بين كلتا الجريمتين، إلا أنهما تختلفان من عدة وجوده، أهمها:
1. الجريمة المنظمة عبر الدول لا يمكن ان ترتكب من شخص واحد فقط، أما جرائم الإرهاب فيمكن إرتكابها من شخص واحد.
2. الباعث الرئيس في الجرائم عبر الدول يهدف للحصول على أكبر قدر من الأرباح، أما باعث الجرائم الإرهابية فهو تحقيق أهداف سياسية([22]).
وهكذا فإننا نخلص من عرضنا السابق لمفهوم الإرهاب إلى أن الإرهاب ظاهرة عالمية، عرفها الإنسان منذ القدم، وقد فشل القانون الدولي حتى الآن في إيجاد تعريف موضوعي لمفهوم الإرهاب، وذلك نظرا لتضارب مصالح الدول المؤثرة في العالم وازدواجية المعايير([23])، إلا أنه يوجد إجماع دولي حول بعض الأفعال التي تشكل إرهابا، وقد اتفق على شجبها ومكافحتها.
——————————————————————————–
[1] وهذا لا يعني بحال أن الإرهاب لم يعرف إلا في القرن الثامن عشر بل أن البعض يرجع ظهور الحركات الإرهابية إلى سنة 66-73م، حيث ظهرت في فلسطين حركة إرهابية هي “السيكاريون” sicari وهي طائفة دينية على درجة عالية من التنظيم قامت بإرتكاب أعمال إرهابية ضد الأبرياء ممن كانوا لا يؤيدون المعتقدات التي كانت تؤمن بها هذه الطائفة، شكري محمد عزيز الإرهاب الدولي دراسة قانونية ناقدة الناشر دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، طبعة أولى عام 1991م، ص21-22.
[2] البنا، يحيى أحمد، الإرهاب الدولي ومسؤوليات شركات الطيران، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1994، ص1-3.
Noone, Michael, and Yonah Alexander.
3 Case and Materials on Terrorism, Three Nations’ Response. Michael Noone and Yonah Alexander. Published by Kluwer Law International, 1997, p 519.
[4] عامر، صلاح الدين، المقاومة الشعبية المسلحة في القانون الدولي العام، مع إشارة خاصة إلى أسس الشرعية الدولية للمقاومة الفلسطينية، دار الفكر العربي، القاهرة، (بلا.ت)، ص488.
[5] رفعت، أحمد محمد، الفوارق القانونية بين الكفاح المسلح المرتبط بحق تقرير المصير والإرهاب الدولي، بحث مقدم إلى مؤتمر اتحاد المحامين العرب السادس عشر المنعقد في الكويت سنة 1987، منشور في كتاب أبحاث المؤتمر الجزء الثاني (بلا.ت)، ص 536-538.
[6] شكري، محمد عزيز، الإرهاب الدولي، ص57.
[7] عبد السلام، علي جعفر، بين جريمة القرصنة وجرائم الإرهاب الدولي، بحث مقدم إلى إتحاد المحامين العرب السادس عشر المنعقد في الكويت سنة 1987، (بلا.ت)، الجزء الثاني، ص567.
8 Report of the meeting of “Ad Hoc” group of experts on international co-operation for the prevention and control of the various manifestation of crime including terrorism, Siracusa, Italy, 20-24 January, 1988.
[9] لايوجد لمصطلح الإرهاب تعريف قانوني أو حتى سياسي دقيق حتى الآن، فلا زال الغموض يكتنف تعريفه. فقد وضع (شميد) مئة وتسعة تعريفات لهذا المصطلح في كتاب الإرهاب السياسي (Political Terrorism) سليمان عصام، تحريم العنف والإرهاب في المواثيق والاتفاقيات الدولية دراسة منشورة في مجلة الفكر العربي (مجلة الإنماء العربي للعلوم الإنسانية) التي تصدر في بيروت العدد الخامس والستون، تموز – يوليو، أيلول سبتمبر 1991، ص82.
10 Chadwick, Elizabeth. Self-Determination, Terrorism and the international Humanitarian Law of Armed C