دراسات قانونية

مبدأ التدبير الحر بين اللامركزية واللاتمركز (بحث قانوني)

اشكاليات مبدأ التدبير الحر بين اللامركزية واللاتمركز

يوسف النصري
باحث في العلوم القانونية بسلك الدكتوراه
مركز دراسات الدكتوراه في القانون والاقتصاد والتدبير , الدارالبيضاء
جامعة الحسن الثاني -الدارالبيضاء-
-كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -عين الشق-

تتبوأ الجهات والجماعات الترابية مكانة ذات أهمية قصوى في المشهد السياسي بعد تعديل الدستور سنة 2011 الذي اعتبرها مؤسسات مستقلة وذات ” تدبير حر” فضلا على القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات والقانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم والقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات [1]، ولما منحه الخطاب الرسمي من أهمية لموضوع ” الجهوية المتقدمة ” ، والنقاش الذي حضي به داخل الأوساط الأكاديمية خلال الفترة الأخيرة.

ذلك أن مبدأ التدبير الحر يشكل أحد القواسم المشتركة للتنظيم القانوني الجديد للجماعات الترابية ، والمتعلقة أساسا بالجهات والجماعات الترابية الأخرى، وكمبدأ دستوري يحوز على أولوية مرجعية وتنظمية بالنسبة للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية ، لا من حيث الجوانب المرجعية للمبدأ أو جوانبه الإجرائية ، ذلك أن مبدأ التدبير الحر وما يؤسس له من حمولة في ابعاده المؤسساتية والتنظيمية والتدبيرية للجماعات الترابية، سيدشن لمسار التأسيس لقاعدة مبدأي الحرية والاستقلالية في تدبير الشؤون المحلية.

وإذا توقفنا عند التدبير الحر من الناحية الاصطلاحية فهو يفيد الحرية في التدبير والإدارة ، ومن ثم فهو لا يعني الحرية في الحكم، بل يقتصر على الحرية في تدبير أو إدارة الشؤون الإدارية دون السياسية.[2]

وبربطه بالجماعات الترابية فهو يعني حرية واستقلالية هذه الجماعات في تدبير شؤونها. وهذه الحرية أو الاستقلالية تمتد لتشمل عناصر مختلفة في التدبير. وهو ما يدفع إلى البحث عن التمييز بين التدبير الحر واللامركزية [3] .حيث استعمل المصطلحين لمدة طويلة ) التدبير الحر واللامركزية (، كمترادفين قبل أن يعتبر الأول من الحريات المعترف بها للجماعات فيما يشكل الثاني مبدأ للتنظيم الإداري، رغم أنهما مفهومين دستوريين متكاملين ويدخلان في دينامية مشتركة.[4]

و عليه فإنه من الناحية النظرية كمبدأ سيمكن الوحدات الترابية من تدبير شؤونها بنفسها مع تحديد وبلورة اختياراتها وبرامجها التنموية بكيفية مستقلة وديمقراطية، إلا أنه من الناحية الواقعية فإن سياسة عدم التركيز الإداري المعتمدة في بلادنا لازالت محدودة رغم كل المحاولات والمبادرات المحتشمة في هذا الإطار، وهذا سيشكل في حد ذاته عرقلة لتفعيل التدبير الحر للجماعات الترابية مادامت هذه الأخيرة مطالبة بالتنسيق مع ممثلي الإدارات المركزية على الصعيد الترابي لتنفيذ سياساتها العمومية، مما يفرض بالإضافة إلى نقل سلطة اتخاذ القرار من الإدارات المركزية إلى ممثليها على الصعيد الجهوي والترابي، إيجاد آليات للتنسيق والانسجام بين مختلف الفاعلين داخل الوحدات الترابية.

وانطلاقا من الإطار القانوني و ملامح مبدأ التدبير الحر بمنظومته الحالية، يتضح لنا بأن الارتقاء بالجماعات الترابية عبر تمتيعها بهذا المبدأ، اختيار وطني وإرادة سياسية، فرضه وجود شؤون محلية مستقلة عن الشؤون الوطنية في ضل الممارسة الفعلية للنظام اللامركزي واللاتمركز. الشيء الذي يثير التساؤل حول اشكاليات مبدأ التدبير الحر المطروحة بين اللامركزية واللاتمركز ؟

ولتسهيل استحضار هذه الاشكاليات سنعمل على تبسيط مضمون ونطاق التدبير الحر للجماعات الترابية، والقيود الواردة على مبدأ التدبير الحر، مع إعطاء مقارنة موازية بالتجربة الفرنسية في هذا الشأن. إضافة إلى الإشارة إلى نظام المراقبة الادارية وبعض الإشكاليات التي يطرحها هذا النظام على مستوى اختصاصات الجهة والبرامج المالية.

1 – الإطار المرجعي لمبدأ التدبير الحر بين فرنسا والمغرب:

لقد كانت فرنسا سباقة إلى إعطاء مبدأ التدبير الحر بعدا دستوريا من خلال المادة 34 من دستور 1958, والذي ستؤكده المراجعة الدستورية المؤرخة في 23 مارس 2003 [5] من خلال المادة 72 دلك أن مبدأ التدبير الحر يقابله في الأدبيات الفرنسية مصطلح حرية الإدارة ( libre administration ) [6]وهو نفس المصطلح الوارد في دستور الجمهورية الفرنسية في كل من المواد التالية :
L’article 34 : « -…….. de la libre administration des collectivités territoriales, de leurs compétences et de leurs ressources………..»

-L’article 72-2 : « Les collectivités territoriales bénéficient de ressources dont elles peuvent disposer librement dans les conditions fixées par la loi……..», [7] .

مقرة بأن الجماعات الترابية تدبر بشكل حر من طرف مجالسها المنتخبة، بل إن مجلس الدولة الفرنسي، اعتبر في احدا قراراته الشهيرة ” أن مبدأ التدبير الحر يشكل احدا الحريات العامة التي لا يجب المساس بها”؛ مقرا بأن حرية التدبير هذه, يلزم أن تمارس في ضل احترام ما هو وارد في القانون.- قرار يتعلق بجماعة ( Venelles) بتاريخ 18 يناير 2001. [8]

وعلى غرار الدستور الفرنسي سيعمد المشرع الدستوري المغربي إلى تبني مبدأ التدبير الحر من خلال المقتضيات الدستورية الجديدة لسنة 2011 ، تاركا للقوانين التنظيمية مهمة تحديد الشروط والعناصر والبعد المؤطرة لتطبيقاته ؛ وفقا للفصل 146 من الدستور الذي أكد في فقرته الأخيرة على ضرورة تحديد قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر بقانون تنظيمي،

فإذا توقفنا عند مبدأ التدبير الحر انطلاقا ؛ من المادة الرابعة من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات [9] التي أكدت على أن تدبير الجهة لشؤونها يرتكز على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جهة، في حدود اختصاصاتها المنصوص عليها سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها طبقا لأحكام القانون التنظيمي والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقه.

إضافة ؛ إلى المادة 5 من نفس القانون التي أكدت تبوأ الجهة مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى في عمليات إعداد برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب و تنفيذها و تتبعها، مع مراعاة الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية الأخرى مع ضرورة مراعاة السلطات العمومية المعنية مكانة الصدارة المشار إليها في نفس المادة.

فإن ما يلاحظ من خلال استقراء مضمون المادتين ( 4 و 5 ) أن المشرع أعطى للجهات الصدارة فيما يخص تهيئ وتحضير برنامج التنمية الجهوية، في حين أن الصدارة هنا تتعارض مع مبدأ التدبير الحر الذي جاء به الدستور في المادة 136 [10]، التي نصت على ما يلي :
” يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن ؛ ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة”.

إذ كيف يمكن أن تكون للجهات الصدارة في البرامج التنموية الجهوية وفي نفس الوقت تكون مجبرة على تقبل التدبير الحر للجماعات التربية الأخرى ؟

2 – صدارة الجهات وإشكالية تقبل مبدأ التدبير الحر للجماعات التربية الأخرى :

لقد أفرزت بعض النقاشات الأكاديمية المعبر عنها في بعض الندوات العلمية المتعلقة بتدبير الشأن المحلي [11]، على ضرورة تحفيز صدارة البرامج الجهوية من خلال التنسيق العمودي بين برنامج مجلس الجهة والبرنامج الوطني وبرنامج المجلس الإقليمي وبرنامج الجماعات رغم الاشكالية المطروحة في كيفية اجرآة هذه المقتضيات على أرض الواقع للوصول إلى الأهداف المتوخاة منها.

لتتم التوصية في الأخير عن ضرورة الالتقائية والتنسيق الأفقي بين الجهة والقطاعات الوزارية علما أن الجهوية إلا حدود الساعة غير متكاملة في ضل عدم وجود إطار تنظيمي للاتمركز، ليبقى الإشكال مطروحا؛ في ضل عدم وجود اختصاصات واضحة لرؤساء المصالح الخارجية للقطاعات الوزارية؛ كيف يمكن لهذه الأخيرة أن تنسق مع المجالس المنتخبة لإنجاز مشاريع مندمجة ؟

ولاستكمال بنية مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية فإن ما يعرف في المجال الأكاديمي (الأستاذ أندري رو André Roux [12]) بمبدأ الاستقلال الوظيفي[13] يجد مكانة أساسية تقتضي ضمان حد أدنى من الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية تمارسها بشكل أصلي ومستقل عن الدولة وبالتبعية وجود شؤون محلية تتولى ممارستها. وفي هذا الإطار نص الفصل 140 من دستور 2011 على ما يلي : “للجماعات الترابية، وبناء على مبدأ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة”.

غير أن تحديد اختصاصات الجماعات الترابية وتميزها عن اختصاصات الدولة يظل من أهم الإشكاليات التي يطرحها الاستقلال الوظيفي، ولتجاوز هذه المعضلة ، عمد الدستور الجديد إلى تبني مبدأ التفريع الذي بمقتضاه تكون الوحدة الإدارية الأدنى هي صاحبة الاختصاص ولا يمكن للوحدة الإدارية الأعلى التدخل إلا في حالة عجز الوحدة الأولى، وتبعا لذلك يجب أن تتوفر مجالس الجماعات المنتخبة على “اختصاصات فعلية وحقيقية ” وليست استشارية، يرجع أمر تنظيمها للقانون على حد تعبير المجلس الدستوري الفرنسي في قراره الصادر بتاريخ 8 غشت 1985 [14].

وبالتبعية لا يمكن للدولة أو ممثليها التطاول على اختصاصات الجماعات الترابية أو منعها من ممارسة اختصاصاتها وتدبير شؤونها المحلية بكل حرية.

ففي قرار صادر عن نفس المجلس اعتبر أن المشرع قد مس بمبدأ التدبير الحر بمنعه الأقاليم من تعديل الإعلانات المخصصة للجماعات الترابية وهيئاتها في مجال الماء الصالح للشرب والتطهير حسب طريقة تدبير المرفق المعني [15] كما انتهى في قراره الصادر بتاريخ 07 دجنبر[16] 2000 بأنه “إذا كان يحق للمشرع فرض التزامات على الجماعات مادامت تستجيب للمتطلبات الدستورية أو تسعى للصالح العام، فإنه يجب أن لا يكون من شأنها المساس بالاختصاص الذاتي للجماعات المعنية أو التضييق على تدبيرها الحر، ويجب أن تكون هذه الالتزامات محددة بشكل دقيق إن على مستوى الهدف أو المضمون “.

أما بالمغرب فمن ظاهر النص المنظم لسلطات الجماعات الترابية في تنفيذ مقرراتها. نجد الفصل 138 من الدستور المغربي نص على ما يلي: ” يقوم رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية بتنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها”.

كما أن تحديد شروط تفعيل هذا المقتضى تمت احالتها على الفصل 146 من الدستور، وهو ما تمت ترجمته في المادة 101 من مشروع القانون التنظيمي للجهات والذي نص على ما يلي: “يقوم رئيس مجلس الجهة بتنفيذ مداولات المجلس ومقرراته، ويتخذ جميع التدابير اللازمة لذلك.”
وعليه، فمنح السلطة التنفيذية لرؤساء الجماعات الترابية يشكل ركن أساسي من التدبير الحر الذي يعني في نفس الوقت سلطة التقرير وسلطة تطبيق القرارات والمقررات.

3 – اشكالية مبدأ التدبير الحر وتفريع الاختصاصات مع ربط المسؤولية بالمحاسبة :

انطلاقا من مبدأ التفريع الذي يكتسي ركيزة أساسية بالغة بين الجهات والجماعات الترابية، سيتضح أن الحلقة الأكثر أهمية بين الوحدات الترابية ليست الجهة؛ بل الجماعة لكونها الأقرب للساكنة ولكون منتخبيها أدرى بمشاكل واحتياجات الجماعات وساكنتها، فإذا كان هناك أي برنامج قائم على التنسيق على المستوى العمودي تم على المستوى الأفقي؛ فلا بد أن ينطلق من الأساس القاعدي أي الجماعة، وإذا كانت مسألة الصدارة تتناقض مع مبدأ التدبير الحر؛ فعلى الدولة أن تخلق اليات للتحفيز ليكون انسجام بين جميع الفاعلين على المستوى الترابي خدمة للاحتياجات الملحة لتحقيق التنمية المنشودة .

لتبقى مسألة العمل على تطوير نظام اللاتركيز الإداري ضرورة ملحة نظرا لمسؤولية الولاة في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ، على اعتبار أن الجهوية المتقدمة حاليا اركانها غير متكاملة؛ لكونها تقوم على لامركزة اختصاصات الدولة وبالمقابل لاتمركز اختصاصات القطاعات[17] (علما أن بعض الدول عالجت هذا المشكل كفرنسا مثلا وذلك بإصدار قانون يحدد هذه الاختصاصات – قانون 7 يناير 1983 الذي حدد توزيع الاختصاصات بين مختلف الوحدات اللامركزية وبين هذه الأخيرة والدولة [18]) وإلى حدود الساعة نجد أن كل النقاشات الأكاديمية وواقع التشريع المغربي اعتمد على النظام اللامركزي مع غض الطرف عن اللاتمركز وخير دليل على ذلك أن المجالس المنتخبة المتمتعة باختصاصات واضحة بحكم القانون تشتغل مع مصالح وزارية) المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية( لا تتمتع بأي اختصاصات محينة، علما أن الوالي يتمركز دوره في التنسيق مع مجلس منتخب متمتع باختصاصات نضمها له القانون ومع ممثلين عن القطاعات الوزارية) المصالح اللاممركزة( الغير متمتعين باختصاصات واضحة.

وللجواب عن الإشكال المتعلق بكيفية توطين المشاريع على أساس احترام الوحدات الترابية؛ فإن بعض المقترحات المستوحاة من بعض التجارب الأجنبية ، تقوم على تنظيم طريقة الاشتغال داخل منظومة الجماعات الترابية بكل مستوياتها؛ وذلك بأن تكون بداية تحضير المشاريع انطلاقا من الجماعة بشكل يجمع بين المنتخبين والمجتمع المدني وكذلك المصالح اللاممركزة ، مع توظيف التضامن والتفريع أوالحلول، بعد ذلك يتم الانتقال إلى المستوى الإقليمي مع توظيف نفس الأسلوب في تحضير المشاريع وضمها، وصولا للجهة التي يجب أن تعمل على التنسيق بين الأقاليم، ليصبح التحكيم في حالة النزاع بين الدولة والجهة لتوطين المشاريع .

ولاستكمال بنية هذه المساهمة المتواضعة وفق ما تم تحليله، فإنه من الضرورة بما كان الإشارة إلى مسألة نظام الوصاية التي انتقلت إلى نظام المراقبة الادارية، وهذا المعطى جديد مقارنة مع ما كان معمولا به في السابق، على اعتبار أن هناك توسيع صلاحيات المنتخبين والجهات، غير أن مسألة الصلاحيات مرتبطة بالأساس بجرأة المنتخبين وقدرتهم على فرضها وفق النص القانوني، وفي المقابل ذهبت بعض التحليلات إلى أن القانون التنظيمي للجهات لا يتيح مسألة “التدبير الحر” الذي تحدث عنه الفصل 136 من الدستور، بعلة أنه من المنطقي والمقبول أن يراقب الوالي قانونية مقررات وقرارات المجلس الجهوي؛ إلا أنه من غير المقبول أن يكون الوالي رئيسا للجنة التأهيل التي تقوم بتشخيص المجال لوضع برنامج ومشاريع التأهيل، ذلك أن مثل هذه الصلاحيات تجعل الوالي يراقب الاختيار المتعلق بالمناطق المستهدفة بمشاريع التأهيل.

وهذا في حد ذاته يطرح اشكالا قانونيا يخالف بالأساس مبدأ التدبير الحر وقاعدة ربط المسؤلية بالمحاسبة، بحيث أن الناخبين سيحاسبون رئيس المجلس والمجلس الجهوي [19]على قرارات تم اتخاذها من طرف الوالي الذي يوجه الاختيارات بل وحتى مسألة توطين المشاريع بشكل يمس بمبدأ التدبير الحر الذي جاء به دستور 2011.

أما بالنسبة لاختصاصات الجهة، فإنه بمجرد استقراء نهاية الفقرة الأولى من المادة 80 القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات نجد أنها تنص على أنه : “…….تقوم الجهة بهذه المهام، مع مراعاة السياسات والاستراتيجيات العامة والقطاعية للدولة في هذه المجالات” وعليه فإن هذه الفقرة من الناحية العملية “وانطلاقا من مخطط المغرب الأخضر واليوتس ……وغيرها من المخططات والبرامج”، ستطرح اشكالا مرتبط بسقف البرامج والمشاريع والمخططات التي يمكن للمجالس الجماعية برمجتها حيث لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تتجاوز أو تتعدى البرامج والمشاريع والمخططات المتداولة من طرف المجلس حدود هذه المخططات والبرامج المسطرة من طرف الدولة، ليتضح أن القانون التنظيمي للجهات لا يتيح مسألة “التدبير الحر” الذي تحدث عنه الفصل 136 من الدستور، بل ويتجه إلى توسع هامش المراقبة الادارية التي نصت عليها المادة 145 منه.

وانطلاقا من السياسات والإستراتيجيات القطاعية تأتي برامج مالية من المركز ليقتصر دور الجهة أو الإقليم في تجميع هذه البرامج المالية دون الخوض فيها؛ قصد تحقيق الاندماج المالي ، لتصبح بذلك مسؤولية الجهة المحاسب عليها تنحصر فقط على ضم الإستراتيجيات القطاعية دون التشخيص وبلورة إستراتيجية الجهة، وهذا ما سيجعل مسألة محاسبة المؤسسة المنتخبة مرتبطة بإستراتيجيات تم تقريرها على مستوى المركز في برامجها المالية ، وهذا فيه خرق سافر للمقتضى الدستوري القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ كيف يمكن تبرير محاسبة المؤسسة المنتخبة على قرارات لم تتخذ في الأصل وتم اتخاذها بشكل غير مباشر من طرف السلطات المركزية.

ومن هنا فإنه انطلاقا من الاشكالات التي تم تسليط الضوء عليها من خلال هذه الدراسة المتواضعة، سيتضح بأن تجربة الجهات والجماعات الترابية انطلاقا من مبدأ التدبير الحر ما زالت في مرحلة النشأة رغم بعض التناقضات بين التبني النظري لمبدأ التدبير الحر بسمو القاعدة الدستورية المؤسسة له وبين التطبيق الفعلي المتواضع والمحدود للمبدأ بالنظر للقيود التي ستحد من نطاقه نتيجة تميز التنظيم الترابي للدولة المغربية على وجه العموم بخاصيتين اثنتين تعمان المشهد الوطني، أولاهما لامركزية في تحسن مستمر، والثانية لاتمركز يلازم مكانه، و يعاني من ركود. ورغم أن تطلعات الجهوية المتقدمة باعتبارها إطارا جديدا للتقسيم الجهوي للسلطات تسعى إلى اضطلاع اللاتمركز بوظيفة مزدوجة، يشمل الشق الأول منها صلاحيات التقييم والتتبع والمراقبة الضرورية لممارسة مهمة مواكبة السلطات الجهوية الجديدة،

ويتعين في الشق الثاني، بالنظر إلى الهيئات الجهوية الجديدة، أن يولي اللاتمركز الأولوية لصلاحيات التدبير، التي من الأفضل أن تجري ممارستها على مستويات تحت-جهوية، كي تكون أقرب إلى المتطلبات الملحة للواقع المحلي ,مما يستدعي فتح نقاش أكاديمي ودراسات وطنية على غرار المناظرات الوطنية التي كان معمولا بها سابقا من أجل التأسيس لتوازن حقيقي بين اللامركزية واللاتمركز.

 

(محاماه نت)

إغلاق