دراسات قانونيةسلايد 1
دراسة بحثية حول العذر المخفف في جريمة القتل حال التلبس بالزنا – القانون البحريني
تقدير موقف المشرع البحريني للعذر المخفف في جريمة قتل الزاني في القانون البحريني
العذر المخفف في جريمة قتل الزاني في القانون البحريني
الفرع الأول: المقصود بالعذر المخفف في جريمة قتل الزاني
الفرع الثاني: المستفيدون من العذر المخفف في جريمة قتل الزاني
الفرع الأول : المقصود بالعذر المخفف في جريمة قتل الزاني
وترجع علة التخفيف في هذه الحالة إلى الاستفزاز الذي يتعرض له الزوج أو الأب أو الأخ أو الزوجة عند مشاهدة حالة التلبس بالزنا التي ضبطت بها الزوجة أو البنت أو الأخت أو الزوج . هذا الاستفزاز يخلق لدى الجاني ثورة نفسية وحالة من الغضب الشديد والانفعال ، تجعله يندفع إلى الاعتداء على طرفي واقعة الزنا أو أحدهما وهو فاقداً القدرة على ضبط النفس والاختيار . فالجاني يقع تحت تأثير هول المفاجأة وبشاعة الأفعال المشينة التي اقترفتها الزوجة أو البنت أو الأخت، والتي تعد انتهاكا لشرفه وعرضه . أما الزوجة فإن واقعة الزنا التي يقترفها الزوج في مسكن الزوجية تصيبها بالإهانة ، وتمس كرامتها وعاطفتها، وتعدم ثقتها فيه، فتفقد السيطرة على تصرفها وتندفع لارتكاب الجريمة دون تفكير. فضلاً على ذلك كله فإن القتل الذي يرتكبه الجاني للأسباب المتقدمة ، لايكشف به عن خطورة إجرامية تتوافر لدى من يرتكب القتل لأي سبب آخر.
أولاً: شروط توافر عذر التخفيف :
حددت المادة (334) من قانون العقوبات البحريني الشروط التي يجب توافرها في عذر الاستفزاز الموجب لتخفيف عقوبة القتل العمد ، وتتمثل هذه الشروط في صفة الجاني ، المفاجأة بالتلبس بالزنا ، ووقوع القتل في الحال .
أولاً : صفة الجاني:
يتطلب القانون في مرتكب جريمة القتل لكي يستفيد من تخفيف العقاب أن يكون زوجا أو أبا أو أخا للمرأة الزانية، أو زوجة للرجل الزاني الذي ارتكب الواقعة في مسكن الزوجية. فلا يستفيد من هذا العذر غير هؤلاء الأشخاص أيا كانت درجة قرابتهم بمرتكب واقعة الزنا كأقارب الزوج الغائب المكلوم في شرفه .
وينبغي أن تتوافر صفة الفاعل الأصلي في الجاني حتى يستفيد من عذر التخفيف ، فإذا كان الزوج أو الأب أو الأخ فاعلاً أصليا في قتل زوجته أو البنت أو الأخت الزانية ، وساهم معه شريك بالتسبب في القتل، يستفيد من تخفيف العقاب الزوج أو الأب أو الأخ، ولا يستفيد منه شريكه في الجريمة، لأن العذر هنا ذو طبيعة شخصية لاتصاله بنفسية الجاني، وأثره بالتخفيف يقتصر على من توافر لديه فلا يتعدى إلى غير من تعلق به، وهذا هو الحكم الذي أوردته المادة (48) من قانون العقوبات البحريني ( ).
فإذا ارتكب القتل غير الزوج أو الأب أو الأخ أو الزوجة، فلا يستفيد من العذر المخفف لانتفاء الصفة التي يتطلبها القانون في القاتل، كما لايستفيد شريكة في القتل من التخفيف، وإن كان زوجاً أو أبا أو أخا للمرأة الزانية، لأنه يكون قد ساهم في جريمة قتل عادية بوصفه شريكاً يستعير إجرامه من إجرام الفاعل الأصلي الذي لايستفيد من العقوبة المخففة .
ثانياً : المفاجأة بالتلبس بالزنا :-
يتطلب القانون للاستفادة من هذا العذر ل تخفيف العقاب، أن يفاجأ المستفيد منه سواء أكان زوج الزاني أو أحد أصوله أو فروعه أو أخواته متلبساً بجريمة الزنا.
وعليه ينبغي أن يكون أي من الأشخاص الذين ذكرتهم المادة (344) من قانون العقوبات البحريني قد فوجىء بمشاهدة زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أوأخوته حال تلبسها بجريمة الزنا. وتتحقق المفاجأة إذا كان المتهم واثقاً من استقامة الزانية ومن إخلاصها وعفتها ثم يضبطها متلبسة بالزنا.
فإذا كان الزوج أو الأب أو الأخ متيقنا من سوء سلوك زوجته أو ابنته أو أخته، وارتكابها للزنا فعقد العزم على قتلها ومن يزني بها حال ضبطهما متلبسين بالزنا، فإذا ما ترصد لها وتحققت جريمة القتل، فإنه لايستفيد من العذر المخفف، لانتفاء عنصر المفاجأة التي يعنيها النص والمتعلقة بالجاني.
أما لو كان لدى الزوج أو الأب أو الأخ مجرد شك في سلوك زوجته أو ابنته أو أخته دون أن يصل إلى حدّ اليقين بخيانتها وارتكابها للزنا، وراقبها ليتأكد من سلوكها فإذا به يضبطها متلبسة بواقعة الزنا فقتلها، فإنه يستفيد من العقوبة المخففة لتوافر عنصر المفاجأة لديه، والتي افقدته السيطرة على نفسه فاندفع لارتكاب القتل دون تفكير.
وقد تتوافر المفاجأة بالتلبس بالزنا مع سبق الإصرار، ويستفيد الجاني من العقوبة المخففة، فطالما لم يتيقن الزوج أو الأب أو الأخ أو الزوجة من خيانة الزوجة أو البنت أو الأخت أو الزوج، فإن عنصر المفاجأة يتحقق عند مشاهدة التلبس بالزنا فعلاً. فإذا كان لدى الأب شك في سلوك ابنته، فترصد لها وعقد النية على قتلها متى تأكد تفريطها في عرضها، حتى إذا ما ضبطها متلبسة بالزنا قتلها ومن يزني بها، فإن عنصر المفاجأة يتحقق لديه ـ لأن الشك بالسلوك الشائن ليس كرؤيته فعلاً، وبذلك يستفيد من تخفيف العقاب رغم توافر سبق الإصرار لديه.
ويقصد بالتلبس بالزنا في خصوص المادة (334) من قانون العقوبات البحريني ، مشاهدة الزانية أثناء ارتكابها جريمة الزنا، أو ضبط أي من هؤلاء مع شريكه فـي الزنا في ظروف وأوضاع لاتدع مجـالاً للشك في أن الزنا قد وقع( ). وقد استقر القضاء على أنه يكفي لقيام التلبس أن يثبت أن الزانية وشريكها قد شوهدا في ظروف لا تجعل مجالا للشك عقلاً في أن الجريمة قد ارتكبت فعلاً، فقضى بقيام حالة التلبس عند مفاجأة الزوجة مرتدية قميص النوم وهي في حالة ارتباك شديد، وكان عشيقها مختفيا تحت السرير في غرقة النوم خالعا حذاءه ( ).
ثالثاً : ارتكاب القتل في الحال:
يتعين للاستفادة من العذر المخفف أن يرتكب الزوج أو المستفيد من العذر القتل فور مفاجأته الزوجة أو البنت أو الأخت حال ارتكابها واقعة الزنا، وقد عبر المشرع عن هذا الشرط بقوله: ” …… يعاقب بالحبس من فاجأ زوجه متلبسا بجريمة الزنا فقتله وشريكه في الحال أو اعتدى عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو عاهة.
ويسري هذا الحكم على من فاجأ أحد أصوله أو فروعه أو أخواته متلبسة بجريمة الزنا. ” .
ويتصل هذا الشرط بعلة التخفيف، وهي حالة الانفعال الشديد التي تسيطر على الجاني فتفقده القدرة على ضبط سلوكه، فإذا زالت حالة الانفعال وهدأت نفسه، ثم أقدم الزوج أو الأب أو الأخ على قتل الزوجة أو البنت أو الأخت، فلا يستفيد أي منهم من تخفيف العقوبة لانتفاء موجب التخفيف.
ولما كانت العبرة في الاستفادة من عذر التخفيف هي حالة الجاني النفسية، فإن مضى فترة قصيرة على مشاهدة جريمة الزنا، كما لو انتقل الزوج أو الأب أو الأخ إلى المطبخ بحثاً عن أداة يستعملها في القتل، لاتحول دون تخفيف عقوبته ، مادام قد ثبت مُعاصرة حالة الانفعال لارتكاب جريمة القتل . وعليه ينتفي عذر التخفيف إذا كان الوقت الذي انقضى طويلاً، بحيث يستفاد من مروره هدوء الحالة النفسية للزوج أو الأب أو الأخ أو الزوجة.
والتحقق من وقوع القتل في الحال أو تراخيه عن وقت المفاجأة بواقعة الزنا، مسألة موضوعية يترك تقديرها لقاضي الموضوع وفقاً لظروف كل حالة على حدة، حيث يصعب وضع ضابط زمني للوقت الذي فصل بين مفاجأة الزوجة وارتكاب القتل( ) .
فإذا توافرت الشروط المتقدم بيانه، قام العذر الذي يوجب تخفيف العقوبة، والذي يلزم القاضي بالنزول بالعقوبة وفق الآتي، تطبيقاً لنص المادة(71) من قانون العقوبات البحريني والتي نصت على أنه:” إذا توافر عذر مخفف في جناية عقوبتها الإعدام نزلت العقوبة إلى السجن المؤقت أو الحبس لمدة سنة على الأقل، فإن كانت عقوبتها السجن المؤبد أو المؤقت نزلت إلى عقوبة الجنحة وذلك ما لم ينص القانون على خلافه”
الخلاصة:
تبين لنا في هذا البحث عدة نتائج ندرجها في النقاط التالية:
1- المشرع البحريني لم يضع في المادة (334) من قانون العقوبات حدا أدنى لعقوبتي السجن المؤقت والحبس ومن ثم يكون المرجع الحدود العامة، وقد أراد المشرع بذلك ترك سلطة تقديرية واسعة للقاضي، حتى يراعي في تقدير العقوبة ظروف كل حالة على حدة.
2- أن تطبيق نص المادة (334) من قانون العقوبات البحريني فلا يغير نوع جريمة القتل المتصل بعذر التلبس بالزنا ، فتظل الواقعة جناية، ولذلك يتصور الشروع فيها دون الحاجة لنص خاص، فلو قصد الزوج قتل زوجته وشريكها في جريمة الزنا فخاب أثر فعله لمقاومتهما الشديدة له، سئل عن شروع في جريمة قتل توافر فيها عذر التخفيف .
ولما كان فعل الزوج أو الزوجة أو الأب أو الأخ يعد جريمة مقترنة بعذر مخفف، فإنه يمكن دفعها بالقوة والاحتجاج بحق الدفاع الشرعي، من قبل من يقع عليهم الاعتداء، أي من الزوجة أو الزوج أو البنت أو الأخت أو الشريك في الزنا . غير أن المشرع البحريني حرم هؤلاء من حق الدفاع الشرعي لدفع مايقع عليهم من اعتداء، حيث نصت الفقرة الأخيرة المادة (334) من قانون العقوبات البحريني على أنه:” لايجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر”.
الخاتمة:
من استعراضنا لنصوص المواد العقابية التي تطبق في حال وقوع القتل لعذر الزنا في قانون العقوبات البحريني يتبين أن :
1- على الرغم من تلافى المشرع البحريني سهام النقد التي تعرض لها مشرعوا الدول العربية كالمشرع المصري مثلا من المساواة بين الزوج والزوجة في منح عقوبة الحبس بدلاً من السجن في حال تلبس أحد الزوجين بجريمة الزنا، إلا أنه وسع من دائرة المستفيدين من هذا العذر بالمادة (334) فلم يقصره على الزوج والزوجة فقط ، بل شمل أيضاً الأقارب من الأصول والفروع والأخوة دون مسوغ شرعي لذلك ، الأمر الذي قد يتصور معه ان يقتل الأب ابنته ويتوافر لديه العذر المخفف في حين انه يمكن ان تكون الأبنه متزوجه دون علم الأب. أو أن يقتل الأبن أمه إذا شاهدها مع رجل في غرفتها قد يكون زوجها دون علم منه .. لسفره مثلا ، بما يؤدي لتحقق جرائم مؤسفة .
2- حسم المشرع البحريني بنصه في الفقرة الأخيرة من المادة (334) عقوبات القصور والغموض الذي يطوق القانون المصري وهو حق الدفاع الشرعي للزاني في الدفاع عن حياته صراحة على أنه:” ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر”. وعلى ذلك فلو فاجأ الزوج زوجته في وضع الزنا هى وشريكها فلا يتقرر للزوجه الزانية أوشريكها الإستفادة من حق الدفاع الشرعي فيما لو حاول الزوج التعدي عليهما ، حيث أن هذا الحق مقرر هنا للزوج.
3- المشرع البحريني وسع من دائرة المستفيدين من هذا العذر فلم يقصره على الزوج والزوجة فقط ، بل شمل أيضاً الأقارب من الأصول والفروع والأخوة ، وهذا توسع مستغرب ، فحتى الشريعة الإسلامية لم يرد فيها ممثل هذا التوسع ، حيث يروى عن عمر(رضى الله عنه) أنه كان يتغذى إذ جاءه رجل يعدو، في يده سيف ملطخ بالدماء ووراءه قوم يعدون خلفه ، فجاء حتى جلس مع عمر (رضى الله عنه)، فجاء الآخرون فقالوا: يا أمير المؤمنين ، إن هذا قتل صاحبنا ، فقال له عمر (رضى الله عنه): ما يقولون؟ قال : يا أمير المؤمنين إني ضربت فخذي امرأتي ، فإن كان بينهما أحد فقد قتلته، فقال عمر (رضى الله عنه): ما يقول؟ قالوا يا أمير المؤمنين أنه ضرب بالسيف فوقع في وسط فخذي المرأة ، فأخذ عمر(رضى الله عنه) سيفه فهزه ثم دفعه إليه وقال: أن عادوا فعد( ). ولم تورد كتب السير أو الحديث غير قصة الزوج الذي ضرب السيف بين أرجل امرأته.
4- المشرع البحريني لم يساوى بين الرجل والمرأة في تطبيق هذا العذر خلافاً لنصوص الدستور البحريني الذي يقرر في الكثير من مواده ان المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، وعلى مساواة المرأة بالرجل في ميادين الحياة المختلفة فلا يوجد تمييز فيه فيما يتعلق بحقوق المرأة.