دراسات قانونيةسلايد 1
الابراء واستحالة التنفيذ في أحكام القانون المدني (بحث قانوني)
أولاً: الإبراء:
أورد المشروع المادتين (435 و436) بشأن الإبراء ويقابلهما المواد من (351 إلى 355) من قانون التجارة الحالي، وقد أخذ المشروع بماهية الإبراء من الفقه الإسلامي ناهجًا في ذلك نهج القانون الحالي وكثرة من التشريعات العربية (371 مدني مصري و465 مدني سوري و420 مدني عراقي و358 مدني ليبي). وتقضي المادة (435) بأن الإبراء الصادر من الدائن يقضي الإلزام فلا يتوقف انقضاؤه على قبول من المدين، بل يترتب عليه هذا الأثر متى وصل إلى علم المدين ولم يرده، فإن رده عاد الدين كما كان وبذلك يعود مع مقوماته فتبقى له صفاته وتأميناته، كما يظل خاضعًا للدفوع التي تلابسه، وتأكيدًا لعودة الدين على ذلك الوجه استحدث المشروع فقرة ثانية تقضي بذلك الحكم تلافيًا من اختلاف الآراء في هذا الشأن. ولتحديد الوقت الذي يصح فيه الرد يلزم الرجوع إلى الفقه الإسلامي باعتباره مصدر التشريع في ذلك الخصوص والرأي عندهم أن الرد يصح في مجلس الإبراء إن كان المدين حاضرًا فيه، فإذا انقضى المجلس صار الإبراء باتًا غير قابل للرد من المدين، أما إذا كان المدين غائبًا من المجلس فيجوز له الرد متى وصل الإبراء إلى علمه (المادة 1568 من مجلة الأحكام ومؤلف درر الحكام في شرح المجلة جزء 4 ص 64).
وتنص المادة (436) بأنه يسري على الإبراء القواعد الموضوعية التي تسري على التبرعات، وأنه لا يشترط في الإبراء شكل خاص حتى وإن وقع على التزام يتطلب ذلك الشكل، ويوجه هذا الحكم في شطره الأول أن الإبراء نزول عن الدين دون مقابل وهو بذلك تبرع محض فوجب أن تسري عليه من حيث موضوعه القواعد القانونية التي تحكم التبرعات، ويوجه الحكم في شطره الآخر أن الإبراء وإن كان يصدر على سبيل التبرع أو الهبة إلا إنه يعتبر من قبيل الهبات غير المباشرة التي لا يتطلب القانون الرسمية لانعقادها وعلى ذلك يصح الإبراء من الالتزام مصدره عقد شكلي وسواء كان الشكل مفروضًا بحكم القانون كعقد الوعد بالهبة أو كان الشكل لازمًا باتفاق الطرفين كاتفاقهما على أن يكون البيع بورقة رسمية، فإنه يصح إبراء الواعد من وعده بالهبة وإبراء المشتري من التزامه بثمن المبيع بغير ورقة رسمية وقد استمد المشروع نص المادة (436) من المادة (372) من القانون المدني المصري والقوانين العربية التي نقلتها عنه (466 سوري، 359 ليبي).
ولم يرَ المشروع موجبًا لمتابعة ما يزيد على ما تقدم من الأحكام التي أوردها قانون التجارة الحالي بالمواد من (352) إلى (355)، ذلك أن المادة (352) تنص على أنه يشترط لصحة الإبراء أن يكون المبرئ أهلاً للتبرع، ويغني عنها القاعدة العامة التي أرساها المشروع بخضوع الإبراء للأحكام الموضوعية التي تسري على التبرعات، وللأهلية مكان الصدارة بين تلك الأحكام. وكذلك تنص المادة (353) من القانون الحالي على أن المدين إذا مات قبل قبول الإبراء لم يؤخذ الدين من تركته، وأنه يصح إبراء الميت، والحكمان كلاهما من قبيل التفصيلات التي تترتب على ماهية الإبراء – كما اعتمدها المشروع نقلاً عن الفقه الإسلامي – بأنه تصرف يصدر من الدائن بإرادته المنفردة ولا يستلزم قبول المدين ولا يرتد إلا أن يرده المدين، فإن مات المدين دون أن يقبل فإن مقتضى ذلك صيرورة الإبراء تامًا ولازمًا بغير لبس في الحكم، وكذلك فلا يوجد في القواعد العامة في القانون – ما يمنع الدائن من إبراء الميت من دينه – فيصبح الإبراء باتًا ما لم يرده الورثة (المادة 1569 من مجلة الأحكام).
أما المادة (354) من قانون التجارة الحالي فتنص على أنه (يصح تعليق الإبراء فإن علق الدائن إبراء مدينه من بعض الديون بشرط أداء البعض الآخر وأداه المدين برئ وإن لم يؤده فلا يبرأ ويبقى عليه الدين كله). وقد أُخذت هذه المادة من القانون العراقي، ومن الواضح أن هذا القانون لم يورد حكم تلك المادة إلا لتأكيد جواز تعليق الإبراء على الشرط اتفاقًا مع المبدأ العام الذي سار عليه بجواز اقتران الشرط بسائر التصرفات القانونية، فيكون بذلك قد أفصح عن أنه لم يلتزم بما يراه الجمهور من فقهاء المسلمين من عدم جواز تعليق الإبراء على الشرط (المادة 243 من مرشد الحيران، ودرر الحكام في شرح مجلة الأحكام جزء 4 ص 59 – والخانية ومجمع الأنهر)، ولم يكن المشروع بحاجة لذلك التحرز الذي اتخذه القانون العراقي وتابعه فيه قانون التجارة الكويتي بعد أن صرح في المادة (436) المشار إليها بأنه يسري على الإبراء القواعد الموضوعية التي تحكم التصرفات القانونية التبرعية، وأما المادة (355) من قانون التجارة الحالي فتنص على أنه (إذا اتصل بالصلح إبراء خاص بالمصالح عنه، فلا تُسمع الدعوى في خصوص ذلك، وتُسمع في غيره وإذا اتصل بالصلح إبراء عام عن الحقوق والدعاوى كافة، فلا تُسمع على المبرأ دعوى في أي حق كان قبل الصلح، وتسمع على الحق الحادث بعده، وحكم البراءة المنفرد عن الصلح كحكم البراءة المتصلة به في الخصوص والعموم) وقد نُقلت هذه المادة بدورها من المادة (524) من القانون المدني العراقي والحكم الوارد بها يهدف إلى وجوب التحرز في تفسير الإبراء، بأن يكون تفسيره في أضيق الحدود، وهو تفصيل زائد على حاجة النصوص إذ يترتب حتمًا على إعمال القواعد العامة في تفسير الأحكام القانونية، فإذا كان الإبراء نزولاً عن الحق دون مقابل وهو على ذلك الأساس بمنزلة التبرع فإنه لا يؤخذ في تفسيره بما يعد على أي وجه كان تجاوزًا للحدود التي وقع فيها أو انصب عليها.
ثانيًا: استحالة التنفيذ:
عرض المشروع لاستحالة التنفيذ كسبب من أسباب انقضاء الالتزام بالمادة (437) وجاء بها نقلاً عن المادة (356) من قانون التجارة الحالي والتي أُخذت بدورها من المادة (373) من القانون المدني المصري والتشريعات العربية التي تابعته (371 سوري، 360 ليبي، 425 عراقي، 341 لبناني). ومؤدى الحكم الذي أوردته أن الالتزام ينقضي إذا طرأ عليه بعد نشوئه ما يجعل تنفيذه مستحيلاً بسبب أجنبي عن المدين، ويستوي في ذلك أن تكون الاستحالة فعلية أو قانونية، كما يستوي أن يكون السبب الأجنبي هو الحادث الفجائي أو القوة القاهرة أو خطأ الدائن أو فعل الغير، ويترتب على انقضاء الالتزام عدم استيفاء الدائن لحقه لا عينًا ولا بمقابل.
وقد جاء قانون التجارة الحالي في فصل استحالة التنفيذ بالمواد (357 و358 و359) – نقلاً عن القانون العراقي – وأورد بها أحكامًا خاصة بتحمل تبعة هلاك الشيء، إذا كان قد هلك بعد انتقاله إلى يد غير يد صاحبه بناءً على عقد أو بدون عقد، وفي الأحوال التي تكون فيها اليد يد ضمان أو يد أمانة، ورأى المشروع ألا يجاري القانون الحالي بإيراد تلك الأحكام، وأن يحتذي حذو التشريع المصري والتشريعات العربية التي سارت على منواله التي آثرت أن يكون الرجوع في شأنها إلى القواعد العامة في آثار الالتزام وفي الأبواب الخاصة بالملكية وبالعقود التي ترد عليها أو تلك التي ترد على الانتفاع بالشيء.
ثالثًا: مرور الزمان المانع من سماع الدعوى:
تنص المادة (360) من القانون التجارة الحالي القائم على أنه (يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون وفيما عدا الاستثناءات التالية). وقد نُقلت هذه المادة عن المادة (374) من القانون المدني المصري، كما سبق ونقلها القانون المدني السوري (المادة 372)، والقانون المدني الليبي (المادة 361)، وكذلك يتفق حكمها العام مع حكم المادة (344) من قانون الموجباب اللبناني التي يجري نصها على أنه (تسقط الموجباب بتقاعد الدائن الذي يتخلف عن التذرع بحقوقه سحابة مدة من الزمان … إلخ). أما القانون المدني العراقي فإنه ينص بالمادة (329) على أن: (الدعوى بالالتزام أيًا كان سببه لا تسمع على المنكر بعد تركها من غير عذر شرعي خمس عشرة سنة، (مع مراعاة ما وردت فيه أحكام خاصة).
وقد استمد القانون العراقي هذا الحكم في خصوص عدم سماع الدعوى بالحقوق الشخصية بمرور الزمان مدة معينة من المبادئ المقررة في الفقه الإسلامي كما قننتها مجلة الأحكام العدلية بشأن عدم سماع الدعوى لذلك السبب بأي حق من الحقوق كافة حيث تنص المادة (1660) من المجلة على أنه (لا تسمع دعوى الدين والوديعة والعقار المملوك والميراث وما لا يعود من الدعوى إلى العامة ولا إلى أصل الوقف في العقارات الموقوفة كدعوى المقاطعة أو التصرف بالإجارتين والتولية المشروطة)، (والغلة بعد أن تركت خمس عشرة سنة)، وتنص المادة (1661) على أنه (تسمع دعوى المتولي والمرتزقة المتعلقة بأصل الوقت إلى ست وثلاثين سنة) وتنص المادة (1662) على تعيين مدد أخرى تتراوح بين عشر سنين وست وثلاثين سنة يمتنع بعدها سماع الدعوى بحقوق مختلفة.
وتقوم فكرة انقضاء الالتزام بالتقادم في القوانين الوضيعة وبصفة عامة – على اعتبارات عملية، ودون نظر إلى القواعد الأخلاقية والواجبات الأدبية في التعامل، حتى أنه ليؤذن في بعض الأحوال بإسقاط الحق على صاحبه على الرغم من إقرار الملتزم به، وقد رأى المشروع أن يتجنب هذا التصوير في أثر مرور الزمان على الالتزام، وآثر الاقتداء بالقانون العراقي فنهل على غراره من القواعد والأحكام التي جاء بها الفقه الإسلامي في ذلك المجال.. فالمقرر عندهم أن الحق لا ينقضي ولا يسقط بتقادم الزمان وإنما يرتبون على مرور الزمان مدة معينة منع سماع الدعوى بالحق، وهو استحسان وجهه منع التزوير والحيل لأن ترك الدعوى مع التمكن من قيامها يدل على عدم وجود الحق ظاهرًا حتى إذا انتفت هذه العلة وجب سماع الدعوى مهما طالت مدة تركها، وورد في تنقيح الحامدية أن عدم سماع الدعوى بمرور الزمان ليس مبنيًا على بطلان الحق وإنما هو مجرد منع القاضي من سماعها مع بقاء الحق لصاحبه حتى لو أقر به الخصم لزمه، ومنع القاضي من سماع الدعوى في هذا المقام هو من قبيل تخصيص قضائه بالزمان والمكان والخصومة، (الحامدية، المادة 1801 من مجلة الأحكام – شرح سليم باز ص 1168).
وعلى أساس ما تقدم وضع المشروع نص المادة (438) وهو يقضي بأنه (لا تسمع عند الإنكار الدعوى بحق من الحقوق الشخصية بمضي خمسة عشرة سنة وذلك فيما عدا الأحوال التي يعين فيها القانون مدة أخرى والأحوال المنصوص عليها في المواد التالية). ووجد المشروع أن من الملائم أن تكون المدة اللازمة لمنع سماع الدعوى – كأصل عام – هو خمس عشرة سنة، أخذًا بالمقرر في ذلك الشأن منذ عهد مجلة الأحكام العدلية، على أن عادات الناس وأعرافهم جرت بالنسبة لأنواع معينة من الحقوق الشخصية – وبالنظر إلى ما لها من طبيعة خاصة وصفات – على مبادرة أصحابها باستيفائها، وعدم قعود الملزمين بها طويلاً دون الوفاء بها، ولذلك فإن القوانين التي أخذت بفكرة سقوط الحق بالتقادم (ومنها قانون التجارة الكويتي) لم تلتزم في شأن تلك الطائفة من الحقوق بمدة التقادم العام المعينة بخمس عشرة سنة بل جعلت التقادم في كل نوع من أنواعها بمدة دون ذلك وتناسب مجريات التعامل فيه والمدة المألوفة به وبمراعاة ظروف من يقع عليهم الالتزام بكل منها، ولذلك فقد اعتد المشروع في مواده اللاحقة بتلك المدد وجعل مرور الزمان بقدرها مانعًا من سماع الدعوى بالحقوق التي ترد عليها لدى إنكارها من الخصم.
وقد فضل المشروع أن يكون نص المادة (438) بمنع سماع الدعوى بحق من الحقوق، فلا يجري على منوال القانون العراقي في المادة المقابلة حيث نص على منع سماع الدعوى بالالتزام، وذلك أن الأقرب إلى المنطق الصحيح – أن صاحب الدعوى يدعيها بحقه هو بذمة غريمه، وإن يكن الالتزام ليس إلا الوجه السلبي للحق المدعى به، هذا إلى أن القانون العراقي قد عاد في مواده التالية فاستعمل عبارة عدم سماع الدعوى بالحقوق التي تناولتها تلك المواد وهو ما التزمه المشروع أيضًا فاكتمل له تنسيق الصياغة بين مواده جميعًا.
وجاء المشروع بالمادة (439) وهي تقابل المادة (361) من قانون التجارة الحالي مع تعديل حكمها بما يقتضيه التزام المشروع بقواعد الفقه الإسلامي، وتقضي الفقرة الأولى منها بأن المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بالحقوق التي تناولتها خمس سنوات، وهي الحقوق التي لها صفة الدورية والتجدد (وذلك ما لم يوجد نص يقضي بخلافه)، أما الفقرة الثانية فتعرض لعدم سماع الدعوى بمرور خمس عشرة سنة بالنسبة إلى الريع في ذمة الحائز سيِّئ النية أو الريع الواجب على نظار الوقف أداؤه للمستحقين فهذه أو تلك لا تعتبر من الحقوق الدورية المتجددة ذلك أن الريع يتحول في ذمة الحائز سيئ النية إلى رأسمال يتعين الوفاء به للمالك، كما أن غلة الوقف تظل ملكًا للمستحق ما بقيت مفرزة بيد الناظر فإن خلطها بماله واستهلاكها بتعديه أو بتقصيره كان مسؤولاً مسؤوليته عن ديونه العادية فلا يمتنع سماع الدعوى بالمطالبة بها إلا بمرور خمس عشرة سنة.
ويعرض المشروع بالمادة (440) لحكم يقابل ما تنص عليه المادة (362) من قانون التجارة الحالي مع التعديل المناسب للأصول التي استنها بعدم سماع الدعوى بدلاً من القاعدة التي يجري عليها القانون القائم بتقادم الحق، هذا ولم يورد المشروع أصحاب المهن الحرة الذين يتناول النص الذي جاء به حقوقهم على سبيل الحصر بل سقاهم على سبيل التمثيل وأضاف إليهم عبارة (وغيرهم ممن يزاولون المهن الحرة ليشمل الحكم حقوق أصحاب المهن الحرة الآخرين كالمحاسبين والمصورين والفنانين ونحوهم. وقد استمد المشروع هذه الإضافة مما تجري به المادة ” 341 أ ” من القانون المدني العراقي).
ويعرض المشروع في المادة (441) للحكم بشأن عدم سماع الدعوى ومدته في المطالبة بالضرائب والرسوم المستحقة للدولة أو في المطالبة برد ما دفع منها بغير حق وهو الحكم الذي تناولته المادة (363) من قانون التجارة الحالي مع تعديل في الأساس والصياغة على النهج الذي التزمه المشروع كما تبين في الإيضاحات المتقدمة هذا وقد لوحظ أن القانون الحالي يحدد مدة التقادم بثلاث سنوات للمطالبة بالضرائب والرسوم كما يحدد ذات المدة للمطالبة بردها وتنص على سريان التقادم في هذه الحالة الأخيرة من يوم الدفع، وقد رُئي التماسًا لصواب التقدير إطالة مدة عدم سماع الدعوى في الحالين إلى خمس سنوات على أن يبدأ سريان المدة في حالة المطالبة بالرد من تاريخ التسوية النهائية، اعتبارًا بأنه على الممول بدءًا من ذلك التاريخ أن ينشط للمطالبة برد ما كان قد دفعه بغير حق، وأنه لم يكن له قبل حسم التسوية أن يسعى إلى استرداد حق لم يثبت له بعد، وكل ما تقدم دون الإخلال بما تقضي به القوانين الخاصة.
وتقابل المادة (442) من المشروع المادة (364) من قانون التجارة الحالي مع التغيير في لفظها وحكمها بما تقتضيه المناسبة التشريعية، وهي خاصة بالحقوق المستحقة للتجار والصناع عن أشياء وردوها لأشخاص لا يتجرون فيها، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم أو كذلك حقوق خدم المنازل ومن في حكمهم كالبستاني والطاهي والسائق الخاص وحارس المنزل الخصوصي. وقد أخذ المشروع في شأن ذلك الحكم بنظر القانون الحالي والتشريعات العربية المقارنة بأن الحقوق التي يتناولها يتم الوفاء بها فور استحقاقها، اعتبارًا بأن الدائنين يعولون عليها في نفقات معيشتهم ولذلك فمن المألوف أن يستأدوها دون تأخير ولا يظن أن يمهلوا المدينين بها أكثر من سنة، فإن مضت سنة ولم يطالبوا بها كان ذلك قرينة على الوفاء. ولكنها ليست قرينة كافية بذاتها بالنظر إلى قصر المدة لذلك ففقد استوجب المشروع للحكم بعدم سماع الدعوى بتركها مدة السنة أن يحلف المدين بأنه أدى الدين فعلاً، فإن كان الذي تمسك بعدم السماع غير المدين كالوارث أو النائب القانوني فعليه أن يحلف اليمين بأنه لا يعلم بوجود الدين أو بأنه بحصول الوفاء واليمين على هذا الوجه يمين إجبارية يوجهها القاضي من تلقاء نفسه ويترتب على حلفها وجوب الحكم بعدم سماع الدعوى.
وتقابل المواد (443 و444 و445) من المشروع المواد (365 و366 و367) من قانون التجارة الحالي مع تغيير في الصياغة والحكم على أسس التغيير في المواد السابقة بهذا الفصل. وفي المادة (444) أخذ المشروع في كيفية حساب المدة المقررة لعدم سماع الدعوى، بذات الكيفية التي تحسب بها مدة التقادم في الحقوق بالمادة (366) من القانون القائم فجرى على اعتبارها بالأيام وليس بالساعات. وإغفال اليوم الأول، وعلى أن تكمل المدة بانقضاء آخر يوم منها، ولم يجد المشروع محلاً لنقل ما تضيفه المادة (366) إلى الحكم السابق من أن حساب المدة يكون بالتقويم الميلادي إذ يغني عن ذلك ما قرره المشروع في أحكامه العامة من اعتماد هذا التقويم في حساب كافة المدد المنصوص عليها فيه ما لم يرد بها حكم مخالف بشأن مدة معينة بذاتها.
وفي المادة (445) وضع المشروع القاعدة العامة في تحديد تاريخ بدء جريان المدة المقررة لعدم سماع الدعوى، على ذات الأساس الذي اعتمده القانون القائم في المادة (367) بشأن التاريخ المُجرى لتقادم الحقوق، وهو تاريخ الذي يصبح فيه الذين مستحق الأداء وهذا فيما لم يرد فيه نص خاص بحكم مخالف، إذ قد ينص القانون في بعض الأحوال لاعتبارات معينة، على جعل بدء سريان المدة في تاريخ لاحق لتاريخ الاستحقاق. كما هو الحال بالنسبة للالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع إذ يقضي أن المدة لا تسري إلا من الوقت الذي يعلم فيه الدائن بقيام الدين وبالشخص المسؤول عنه، كذلك قد توجب بعض الاعتبارات جعل بدء سريان المدة من تاريخ سابق لوقت الاستحقاق، ومن ذلك على سبيل المثال النص الذي منع سماع الدعوى بالنسبة لملحقات الدين تبعًا لمنع سماعها بالنسبة إلى الدين ذاته مع أن استحقاقها يكون لاحقًا في الغالب لاستحقاق الدين، وتقضي الفقرة الثانية من المادة (445) بأن ميعاد الوفاء إذا كان متوقفًا على إرادة الدائن سرت المدة منذ الوقت الذي يكون فيه للدائن أن يعلن إرادته، وينطبق هذا الوقت عادة على تاريخ نشوء الالتزام، فلا يعتد في هذا المقام بالوقت الذي يختاره الدائن للمطالبة بالوفاء، وذلك تلافيًا من تحكم الدائن في تحديد التاريخ الذي يبدأ به جريان المدة لعدم سماع الدعوى.
وتقابل المادة (446) من المشروع المادة (368) من قانون التجارة الحالي مع تعديل الصياغة بما تقتضيه الأصول التي اعتمدها المشروع، وتورد بالفقرة الأولى الحكم العام بشأن وقف التقادم وتقرر أن الوقف يتحقق إذا وجد ثمة مانع مادي أو أدبي يستحيل معه على الدائن المطالبة بحقه في الوقت المناسب وعلى ذلك فإنه كلما تحقق مانع من هذا القبيل أو ذاك وقف سريان التقادم طوال مدة وجود المانع، فلا تحسب ضمن المدة المقررة لعدم سماع الدعوى وإنما تحسب المدة السابقة لها والمدة التالية لزوال المانع، وكذلك تقف المدة فيما بين الأصيل والنائب طالما ظلت النيابة قائمة، اعتبارًا بأن حيازة النائب لمال الأصيل هي حيازة عارضة ولحساب الأصل نفسه. على أن المشروع لم يجار الفقرة الثانية من المادة المقابلة بالقانون الحالي فيما تنص عليه من تحديد الوقف في التقادم بما يزيد على خمس سنوات بالنسبة لحقوق من لا يوجد لهم نائب قانوني من الأشخاص الذين لا تتوفر فيهم الأهلية أو الغائبين أو المحكوم عليهم بعقوبة جناية، وإنما رأى المشروع جعل الوقف ساريًا على التقادم أيًا كانت مدته بالنسبة لهؤلاء الأشخاص تقديرًا بأن عدم وجود النائب القانوني يعتبر بذاته مانعًا يتعذر معه المطالبة بالحق أيًا كان نوعه وأيًا كانت المدة المانعة من سماع الدعوى به، وقد استمد المشروع هذا الحكم من المادة (435) من القانون المدني العراقي والمادة (355) من قانون الموجبات والعقود اللبناني. (انظر المادة ” 1663 ” من مجلة الأحكام التي تقضي بوقف المدة – إذا كان المدعي صغيرًا أو مجنونًا أو معتوهًا سواء كان له وصي أو لم يكن).
وتقابل المادة (447) من المشروع المادة (369) من قانون التجارة الحالي مع التعديل اللازم في الصياغة، وقد استمد القانون الحالي أصل الحكم الذي جاء به من المادة (436) من القانون المدني العراقي، وهو لا يعدو أن يكون تطبيقًا للقواعد العامة ذلك أن وقف مدة التقادم إذا كان مرجعه سببًا شخصيًا قائمًا بأحد الشركاء في الدين، فلا يفيد من هذا الوقف الشركاء الآخرون الذين لم يتحقق بهم سببه. وتقابل المادة (448) من المشروع المادة (370) من قانون التجارة الحالي مع التعديل اللازم في الصياغة ولا تخالف عن مضمون الحكم الذي تقرره تلك المادة وهي تورد الأسباب التي تنقطع بها مدة عدم سماع الدعوى وأولاها المطالبة القضائية ولو كانت الدعوى رُفعت إلى محكمة غير مختصة كما قد يقع ذلك من جراء خطأ مغتفر في تحديد جهات الاختصاص، ويترتب الانقطاع على المطالبة القضائية كلما توفر فيها معنى الطلب الواقع فعلاً للمحكمة والجازم بالحق الذي يُراد اقتضاؤه أما إذا كان سند الدين تنفيذيًا وامتنعت بالتالي الحاجة إلى المطالبة القضائية فإن الانقطاع يترتب على اتخاذ إجراءات التنفيذ وفاتحتها مقدمات التنفيذ بإعلان السند التنفيذي، وقد استعاض المشروع بعبارة إعلان السند التنفيذي عن عبارة التنبيه اتفاقًا مع الاصطلاح الفني لتلك الورقة في قانون المرافعات الكويتي وفي مصادره بقوانين الإجراءات المدنية المصرية منذ تشريع سنة 1949، وحتى ينتج إعلان السند التنفيذي أثره القاطع فإنه يجب أن تتوافر فيه مقومات صحته وفقًا لتشريع المرافعات فيشمل صورة من سند التنفيذ مذيلة بالصيغة التنفيذية مع تكليف المدين بأداء ما هو مطلوب منه وإنذاره بإجراء التنفيذ الجبري إن لم يقم بأدائه، وتنقطع المدة أيضًا بالحجز سواء أكان حجزًا تنفيذيًا أو حجزًا تحفظيًا، كما يأخذ حكم المطالبة القضائية في أحداث الانقطاع الطلب الذي يقدمه الدائن لقبول حقه في تفليس أو توزيع وكذلك أي إجراء يتخذه الدائن للتمسك بحقه أثناء سير الدعوى كما لو تدخل في دعوى مرفوعة من قبل مطالبًا بالحق لنفسه أو أبدى طلبًا عارضًا في دعوى مرفوعة ضده من مدينه.
وتقابل المادة (449) من المشروع المادة (371) من قانون التجارة الحالي مع التعديل اللازم في صياغتها وتطابق الحكم المقرر بها وهو أن إقرار المدين صريحًا كان أو ضمنيًا من شأنه قطع المدة، ويوجه هذا الحكم أن الإقرار ينطوي على معنى النزول عن الجزء الذي انقضى من المدة فينمحي أثره ويعتبره كأنه لم يوجد. وتقضي الفقرة الثانية من المادة (449) بانقطاع المدة أيضًا إذا كان للمدين مال مرهون رهنًا حيازيًا إلى الدائن ضمانًا للدين أو كان الدائن قد حبس المال تحت يده تبعًا لحقه في عدم رده حتى يستوفي الدين المرتبط به، فإن ترك المدين لماله في الحالين يعتبرًا إقرارًا ضمنيًا بالدين يكون من شأنه استدامة الانقطاع طالما بقي المال في حيازة المرتهن أو تحت يد الحابس تقديرًا بأن الإقرار بهذه المثابة يبقى مستمرًا مهما طالت المدة على استحقاق الدين، وقد نقل المشروع حالة المال المرهون رهنًا حيازيًا من المادة المقابلة بالقانون الحالي وأضاف إليها حالة المال المحبوس تحت يد الدائن لما بينهما من تماثل في الدلالة على الإقرار الضمني بالدين. وتقابل المادة (450) بفقرتيها الأحكام المنصوص عليها بالمادتين (365 و372) من قانون التجارة الحالي.
وتنص المادة (365) في فقرتها الأولى على أن الحقوق المشار إليها في المادتين (362 و364)، (وهي حقوق الأطباء وأصحاب المهن الحرة التي تتقادم بسنة واحدة) يبدأ سريان التقادم فيها من الوقت الذي يتم فيه الدائنون تقادماتهم، وتنص في فقرتها الثانية على أنه (إذا حُرر سند بحق من هذه الحقوق فلا يتقادم الحق إلا بانقضاء خمس عشرة سنة). وتنص المادة (372) على أنه (إذا انقطع التقادم بدأ تقادم جديد يسري من وقت انتهاء الأثر المرتب على سبب الانقطاع، وتكون مدته هي مدة التقادم الأول، على أنه إذا حُكم بالدين وحاز الحكم قوة الأمر المقضي أو إذا كان الدين مما يتقادم بسنة واحدة وانقطع تقادمه بإقرار المدين، كانت مدة التقادم الجديد خمس عشرة سنة، إلا أن يكون الدين المحكوم به متضمنًا لالتزامات دورية متجددة لا تستحق الأداء إلا بعد صدور الحكم).
وقد نقل هذان النصان من المادتين (379/ 2 و385) من القانون المدني المصري بغير التفات إلى التعرض القائم بين حكميهما، ذلك أن المادة (379/ 2) مصري (مصدر المادة 365/ 2 تجاري) تقضي أيضًا بأن إقرار المدين في سند كتابي بحق من الحقوق المعينة في المادتين (376 و378) وهي حقوق أصحاب المهن الحرة التي تتقادم بخمس سنوات وحقوق الصناع والتجار والعمال التي تتقادم بسنة واحدة يكون من شأنه تحول التقادم إلى المدة الطويلة فيبدأ بالإقرار تقادم جديد مدته خمسة عشرة سنة، على حين أن المادة (385) مصري (مصدر المادة 327 تجاري) تقصر التحول إلى التقادم الطويل الذي يقع نتيجة الإقرار على نوع واحد فقط من الديون التي يجري عليها التقادم القصير وهي تلك التي تتقادم بسنة واحدة، ولم تكن هذه المفارقة بين الحكمين مقصودة في التشريع المصري. وإنما جاءت وليدة السهو إذ كان المشروع التمهيدي في مراحله الأولى ينص في المادة المقابلة للمادة (376) من القانون المدني المصري على تقادم حقوق الأطباء وأصحاب المهن الحرة بسنة واحدة وبذلك فإنها كانت تدخل حتمًا ضمن الحقوق التي يتحول فيها التقادم من سنة واحدة إلى خمس عشرة سنة بإقرار المدين وفقًا للمادة (385) من ذلك القانون، وهكذا كان التناسق تامًا بين النصوص على أن المشروع التمهيدي قد عدل في مرحلة لاحقة بجعل مدة التقادم في حقوق أصحاب المهن الحرة خمس سنوات على الوجه الذي استقر عليه النص بالمادة (376)، ولم يجرَ تعديل مناسب لذلك في المادة (385) وبقيت على أصلها كما وقعت في المشروع التمهيدي وتقضي بأن الإقرار بحق يتقادم بسنة واحد يتحول إلى تقادم طويل، ومن ثم بدت على خلاف لا مبرر له مع نص المادة (379/ 2) التي تنص على أن التقادم سواء كان بسنة واحدة أو بخمس سنوات يتحول إلى تقادم طويل إذا حرر المدين سندًا بالحق مع أن تحرير السند يتمثل في إقرار بالحق وإن تطلب القانون أن يكون بصورة خاصة. وقد تلافى المشروع كل ذلك في الصياغة التي أوردها بالمادة (450) للتوفيق بين الأحكام.
وتقابل المواد (451 و452 و453) الأحكام الواردة في المواد ( 373 و374 و375) من القانون التجارة الحالي مع تعديل في صياغتها تعديلاً يتفق مع نهج المشروع على عدم سماع الدعوى لمرور الزمان ونبذه للأساس الذي تقوم عليه أحكام القانون الحالي بتقادم الحقوق، وتقضي المادة (451) بأن عدم سماع الدعوى بأصل الحق يستتبع عدم سماعها بالنسبة للملحقات، ولو كانت مدة عدم السماع لم تكتمل بعد بشأن هذه الملحقات، وذلك اعتبارًا بأن الفرع يتبع الأصل فلا تسمع الدعوى به ما دامت لا تسمع بالأصل. وتأخذ المادة (452) بالحكم المقرر بأن عدم سماع الدعوى لا يتعلق بالنظام العام وبذلك فليس للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، وإنما يجب أن يدفع المدين بعدم السماع، كما يجوز لدائن المدين ولأي شخص له مصلحة أن يتمسك بالدفع ولو لم يتمسك به المدين، ويصح الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة في مرحلة الاستئناف ما لم يبدر ممن تمسك بالدفع ما يدل على التنازل عنه. وتقضي المادة (453) بأنه لا يجوز النزول عن الدفع قبل ثبوت الحق فيه ذلك أنه لو أجيز النزول المسبق لأصبح شرطًا مألوفًا يمليه الدائن على المدين وقت نشوء الدين فضلاً عن أنه يهدر الاعتبارات التي يقوم عليها الدفع بعدم السماع وإنما يكون النزول عنه مبررًا إذا كان بعد ثبوت الحق فيه، فنزول المدين عندئذٍ يكون طليقًا إلا مما يفرضه عليه الواجب والضمير، ويتضمن النص حكمًا آخر يقضي بعدم جواز الاتفاق على منع سماع الدعوى بمدة تختلف عما عينه القانون ذلك أن تعيين المدة التي لا تسمع بعدها الدعوى في كل حال من الحالات أمر يتصل أشد الاتصال بالنظام العام فلا يجوز أن يترك الأمر في تحديده لمشيئة الأفراد.