دراسات قانونية
تنظيم الأحزاب السياسية في القانون والدستور (بحث قانوني)
التنظيم الدستوري للأحزاب السياسية في الدول المقارنة :
سنتولى في هذا الموضع من الدراسة الاحاطة بموقف النصوص الدستورية من الأحزاب السياسية في كل من فرنسا ومصر والاردن واليمن والجزائر . ففي فرنسا لم تشر دساتيرها المتعاقبة إلى الأحزاب السياسية بشكل صريح باستثناء دستورها الحالي الصادر عام 1958 حيث نصت م (4) منه على ان (( تسهم الأحزاب والجماعات السياسية في التعبير عن الرأي بالاقتراع ، وهي تتكون وتباشر نشاطها بحرية ويجب عليها احترام مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية )) .ومن خلال النص المتقدم يمكننا ان نلاحظ ما ياتي :
1. حدد النص دور الأحزاب السياسية بالمساهمة في التعبير عن الرأي من خلال الاقتراع ، وهذا يعني ان الدور الذي يعترف به الدستور للأحزاب هو دور انتخابي حصراً (1).كما ان تعبير (( المساهمة )) يوضح وجهة نظر الدستور الفرنسي الرافضة لانفراد حزب واحد بالسيطرة على اتجاهات الرأي العام . ويفسر مسلك دستور 1958 المتعلق ببيان كيفية المساهمة الحزبية في الحياة السياسية بما شهدته فرنسا من احداث في الاربعينيات من القرن الماضي ، حيث لعبت الأحزاب السياسية دوراً بارزاً في اضعاف النظام السياسي القائم آنذاك (2).
2. اشار النص إلى ضمان حرية تكوين الأحزاب السياسية وممارستها لنشاطاتها، غير انه قيد هذه الحرية وتلك الممارسة باحترام (( مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية))، وهي مفاهيم غير واضحة الحدود والمعالم فضلاً عن انطوائها على معانٍ غير محددة يمكن ان تفضي إلى تأويلات وتفسيرات متعددة(3). والملاحظ ان الدستور الفرنسي لم يتضمن الاشارة إلى جزاء مخالفة مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية ، أو الجهة المختصة بالفصل في حالة مخالفتها (4) .
3. بيّن النص اعتناق الدستور الفرنسي لنظام التعددية الحزبية . واذا كان نص م(4) قد حدد دور الأحزاب في الميدان السياسي ، والمبادئ التي يتعين عليها الالتزام بها واحترامها فضلاً عن ضمانه لتكوينها وممارستها لنشاطاتها ، الا انه لا يمثل النص الدستوري الاوحد في هذا المجال، وبالتحديد في ظل دستور 1958 ، لأن هذا الدستور قد درج على احاطة مسألة تحديد الاطار العام للحريات العامة إلى الإعلان الفرنسي لحقوق الانسان والمواطن الصادر في 26/8/1789، حيث اشارت إلى ذلك مقدمة دستور 1958 التي نصت على ان (( يعلن الشعب الفرنسي بصورة علنية تمسكه بحقوق الانسان وبمبادئ السيادة الوطنية كما عرفت بإعلان 1789 واكدت واكملت بمقدمة دستور سنة 1946 ))(5). واذا ما رجعنا إلى اعلان 1789 لوجدنا ان م(11) منه قد تضمنت الاشارة إلى حرية الرأي والتعبير حيث نصت على ان (( التداول الحر للأفكار والآراء هو حق من اثمن حقوق الانسان فكل مواطن يستطيع ان يتكلم ويكتب ويطبع بحرية ، ولايكون مسؤولاً إلا إذا اساء استعمال هذه الحرية في الحالات التي يحددها القانون )) . والملاحظ ان النص السابق لم يشر إلى حرية تكوين الجمعيات أو الأحزاب السياسية بسبب نظرة الشك والريبة التي لازمتها في تلك الفترة ، غير انه انطوى على ضمان عدد من مظاهر حرية الرأي والتعبير التي تؤثر بشكل محسوس على وجود الأحزاب السياسية وممارستها لنشاطاتها. اما الدستور المصري الصادر عام 1971 (6). فقد نص في م(5) على ان (( يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على اساس تعدد الأحزاب ، وذلك في اطار المقومات والمبادئ الاساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور. وينظم القانون الأحزاب السياسية (7) . وبهذا النص انتقل النظام الحزبي في مصر إلى مرحلة التعددية الحزبية بعد اسباغ الشرعية الدستورية على تعدد الأحزاب وهجر نظام الحزب الواحد . ومن الجدير بالملاحظة ان الدستور المصري 1971 قد كفل حرية تكوين الأحزاب السياسية بموجب م(55) التي نصت على ان (( للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون ، ويحظر انشاء جمعيات يكون نشاطها معادياً لنظام المجتمع أو عسكرياً أو ذا طابع عسكري )) .اما بالنسبة لموقف الدستور الاردني الصادر عام 1952 فقد نص في م(16) على ان (( 2. للاردنيين الحق في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية على ان تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف احكام الدستور .3. ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية ومراقبة مواردها)). يتبين لنا من النص المتقدم ان الدستور الاردني حصر حق تاسيس الأحزاب السياسية بالأردنيين فضلاً عن تأكيده على سعي الأحزاب إلى تحقيق اهداف مشروعة بوسائل سلمية ، وهذا بلا شك ينسجم مع ما تقضي به المبادئ الديمقراطية في الحكم ، غير ان عبارة (( ذات نظم لا تخالف احكام الدستور )) تشكل قيداً بارزاً على الأحزاب السياسية التي تتبنى افكاراً ورؤى تتعارض مع افكار وصيغة نظام الحكم القائم على الرغم من مشروعية اهدافها ووسائلها السلمية . كما ان ف(2) من م(16) قد احالت إلى القانون العادي موضوع تنظيم طريقة تأسيس الأحزاب السياسية ومراقبة مواردها ، وهذا يبرز حرص المشرع الدستوري الاردني على احكام الرقابة على الموارد المالية للأحزاب لما لهذا الموضوع من أهمية تكفل المحافظة على صدق الانتماء الوطني للأحزاب السياسية بعيداً عن التأثيرات الأجنبية من داخل الدولة أو خارجها (8). ويلاحظ بأن نصوص الدستور الاردني لا تتنافى مع قيام نظام التعددية الحزبية مما ساهم في السماح بتأسيس الأحزاب السياسية ، وخاصة بعد صدور قانون الأحزاب السياسية رقم (32) لسنة 1992 . اما دستور الجمهورية اليمنية الصادر في عام 1990 (9). والمعدل في 1/10/1994 فقد اشار إلى موضوع الأحزاب السياسية في عدة نصوص ، حيث نصت م(5) على ان (( النظام السياسي للجمهورية اليمنية يقوم على التعدد السياسي والحزبي وذلك بهدف تداول السلطة سلمياً ، وينظم القانون الاحكام والاجراءات الخاصة بتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية وممارسة النشاط السياسي ، ولا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين )).
ومن تحليل النص المتقدم يمكننا ان نتوصل إلى ما ياتي :
1. اعتناق الدستور اليمني لنظام التعددية الحزبية ، وعدها من اهم الاسس التي يقوم عليها النظام السياسي ، وهذا بحد ذاته يعد مبادرة هامة في مجال التنظيم الحزبي بعد ما شهده شطري اليمن من نصوص واحكام دستورية منافية لهذا النظام .
2. اشار النص إلى ان الهدف من اقرار التعددية الحزبية هو التداول السلمي للسلطة للحيلولة دون توليها عن طريق الانقلاب أو العنف بجميع اشكاله (10) .
3. عالجت م (5) بعض المظاهر السلبية التي قد ترتبط بممارسة العمل الحزبي فحظرت استغلال الوظائف العامة أو المال العام لمصلحة أي من الأحزاب أو التنظيمات السياسية.
ومنعت م(35) الأحزاب السياسية من انشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية حينما نصت على انه (( . . . لا يجوز لأي هيئة أو فرد أو جماعة أو تنظيم أو حزب سياسي انشاء قوات أو تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية لأي غرض كان وتحت أي مسمى . . . )). في حين حظرت م (39) تسخير القوات المسلحة والامن والشرطة واية قوات اخرى لصالح حزب أو فرد أو جماعة ، ويجب صيانتها عن كل صور التفرقة الحزبية والعنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية وذلك ضماناً لحيادها وقيامها بمهامها الوطنية على الوجه الامثل ويحظر الانتماء والنشاط الحزبي فيها وفقاً للقانون .وقد اشار الدستور اليمني إلى ضمان حرية تاسيس الأحزاب السياسية حيث بينت ذلك م (57) التي نصت على ان (( للمواطنين في عموم الجمهورية – بما لا يتعارض مع نصوص الدستور – الحق في تنظيم انفسهم سياسياً ومهنياً ونقابياً . . . )) .اما بالنسبة لموقف الدستور الجزائري الصادر عام 1989 (11). والمعدل في عام 1996 فقد نص في م(42) على ان (( حق انشاء الأحزاب السياسية معترف به ومضمون . ولا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الاساسية للهوية الوطنية ، والوحدة الوطنية وامن التراب الوطني وسلامته واستقلال البلاد ، وسيادة الشعب ، وكذا الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة . وفي ظل احترام احكام هذا الدستور ، لا يجوز تاسيس الأحزاب السياسية على اساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جمهوري . ولا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة ، يحظر على الأحزاب السياسية كل شكل من اشكال التبعية للمصالح أو الجهات الاجنبية . لايجوز ان يلجأ أي حرب سياسي إلى استعمال العنف أو الاكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما . تحدد التزامات وواجبات اخرى بموجب قانون )) .يتبدى لنا من مما تقدم ان الدستور الجزائري اسهب في ذكر مجموعة من المحظورات التي يتعين على الأحزاب السياسية اجتنابها ، وكرس هذه المادة للعناية بايرادها فضلاً عن منحه المشرع العادي صلاحية فرض التزامات وواجبات اخرى بدلاً من الزامه بتضمين القوانين نصوصاً تكفل تاسيس الأحزاب السياسية والانضمام اليها ومنحها حقوقاً ومزايا لمساعدتها في ممارسة نشاطاتها . وهذا يحملنا إلى القول بان الاحكام التي تضمنتها م(42) تكشف لنا مدى تشدد الدستور الجزائري في مسألة تاسيس الأحزاب السياسية وحرية النشاط الحزبي مما يشكل عقبات جدية في طريق التعددية الحزبية .
وبعد ان استعرضنا النصوص الدستورية المتعلقة بالأحزاب السياسية في كل من العراق والدول المقارنة نود ان نورد الملاحظات الآتية :
1. إن الدساتير العراقية لم تتضمن اية اشارة صريحة إلى تبني أي نظام من النظم الحزبية غير ان مضامينها واستعمال بعض منها لتعبير (( الجمعيات )) أو ((الأحزاب )) يفضي إلى قيام نظام التعددية الحزبية .
2. خلو الدساتير العراقية من الاشارة إلى دور الأحزاب في النظام السياسي على عكس ما لاحظناه من الدساتير المقارنة كالدستور الفرنسي والمصري واليمني .
3. إن التنظيم الامثل للأحزاب السياسية في النصوص الدستورية يتحقق بتضمين الوثيقة الدستورية احكاماً تتولى كفالة العناصر الجوهرية الماسة بها ، لان ذلك يضفي عليها نوعاً من السمو ، ويصونها من تجاوزات السلطات العامة في الدولة .
لذلك نقترح ان يتم تنظيم الأحزاب السياسية في النصوص الدستورية كما يأتي :
(( يكفل الدستور حرية تاسيس الأحزاب السياسية والانضمام اليها ، ولا يجوز ان تكون الأحزاب خاضعة للترخيص ، ويحظر القيام باية اجراءات مقيدة لانشطتها الا باوامر مسببة من السلطة القضائية حيث يحدد القانون حالات تجاوز حدود هذه الحرية وتساهم الدولة في تقديم دعم مالي للأحزاب السياسية )) .
_______________________________________________
1- Pierre Avril . Essais Sur Les parties ، Paris : L.G.D.J. ، 1986 ، P 1-9.
2- د. نعمان الخطيب ، المصدر السابق ، ص118-119 .
3- وقد اكد المجلس الدستوري في قراره الصادر بتاريخ 16/7/1971 على ان لحرية انشاء الجمعيات قيمة دستورية مما يفضي إلى قطع الطريق امام أي مسعى محتمل يهدف إلى مصادرتها .
Guillaume Basile . Questions De Droit Public ، Paris : ellipses ، 1996 ، P 83.
4- لمقارنة موقف الدستور الفرنسي 1958 من هذه المسألة تنظر : م(21) ف(2) من الدستور الالماني الصادر عام 1949 .
5- اندرية هوريو . القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، ترجمة علي مقلد (وآخرون) ، ج1، بيروت : الاهلية للنشر والتوزيع ، 1974 ، ص183.
6- لم يتضمن دستور 1923 نصاً صريحاً يبيح تاسيس الأحزاب السياسية أو الانضمام اليها ، الا انه كفل للمصريين حرية الرأي في م(14) ، وحق تكوين الجمعيات في م(21) والتي نصت على ان (( للمصريين حق تكوين الجمعيات ، وكيفية= =استعمال هذا الحق يبينها القانون)) في حين اشار دستور 1956 إلى تشكيل (( الاتحاد القومي )) ليمثل بذلك التنظيم الحزبي الوحيد في مصر ، وهذا ما بينته م (192) التي نصت على ان (( يكون المواطنون اتحاداً قومياً للعمل على تحقيق الاهداف التي قامت من اجلها الثورة ولحث الجهود لبناء الامة بناء سليماً من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويتولى الاتحاد القومي الترشيح لعضوية مجلس الامة وتبين طريقة تكوين هذا الاتحاد بقرار من رئيس الجمهورية )) ، وسار دستور 1964 على ذات النهج فأنشأ (( الاتحاد الاشتراكي العربي )) ليحل محل الاتحاد القومي، وهذا ما بينته م(3) حيث نصت على ان (( الوحدة الوطنية التي يصنعها تحالف قوى الشعب العاملة الممثلة للشعب العامل أو هي الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية هي التي تقيم الاتحاد الاشتراكي العربي ليكون السلطة الممثلة للشعب والدافعة لامكانيات الثورة والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة )) . لمزيد من التفصيل ينظر : د. سعد عصفور ، النظام الدستوري المصري ، دستور سنة 1971 ، الاسكندرية : منشأة المعارف ، 1971 ، ص387-392.
7- اكتسبت م(5) هذه الصياغة بعد التعديل الذي اجري عليها بموجب قرار مجلس الشعب بتعديل الدستور في 30/4/1980 ، حيث كانت تنص على ان (( الاتحاد الاشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الذي يمثل تنظيماته القائمة على اساس مبدأ الديمقراطية تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية وهو اداة هذا التحالف في تعميق قيم الديمقراطية والاشتراكية ، وفي متابعة العمل الوطني في مختلف مجالاته … ويؤكد الاتحاد الاشتراكي العربي سلطة تحالف قوى الشعب العاملة عن طريق العمل السياسي الذي تباشره تنظيماته … ويبين النظام الاسس للاتحاد الاشتراكي العربي شروط العضوية فيه وتنظيماته المختلفة وضمان ممارسة نشاطه بالاسلوب الديمقراطي على ان يمثل العمال والفلاحين في هذه التنظيمات بنسبة خمسين في المائة على الاقل )) .
8-د. محمد سليم محمد غزوي ، الوجيز في التنظيم السياسي والدستوري للملكة الاردنية الهاشمية ، ط1، عمان : مطبعة رفيدي ، 1985 ، ص83-84. .
9- يعد دستور 1990 اول دستور يصدر بعد الوحدة بين شطري اليمن ، اما بالنسبة لموقف الدساتير السابقة على قيام الوحدة ، ففي الشطر الشمالي لليمن وبعد قيام ثورة 26/9/1962 ضد الحكم الملكي واعلان قيام النظام الجمهوري صدر دستور 27/4/1964 ونص في م(155) على ان (( يشكل المواطنون تنظيماً شعبياً للعمل على تحقيق الاهداف التي قامت من اجلها الثورة ولحث الجهود لبناء الامة بناءاً سليماً )) وبهذا حدد الدستور صيغة النظام الحزبي بانشاء تنظيم سياسي واحد ، اما دستور عام 1970 فقد نص في م(37) على ان (( الحزبية بجميع اشكالها محظورة )) وقد استمر العمل بهذا النص لحين قيام الوحدة . وفي الشطر الجنوبي تبنت النصوص الدستورية المذهب الاشتراكي الماركسي= =المتضمن حصر النشاط الحزبي في حزب واحد حيث اشارت م(3) من دستور 1978 إلى هذا المعنى حينما نصت على ان (( الحزب الاشتراكي اليمني المتسلح بنظرية الاشتراكية العلمية هو القائد والموجه للمجتمع والدولة ، وهو الذي يحدد الافق العام لتطور المجتمع وخط السياسة الداخلية والخارجية للدولة )) . لمزيد من التفصيل ينظر : د. مطهر اسماعيل العزي ، التطور الدستوري في الجمهورية العربية اليمنية ، دمشق : مطبعة الكاتب العربي ، 1985 ، ص220-231.
10- عبدالله صالح علي الكميم ، الحقوق والحريات وضماناتها في ظل دستور الجمهورية اليمنية 1990 ، اطروحة ماجستير، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 1995. ص59.
11- اشار دستور 1976 إلى تبني نظام الحزب الواحد المتمثل بـ (( جبهة التحرير الوطني )) حيث نصت م(94) منه على انه (( يقوم النظام التاسيسي الجزائري على مبدأ الحزب الواحد )) في حين نصت م(95) على ان (( جبهة التحرير الوطني هي الحزب الواحد في البلاد ، جبهة التحرير الوطني هي الطليعة المؤلفة من المواطنين الاكثر وعياً ، الذين تحدوهم المثُل العليا للوطنية الاشتراكية ، والذين يتحدون بكل حرية ضمنها ، طبقاً للشروط المنصوص عليها في القوانين الأساسية للحزب . ومناضلوا الحزب المختارون على الخصوص من بين العمال والفلاحين والشباب يصبون إلى تحقيق هدف واحد والى مواصلة عمل واحد غايته القصوى انتصار الاشتراكية )).
التنظيم الدستوري للأحزاب السياسية في العراق :
لم يشر القانون الاساسي العراقي الصادر عام 1925 إلى الأحزاب السياسية بشكل صريح ، وانما وردت الاشارة اليها من خلال ضمان هذا الدستور لحرية تأليف الجمعيات ، حيث نصت م(12) منه على ان (( للعراقيين حرية ابداء الرأي والنشر والاجتماع وتأليف الجمعيات والانضمام اليها ضمن حدود القانون )) . اما دستور 1958 فقد جاءت اشارته إلى هذا الموضوع بشكل اكثر عمومية من سابقه حيث نصت م(10) منه على ان (( حرية الاعتقاد والتعبير مضمونة وتنظم بقانون )) . وقد حظرت م(18) من هذا الدستور قيام اية هيئة أو جماعة بأنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية ، وحصرت هذا الحق بالدولة وحدها . في حين نص دستور 29/ نيسان / 1964 في م(31) على ان (( حرية تكوين الجمعيات والنقابات بالوسائل المشروعة وعلى اسس وطنية مكفولة في حدود القانون)). ونص في م(79) على ان (( لا يجوز لاية هيئة أو جماعة انشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية )) . ومنعت م (82) افراد القوات المسلحة من الانتماء إلى أي حزب أو فئة سياسية، وحظرت ترويج الآراء السياسية والحزبية بين القوات المسلحة باية طريقة كانت . اما دستور 1968 فقد تبنى ذات الاحكام الواردة في كل من المادتين (31) و (79) من دستور 29/ نيسان / 1964 (1). . اما دستور 1970 فقد نص في م (26) على ان (( يكفل الدستور حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق اغراض الدستور وفي حدود القانون . وتعمل الدولة على توفير الاسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي )).
ومن خلال النص المتقدم يمكننا ان نلاحظ ما يأتي :
1 .ان الدستور العراقي كفل حرية تاسيس الأحزاب السياسية ، واحال موضوع تنظيم تفاصيل هذه الحرية إلى المشرع العادي دون ان يقيد سلطته التنظيمية بضوابط قانونية صريحة تصون حرية تاسيس الأحزاب السياسية من تجاوزات السلطتين التشريعية والادارية . وكان الاجدر بالمشرع الدستوري العراقي ان يحدد هذه الضوابط التي تمثل المبادئ الاساسية التي ترتكز عليها حرية تأسيس الأحزاب السياسية كمبدأ المساواة بين الأحزاب السياسية وحظر وقفها أو حلها بالطريق الاداري مع منح هذا الاختصاص إلى اعلى سلطة قضائية في الدولة.
2. كفل النص حرية تأسيس الأحزاب السياسية دون الاشارة إلى ضمان حرية الانضمام اليها ، وكان الاجدر بالمشرع الدستوري العراقي النص على هذه الحرية للتلازم الواضح بينها وبين حرية تأسيس الأحزاب السياسية ، ولفسح المجال امام الافراد في الاختيار بين الانتماء إلى احد الأحزاب السياسية أو عدم الانتماء إلى أي منها .
3. اوردت م(26) قيداً على حرية تأسيس الأحزاب السياسية تمثل في تحديد مجال ممارستها بما يتفق مع (( اغراض الدستور)) ويلاحظ ان هذه الاغراض واسعة يصعب ضبطها وتحديدها ، فالغرض من الدستور بشكل عام تنظيم ممارسة السلطة وبيان مصدرها وكيفية انتقالها وتحديد اختصاصات كل هيئة من هيئات سلطة الدولة وضمان حقوق وحريات الافراد . وهذا يقودنا إلى ان حرية تأسيس الأحزاب السياسية لا يمكن ممارستها الا في الاتجاه الذي يحدده الدستور ، والذي يتمثل في الحفاظ على الاسس الاجتماعية والاقتصادية للشعب العراقي فضلاً عن اهدافه التي تعبر عنها السلطة السياسية وتسعى إلى تحقيقها والمتمثلة في :
أ. تحقيق الدولة العربية الواحدة واقامة النظام الاشتراكي (المادة 1) .
ب. الحفاظ على سيادة العراق ووحدة اراضيه (المادة 3) .
ج. ضمان الحقوق المشروعة لجميع القوميات والاقليات التي يتألف منها الشعب العراقي .
وتأسيساً على ما تقدم فاننا يمكن ان نتبين المجال الذي حدده الدستور العراقي لممارسة حرية تأسيس الأحزاب وغيرها من الحريات العامة وذلك بموجب م (36) منه ، حيث نصت على ان (( يحظر كل نشاط يتعارض مع اهداف الشعب المحددة في هذا الدستور وكل عمل أو تصرف يستهدف تفتيت الوحدة الوطنية لجماهير الشعب أو اثارة النعرات العنصرية أو الطائفية أو الاقليمية بين صفوفها أو العدوان على مكاسبها ومنجزاتها التقدمية )).
4. ابرزت م(26) دور الدولة في مجال توفير الضمانات المادية لممارسة حرية تأسيس الأحزاب السياسية والتي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي ، أي ان الدولة لا تضمن هذه الحرية للاتجاهات التي تتعارض مع مسار الثورة وأهدافها ، وهذا تأثر واضح بالمفهوم الاشتراكي للحريات العامة الذي عبرت عنه دساتير الدول الاشتراكية .
5. ان تحليل نص م(26) يفضي إلى اعتناق دستور 1970 لنظام التعددية الحزبية ، غير ان صدور قانون الحزب القائد رقم (142) لسنة 1974 ادى إلى تبني نظام الحزب القائد ممثلاً بحزب البعث العربي الاشتراكي حيث اكدت هذا المعنى م(2) من هذا القانون حينما نصت على ان (( تتخذ الوزارات وكافة دوائر الدولة ومؤسساتها وهيئاتها واجهزتها من التقرير السياسي للمؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي يقود السلطة والدولة منهاجاً ودليل عمل لها )) .
وبالرجوع إلى هذا التقرير ، نجده يؤكد على (( تعزيز قيادة الحزب الفعلية والحاسمة للدولة والمجتمع ، وهي مهمة تحتل اولوية خاصة ، ولا يجوز التهاون فيها مطلقاً …))(2). ومن خلال ما تقدم يمكننا ان نتساءل عن مدى استمرار القيادة السياسية في العراق في تبني نظام الحزب القائد بعد صدور قانون الأحزاب السياسية رقم (30) لسنة 1991 ؟في الواقع ان قانون الأحزاب السياسية لم يتضمن اشارة صريحة إلى قيام حزب البعث بقيادة باقي الأحزاب السياسية ، أو إلى منح هذا الحزب ميزة دون غيره باستثناء ما اوردته م (19) البند (اولاً) الذي قضى بحظر القيام بأي تثقيف أو نشاط سياسي أو تنظيم حزبي داخل القوات المسلحة وقوى الامن الداخلي والاجهزة الامنية الاخرى أو مع منتسبيها من قبل أي حزب سياسي ما عدا حزب البعث العربي الاشتراكي (3).. واذا ما رجعنا إلى مشروع دستور عام 1990 وبالتحديد مقدمة هذا الدستور ، لوجدنا تمسك المشرع الدستوري العراقي بصيغة الحزب القائد ، حيث ورد فيها ((…جاء كل هذا ليؤكد قدرة حزب البعث . . . في التفاعل مع الحياة وقيادتها قيادة ناجحة …)) ، فضلاً عما اشار اليه قرار مجلس قيادة الثورة رقم (22) لسنة 1992 (( . . ذلك لان كل هذه المؤسسات ومن بينها ، مجلس قيادة الثورة ، ما كانت لتكون على ما هي عليه من معنى ودور وقيم لولا نضال حزب البعث وجهاده والدور القيادي المسؤول الذي أداه في المجتمع العراقي على المستويين الشعبي والرسمي…)).
__________________________________
1- ينظر : م(33) و م (74) من دستور 1968 .
2- ينظر : التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر القطري الثامن ، بغداد : مطابع دار الثورة ، 1974 ، ص220 .
3- يبدو ان المشرع العراقي اقتبس هذا الحكم من مشروع ودستور 1990 الذي نص في م(59) على ان (( يحظر على غير حزب البعث العمل السياسي أو الحزبي في القوات المسلحة ، وقوى الامن الداخلي ومع منتسبيها )).
(محاماة نت)