دراسات قانونية
البصمة الوراثية كمستجد بيولوجي علمي ينازع اللعان (بحث قانوني)
وسائل إثبات النسب ونفيه ما بين الشريعة والقانون المغربي دراسة للبصمة الوراثية كمستجد بيولوجي علمي ينازع اللعان كلازمة شرعية في مجال النسب
بحث لنيل الإجازة في القانون الخاص
من إنجاز الطلبة :
عزيز أباكريم
يوسف أديب
عبد اللطيف عمارة
ليلى الخشالي
تحت إشراف الدكتور إدريس الحياني
السنة الجامعية
2009/2010م
جامعة ابن زهر
كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية
أكادير
وسائل إثبات النسب ونفيه ما بين الشريعة والقانون المغربي دراسة للبصمة الوراثية كمستجد بيولوجي علمي ينازع اللعان كلازمة شرعية في مجال النسب
للإطلاع على البحث يرجى التحميل على الرابط أسفله
وسائل_إثبات_النسب_ونفيه_ما_بين_الشريعة_والقانون_المغربي.pdf وسائل إثبات النسب ونفيه ما بين الشريعة والقانون المغربي.pdf (19.96 ميغا)
لقد حرص الاسلام على صيانة أعراض الناس وحفظها من الألسنة. فجاء حكم الشرع أن من يقذف امرأة بزنى ولم تكن له بينة تصدقه من أربعة شهود، يحد جزاءا على فعلته (قذفه) بثمانين جلدة لقوله تعالى في سورة النور:”والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبل لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون”.
وهذا حكم مطلق يشمل من قذف امراته ومن قذف امرأة غيره.ولكن الأحكام تختلف باختلاف الأزمنة و الأشخاص والبقاع. ليتم الاحتكام بذلك في عصرنا هذا الى القانون الوضعي والذي حرص على تجريم القذف الذي ضمنه في الباب السابع في الجنايات والجنح ضد الأشخاص في الفرع الخامس المتعلق بالاعتداء على الشرف أو الاعتبار الشخصي وإفشاء الأسرار من الفصول 442 الى 448 من القانون الجنائي المغربي، لينص صراحة في الفصل 442: “يعد قذفا ادعاء واقعة او نسبتها الى شخص او هيئة، إذا كانت هذه الواقعة تمس شرف او اعتبار الشخص أو الهيئة التي نسبت اليها.
ليحدد لنا في باقي الفصول هذه الحالات وعقوباتها، ولأهمية نظام الأسرة و حرص المشرع على تماسكه، ولأهمية الجنس البشري وقيمته. فإن المشرع في الباب الثامن من القانون الجنائي المتعلق بالجنايات والجنح ضد نظام الاسرة والأخلاق العامة، عرض مجموعة من العقوبات في حق الفاعل سواء كان فاعلا أصليا أو معنويا والمشارك والمساهم الذي يدل على جريمة الاجهاض مع الحرمان من مزاولة الوظيفة والقيام بأي عمل بعقوبات حبسية أو سجنية قد تصل الى عشرين سنة اذا نتج عن ذلك موت المراة المجهضة.
أما في الفرع السادس المتعلق بانتهاك الآداب فقد حدد المشرع عقوبات لجريمتي الاغتصاب و الفساد لما لها من اثر على موضوع النسب، تمس الشرف وتمس النظام العام لعدة اعتبارات دينية، اجتماعية، ثقافية…
وأيضا بالقانون رقم 24.03 المتعلق بتعزيز الحماية الجنائية للطفل والمراة فإن المشرع جد حريص على حماية الاسرة ونشيد هنا بالفصول 466-467-468-469 و 470 من القانون الجنائي المغربي.
وإذا كان قانون الالتزامات والعقود الشريعة العامة للقانون الخاص فإن مدونة الأسرة تعتبر بمثابة الأصل العام المنظم للنسب من خلال القانون 70.03 الذي دخل حيز التنفيذ في 3 فبراير 2004 والذي عني بتنظيم البنوة والنسب من خلال 20مادة من الفصل 142 الى 162، وقد سبق أن نظمت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، النسب وحده في الفصول من 83 الى 96 من خلال 14 فصل، وهذا كله ثمرة اهتمام وتطور بوضعية الأسرة تؤكد على أن المشرع من خلال قانون رقم 99-37 بشأن الحالة المدنية الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2002، يحرص على حالة الشخص من حيث ترسيم وتسجيل بعض الوقائع التي يمر بها ولد الفراش من ولادة ووفاة وزواج…في سجلات الحالة المدنية المادة 11 ، بالاضافة الى احكام تخص الاسم العائلي (المادة 20) والاسم الشخصي (المادة 21) من قانـون الحالة المدنية رقم37-99.
وعليه فان الأهمية البالغة التي يكتسيها علم النسب والإشكاليات التي يطرحها اثباتا ونفيا مع اعتماد قاعدة “الولد للفراش” في فقه النوازل والاجتهاد القضائي أصبحت تنحو منحى آخر يتأقلم مع المتغيرات التي فرضتها العولمة والحكامة الجيدة ومفهوم التنمية المستدامة في إطار دولة الحق والقانون تتجسد فيها كل أشكال الديمقراطية الحديثة من خلال الالتزام بالقانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية بما يتماشى مع سيادة الدولة الداخلية دون المساس بقواعد النظام العام والأخلاق الحميدة. ليتم النص صراحة في مدونة الأسرة فيما يتعلق بإثبات النسب ونفيه على إمكانية اللجوء إلى الخبرة القضائية في قضايا النسب والتي بدورها قيدها المشرع المغربي بشرطين :
+ إدلاء الزوج المعني بدلائل قوية على ادعائه.
+ صدور أمر قضائي بهذه الخبرة.
لتظل بذلك إشكالية إثبات النسب ونفيه لا قضية عصر إنما قضية فرع متجدر عن أصل عنيت بها الشرائع السماوية ونظمها الإسلام. قال تعالى: ” وما جعل الله أدعيائكم أبنائكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لأباهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفور رحيم” .
في الحديث النبوي:” حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب” . وقوله أيضا: الولد للفراش وللعاهر الحجر.” فإذا كان الإسلام سباقا إلى وضع لبنة الحياة الاجتماعية فان القانون الوضعي وإن كان كلازمة فرضتها المتغيرات في ظل عصرنا هذا فإنه في نظرنا لا يعد بديلا عن أحكام ظلت إلى عهدنا هذا تفرض وجودها في جميع المجالات غير أن النظام الحالي في عصرنا الحديث أصبح يتطلب من المشرع أن يجد بديلا عن حكم الشرع في مجال نفي النسب (اللعان) أو إثباته (القيافة) دون أن يخرج عن الجوهر والمضمون ليعتمد بذلك على التقدم العلمي والبيولوجي عبر نظام فصائل الدم أو تحليل الحمض النووي عن طريق تقنية البصمة الوراثية ADN في مجال لا يترك أي أثر للشك في إثبات النسب أو نفيه.
لذلك كله فإننا نرى أن موضوع البحث سيرتكز على فصل تمهيدي كمدخل عام يعمم العام ويخصص الخاص ثم تصميم مقسم إلى ثلاثة فصول: الأول: يعالج وسائل إثبات نسب ما بين الشريعة والقانون المغربي، الثاني وسائل نفي النسب الثالث والأخير تحليل بعض القرارات القضائية.
فصل تمهيدي: أحكام البنوة
المبحث الأول: مفهوم البنوة وإثباتها
المطلب الأول: مفهوم البنوة
البنوة لغة: مشتقة من الابن.
واصطلاحا : يمكن النظر إلى البنوة من زاويتين زاوية المصدر المتنسل منه ومن زاوية الصورة المتنسل في إطارها. ولما كان النظر من الزاوية الأولى عديم الفائدة فإننا نركز على الزاوية الثانية ولذلك نبادر بالقول بأن البنوة تتجسد في صورتين شرعية وغير شرعية. وهذا ما أكدته المادة 142 من مدونة الأسرة التي نصت:” البنوة تتحقق بتنسل الولد من أبويه وهي شرعية أو غير شرعية”.
من خلال استقراء المادة يتضح بأن البنوة ثمرة اتصال جنسي بين ذكر وأنثى يعتبر الولد على إثرها ابنا طبيعيا لطرفي العلاقة التي أنشأته والتي بدورها تحتاج إلى شروط أخرى لتعتبر شرعية .
المطلب الثاني : صورا لبنوة وأثارها
البنوة ترتبط بالنسب الذي نظمه المشرع في مدونة الأسرة، فقيام سبب من أسباب النسب تعتبر على إثره البنوة شرعية بالنسبة للأب. وتنتج جميع أثارها على النسب شرعا . على خلاف البنوة غير الشرعية التي لا يعترف بها الشرع مطلقا ولا يترتب عليها أي اثر قانوني للأب، فرغم ذلك فهي ليست مجردة من كل أثر شرعي عند التحايل على القانون بواسطة نظام الاستلحاق أو ادعاء أن الحمل كان في فترة الخطبة مثلا وإلى هذا المعنى أشار الخليل المالكي في مختصره عند قوله: ” إنما يستلحق الابن مجهول نسب” .
ولن يتضح لنا هذا إلا من خلال دراسة النسب في الفقرة الأولى البنوة الشرعية وفي الفقرة الثانية البنوة غير شرعية وفي الفقرة الثالثة والأخيرة آثار البنوة.
الفقرة الأولى: البنوة الشرعية
من المعلوم أن الولد يثبت نسبه لأمه بولادته، ولا يمكن نفيه بعد ذلك. ويثبت نسبه لأبيه عند توفر سبب من أسباب ثبوت النسب الشرعي الصحيح. وهذه الأسباب حسب المادة 152 من مدونة الأسرة هي كالتالي:
+ الفراش: وهو قيام علاقة زوجية بين رجل وامرأة. لا فرق في أن يكون هذا الزواج صحيحا أو باطلا وذلك في الحدود التي بينها القانون.
+الإقرار: وهو اعتراف المقر ببنوة المقر به.
+ الشبهة: هي ما لم يتيقن كونه حراما أم حلالا. ومن ذلك من يتصل بامرأة في الظلام معتقدا أنها زوجته ثم يتبين له العكس.
من خلال استقراء المواد 160،147،145،143،152،144 من مدونة الأسرة التي تنصب كلها حول البنوة الشرعية لكل من الأب والأم فانه نستنتج ما يلي:
+ النسب يكون قارا للابن ويتبع أبواه في نسبه ودينه ويتوارثان وينتج عنه موانع الزواج ويترتب عليه حقوق وواجبات البنوة والأبوة متى توفرت أسباب لحوق النسب.
+ النسب يعتبر قائما في حالة البنوة الشرعية إلى حين ثبوت العكس وذلك بحكم قضائي.
+ الأمومة الشرعية تلتقي في سببها في مجال إثبات النسب مع الأبوة الشرعية في حالة الزوجية والشبهة وتختلف معها في مجال الاغتصاب غير المتصور مطلقا بالنسبة للأم لأن الفقهاء صرحوا بأن المرأة المغتصبة إذا أتت بولد وهي متزوجة ألحق الولد بزوجها الشرعي. وهذا لا يختلف تماما مع ما جاءت به المادة 147 م.أ. في فقرتها الأولى التي أكدت على أن البنوة بالنسبة للأم تثبت عن طريق : -الولادة.
-إقرار الأم طبقا لنفس شروط المادة 160.
– صدور حكم قضائي بها.
+ البنوة للأم تستوي في الآثار التي تترتب عليها سواء كانت ناتجة عن علاقة شرعية أو غير شرعية، على عكس الأب الذي لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة له أي أثر من آثار البنوة الشرعية بمدلول المادة 148 من مدونة الأسرة.
الفقرة الثانية: البنوة غير الشرعية
وهنا لابد من التمييز بين أمومة الأم وأبوة الأب:
+ بالنسبة للام: سواء كانت العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة شرعية أم غير شرعية فإن البنوة الناتجة عن الاتصال الجنسي بينهما هي بنوة ثابتة في حق الأم. مرتبة لكافة آثارها الشرعية بالنسبة لها.
+ بالنسبة للأب: تكون البنوة غير شرعية إذا لم يثبت نسب الابن بأي طريقة من طرق إثبات النسب التي أشرنا إليها سابقا ( المادة 152 م. أ ).
وعليه فإنه لفهم وقراءة لنصوص المدونة فانه يتطلب منا العودة مجددا للفصول152،148،145 مع الإحاطة بالفصل 158 م.أ لاستخلاص مستنتجاتنا من خلال هذه المواد لنخلص إلى:
+ البنوة تكون لولد مجهول النسب وهذا شرعا وقانونا يتم بالاستلحاق، غير أن الاستلحاق بمفهوم المخالفة لا يلحق النسب إذا كانت العلاقة الجنسية غير شرعية أي أن الابن يكون ابن زنى وإذا تم استلحاقه فلا يعتد بذلك قانونا وشرعا. وابن الزنى لا يصح الإقرار ببنوته ولا استلحاقه لقول الشيخ خليل:” إنما يستلحق الابن مجهول النسب”.
+ النسب يثبت بفراش الزوجية إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا وإذا ولد خلال سنة من تاريخ الفراق( م 154 م.أ).
وعليه فان الوضع قبل ستة أشهر من تاريخ العقد المبرم بين الزوجين لا يلحق النسب قال تعالى: ” حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين” لقمان آية 14.
وقال علي كرم الله وجهه: ”أقل مدة الحمل ستة أشهر”.
هذه القاعدة هي التي اعتمد عليها المشرع المغربي من خلال المادة 154 م أ.
+ المادة 158 تضيف شهادة عدليين وبينة السماع وكل الوسائل المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية لإثبات النسب مما يؤكد حرص المشرع على حماية الأنساب حتى لا يحرم ولد من عاطفة والده ولا ينتسب ولد لغير والده.
الفقرة الثالثة : آثار البنوة
تختلف الآثار المترتبة عن البنوة الشرعية بين الأب والأم. هذا ما سنتطرق إليه اتباعا بالشكل الآتي:
+ بالنسبة للأب: نفرق بين البنوة الشرعية والبنوة غير الشرعية. فبالنسبة للأولى يترتب عليها. جميع أثار القرابة فيمنع الزواج بالمصاهرة أو الرضاع، وتستحق به نفقة القرابة والإرث، أما بالنسبة للثانية فلا ينتج عنها أي اثر. وهذا ما نصت عليه المادة 148 من مدونة الأسرة.
+ بالنسبة للأم : فلا فرق بين البنوة الشرعية والبنوة غير الشرعية حيث تستوي في الآثار المترتبة عنها وهذه الآثار هي متفرعة بين مدونة الأسرة والتشريعات الخاصة الأخرى ففي مدونة الأسرة يترتب عليها الحضانة، الرضاعة، النفقة، الرعاية، حرمة الزواج، التوارث، وثبوت الوصية الواجبة وهذا ما يهمنا دون الخوض في أثار التشريعات المقارنة .
وعليه فان أثار البنوة قد تطرح لنا إشكالا بالنسبة للأم بغض النظر عن طبيعة البنوة هل هي شرعية أم لا؟ أي أنه قد يوجد من ينكرها عنها مما يجعل ثبوت النسب أو نفيه بالنسبة لها يبقى خاضعا لكل وسائل الإثبات المقررة شرعا وقانونا. لا يسعنا إجماله هنا إلا من خلال المطلب الثالث.
المطلب الثالث: النزاع حول الأمومة ووسائل إثباتها
النزاع حول إثبات البنوة بالنسبة للأم لا يطرح أي إشكال إذا كانت المرأة متزوجة لأنها ستستفيد من قرينة الفراش متى تحققت شروطه القانونية حسب المادة 152 وهي قرينة قاطعة على ثبوت النسب بالنسبة للأب والولد معا لا يمكن الطعن فيها إلا من طرف الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد القطع وبالشروط التي وضعتها المدونة في المادة 153.
غير أن الإشكال قد يطرح في مجال إثبات البنوة بالنسبة للأم إذا كانت غير متزوجة، وهنا فإنه لا أحكام الشرع ولا أحكام القانون فهي في صفها. وذلك يظهر جليا من خلال ما يلي:
– الأم يكون لها الحق في أن تثبت أمومتها بكل الوسائل وعلى وجه الخصوص بالإقرار، شهادة الشهود، الخبرة الطبية، وجوب صدور حكم قضائي بالأمومة. وفيما يلي شرح مبسط لهذه الوسائل.
الفقرة الأولى: إثبات الأمومة بالإقرار
ويتم من طرف الأم من الناحية القانونية، طبقا لمقتضيات المادة 160 غير أنه يبقى حجة قاصرة لأنه يمكن تعطيله بسهولة بحجية أقوى كشهادة الشهود.
الفقرة الثانية: إثبات الأمومة بشهادة الشهود
حسب المادة 404 من ق.ل.ع وسائل الإثبات هي:
-إقرار الخصم ،
-الحجة الكتابية،
-شهادة الشهود،
-القرينة،
-اليمين والنكول عنها. ففي واقعة الولادة فإنه لا يطلع عليها إلا النساء عادة فهل يمكن قبول شهادة امرأتين؟ وفيها يقول ابن عاصم الغرناطي وهو يتحدث عن نصاب الشهادة:
وفي اثنين حيث لا يطلع***إلا النساء كالمحيض مقنع.
فشهادة امرأتين فيما لا يطلع عليه الرجال كالحيض والولادة. فمن الناحية القانونية لا مانع يمنع من اعتماد شهادة المولدات عموما والأطباء على وجه الخصوص متى كانت هذه الشهادة مضبوطة لا يتسرب إلى مضمونها أي شك. وإن كان في نظرنا أن ذلك بعيد المنال متى ثار نزاع حول إثبات النسب لأن الوسيلة البينة والقاطعة لن تعدو في هذه الحالة سوى قرينة الفراش بصورة قطعية أو اللجوء إلى الخبرة الطبية مع ضرورة توفر عقد زواج أو خطبة بتوفر شروطها المنصوص عليها في المادة 156 من مدونة الأسرة كي تستجيب المحكمة لطلب إثبات النسب أو نفيه.
الفقرة الثالثة: إثبات الأمومة عن طريق الخبرة الطبية
فمثلا إذا ثار نزاع بين امرأتين أو أكثر حول أمومة طفل بحيث أن كل واحدة تدعيه لنفسها ولم تستطع إثبات ما تدعيه يمكن اعتماد الخبرة القضائية الطبية طبقا ل م 158 م.أ ، بل ويمكن للمحكمة أن تلجا تلقائيا إلى الخبرة الطبية.
الفقرة الرابعة:إثبات الأمومة بحكم القضاء
حسب المادة 147 من مدونة الأسرة فان إثبات البنوة بالنسبة للأم تكون عن طريق واقعة الولادة، إقرار الأم بنفس شروط المادة 106، صدور حكم قضائي بها.
كما تعتبر بنوة الأمومة شرعية في حالة الزوجية والشبهة والاغتصاب.
ولعل المتتبع لأحكام القضاء في مجال إثبات النسب قد يقف على مفارقة تارة تؤيد موقف الأم من أجل إثبات أمومتها وتارة ترفع عنها التكليف في ذلك، مما يستخلص معه أن المشرع بتعداده لحالة الأمومة الشرعية قد قصد إهمال ابن الملاعنة حيث ينتفي الحمل أو الولد عن الزوج الملاعن ولكنه لايعد ابن زنا من الناحية الشرعية مما يجعل معه ترك الباب للاجتهاد القضائي للحسم حسب ما تقتضيه الظروف في كل قضية.
المبحث الثاني: حالات بطلان البنوة
المطلب الأول: بطلان البنوة الناتجة عن التبني:
الفقرة الأولى: مفهوم التبني
التبني لغة: من تبنى و تبناه تبنيا أي اتخذه ولدا.
وفي الاصطلاح الفقهي: استلحاق شخص ولد معروف النسب لغيره أو مجهول النسب كاللقيط أو ابن الزنا، ويصرح بأنه يتخذه ولدا له مع أنه لا تربطه به علاقة بنوة حقيقية في الأصل وهو محرم بنص في القران الكريم، قال تعالى:”وما جعل الله ادعياءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي للسبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ماتعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما”.
الفقرة الثانية: التبني في التشريع المغربي
لقد كان التبني شائعا لدى الجاهلية حيث كانوا يجعلون الولد المتبنى بمثابة ابن حقيقي يأخذ كل حقوقه من نفقة وميراث… فلما جاء نور الإسلام ألغى هذه العادة وأبطل البنوة الناتجة عن التبني وأبطل كل سبيل لا يقوم على أساس شرعي حيث جاء في مدلول الآية أعلاه أن التبني باطل شرعا ،وإذا كان القرآن الكريم حرم التبني بنص قطعي وأغلق بابه فالمشرع المغربي كذلك تمسك بالنص القرآني وجعل البنوة الناتجة عن التبني باطلة لا ينتج عنها أي أثر من أثار البنوة وهذا ما نص عليه المشرع صراحة في المادة 149 من مدونة الأسرة :”يعتبر التبني باطلا ولا ينتج أي أثر من أثار البنوة”.
الفقرة الثالثة: التبني في بعض التشريعات الأخرى
في بعض التشريعات الغربية كفرنسا فان التبني قائم قانونيا وينتج كافة أثاره القانونية وقد نظم المشرع الفرنسي التبني l’adoption في المواد من 343 إلى 370من التقنين المدني حيث بين أقسامه وحدد شروطه وأوضح مسطرته وعين آثاره. غير أن المشرع ميز لنا بين نوعين من التبني:
أ-التبني التام أو الكامل:l’adoption plénier (م343 إلى 359):
في التبني التام يندمج الطفل المتبنى اندماجا كليا في عائلة متبنية بحيث يصير نتيجة لذلك جزءا لا يتجزأ منها مثله في ذلك مثل ابن الصلب الذي يرتبط معها برابطة قرابة دموية وهذا النوع من التبني متى تحققت شروطه القانونية لا يمكن الرجوع فيها مطلقا حسب المادة 359 من القانون المدني الفرنسي وحسب المادة 358 من نفس القانون تثبت للطفل المتبنى جميع الحقوق والالتزامات التي لابن الصلب دون استثناء يذكر.
ب- التبني البسيط:l’adoption simple (م 359 -370):
تظل العلاقة في التبني البسيط قائمة بين الابن المتبنى وعائلته الأصلية حيث يحافظ في إطارها على كافة حقوقه الأسرية المادة 363 من نفس القانون ويتوارثان إذا توفي أحدهما قبل الآخر المادة 360 وتنتج عنه بعض موانع الزواج حصرها المشرع الفرنسي في المادة 366 .
وبخلاف التبني التام فإن التبني البسيط يقبل التراجع فيه متى تحققت أسباب خطيرة غير أن الرجوع لا يصح إلا بحكم قضائي يجب لصحته أن يكون معللا م 370 والمادة 1_370 ).أما بخصوص التشريع التونسي فإن المشرع التونسي قد أخذ في مجلة الأحوال الشخصية بنظام التبني بالقانون الصادر في 4 مارس 1958 حيث نص الفصل 15 من نفس القانون على أنه : ”للمتبنى نفس الحقوق التي للابن الشرعي وعليه ما عليه من الواجبات وللمتبني إزاء المتبنى نفس الحقوق التي يقرها القانون للأبوين الشرعيين وعليه ما يفرضه من واجبات عليهم”.
يتضح أن المشرع التونسي قد سار على نهج نظيره الفرنسي وبالتالي أدار ظهره لأحكام الشريعة الإسلامية في هذا الصدد.
المطلب الثاني: بطلان البنوة الناتجة عن التنزيل
الفقرة الأولى: مفهوم التنزيل وتنظيمه القانوني
التنزيل لغة :نزل الشيء أي أقامه مقامه ورتبه.
وفي الاصطلاح الفقهي: إلحاق شخص غير وارث و إنزاله منزلته أو أن يضيف الشخص شخصا آخر لا يرثه إلى ورثته فيأمرهم بتوريثه معهم في تركته، أو إلحاقه بولده، وأن ينزله منزلة ولده ويصرح بأن يعطي له مثل ميراث ولده أو لم يصرح به كان المنزل حفيده أو قريبا آخر إليه أو بعيدا عنه.
وقد نظم المشرع المغربي أحكام التنزيل ضمن القواعد التي خصصها للوصية المواد من 315 إلى 320 من مدونة الأسرة، حيث عرفه في المادة 315 :”التنزيل إلحاق شخص غير وارث بوارث وإنزاله منزلته”.
الفقرة الثانية: أثر التنزيل على البنوة
بعدما قرر المشرع بطلان التبني من خلال الفقرة الأولى من المادة 149 من مدونة الأسرة أضاف في نفس الفقرة الثانية من نفس المادة بخصوص تنزيل الطفل منزلة الولد ما يلي:” تبني الجزاء أو التنزيل منزلة الولد لا يثبت به النسب وتجري عليه أحكام الوصية”. مما يحيلنا هنا على طرح التساؤل التالي:إذا كان التنزيل يخضع لإحكام الوصية. فكيف تكون مسطرته شرعا وقانونا قبل الخوض في آثاره؟
أ-مسطرة التنزيل الشرعية والقانونية:
ينعقد التنزيل بما تنعقد به الوصية مثل قول المنزل – كسرا- فلان وارث مع ولدي أو مع أولادي أو ألحقوه أو ورثوه في مالي أو يكون له ولد ابن وولد بنت فيقول ورثوه مع أولادي أو ألحقوه بميراثي أو ورثوه في مالي أو يكون له ولد ابن وولد بنت فيقول ورثوه مع أولادي وهو كالوصية تطبق عليه أحكامها ما عدا التفاضل.
والتفاضل هو أنه قد يعمل بقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين بين الإخوة في حالة ما إذ لم يسوى المنزل بينهم.
ب-آثار التنزيل:
+ التنزيل كالوصية لا ينفذ إلا بعد وفاة المنزل- كسرا وقبول من المنزل- فتحا ( المادة 277 م.ا).
+ التنزيل لا يصح لوارث إلا بإجازة صريحة من الورثة. وهذه كذلك قاعدة من قواعد من قواعد الوصية.
+ التنزيل لا يمكن أن يتجاوز نصاب الوصية – أي ثلث التركة – إلا بإجازة صريحة كذلك من الورثة الرشداء المادة 280 مدونة الأسرة.
+ وأخيرا يؤخذ به المال طبقا لأحكام الوصية وفي حدودها، المادة 277 من مدونة الأسرة ولا تثبت به البنوة الشرعية مطلقا، وهو ما تم النص عليه صراحة ضمن الفقرة الثانية من المادة 149 من مدونة الأسرة المشار إليها أعلاه.
المبحث الثالث: البنوة والنسب في بعض القوانين الخاصة الأخرى
المطلب الأول: البنوة والنسب في قانون الحالة المدنية
الفقرة الأولى: مفهوم الحالة المدنية
لقد بذلت محاولات كثيرة لتحديد مفهوم الحالة المدنية قضائيا وتشريعيا ولكن ما يهمنا هو المفهوم الذي حدده المشرع المغربي لها من خلال المادة 1 من قانون 99- 37 بشأن الحالة المدنية صدر بتنفيذه الظهير الشريف تحت رقم 239 – 02- 1 بتاريخ 25 رجب 1423 الموافق 3 أكتوبر 2002. وقد جاء فيها: ”يقصد بعبارة” الحالة المدنية” في هذا القانون وفي النصوص التنظيمية لصادرة لتطبيقه نظام يقوم على تسجيل وترسيم الوقائع المدنية الأساسية للأفراد من ولادة ووفاة وزواج طلاق، وضبط جميع البيانات المتعلقة بها من حيث نوعها وتاريخ ومكان حدوثها في سجلات الحالة المدنية”.
يقوم ضابط الحالة المدنية المختص بتحرير رسم مستقل لكل من واقعتي الولادة والوفاة وبيان هامشي زواج والطلاق. ويحدد شكل الوسم بمقتضى نص تنظيمي.
الفقرة الثانية: التسجيل في رسوم الحالة المدنية واثبات البنوة ونفيها
حسم المشرع هذه المسالة من خلال المادة الثانية من القانون 99-37 المتعلق بالحالة المدنية حيث نص صراحة على:
”تكتسي رسوم الحالة المدنية نفس القوة الإثباتية للوثائق الرسمية مع اعتبار الشروط الشرعية في إثبات النسب والأحوال الشخصية”.
وعليه فإننا نستنتج من هذه القاعدة مايلي:
– رسم الحالة المدنية وثيقة رسمية لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور كما نصت على ذلك قاعدة ف 419 من ق.ل.ع التي جاء فيها:”الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور…”
وهي من ثمة تكون حجة مطلقة تسري في مواجهة أطرافها وفي مواجهة الكافة. أي تكون لها نفس القوة الثبوتية التي للورقة الرسمية.
– يستثنى من الحكم أعلاه ما يخص إثبات المسائل المتصلة بالأحوال الشخصية. ومن ذلك إثبات للبنوة والنسب. حيث لا مناص في ذلك من الرجوع لمدونة الأسرة على مستوى الإثبات.
لنخلص أنه مهما ما كانت الوثيقة الرسمية لها قوة ثبوتية شرعية وقانونية فيما يخص جميع الحقوق الشخصية والمدنية والعينية فإنه في مجال البنوة والنسب لا يمكن اعتبارها حجة قاطعة وبالتالي تستبعد قاعدة (الحجة المثبتة مقدمة على النافية). فلا يسوغ الأخذ بالتسجيلات المضمنة في كناش الحالة المدنية كورقة رسمية تفضي إلى إثبات البنوة والنسب وإنما يجب الرجوع دائما لقواعد مدونة الأسرة فيما يخص وسائل الإثبات في هذا المجال كقواعد آمرة تجعل النص الخاص يجب النص العام.
المطلب الثاني: هل يمكن اعتبار التسجيل في الحالة المدنية من باب الإقرار بالبنوة ؟
الفقرة الأولى: فيما يخص مجهول الأبوين
عرفت وضعية مجهول الأبوين تحولا نوعيا في المغرب على مستوى الجنسية أدى إلى تطور التشريع وبالنسبة لقانون الحالة المدنية عمدت سلطات الحماية الفرنسية إلى إدخال نظام الحالة المدنية الذي تحكمه مجموعة من الظهائر .ولكن ما يهمنا في هذا الباب ما تنصب عليه مقتضيات الحالة المدنية رقم 99-37 بخصوص مجهول الأبوين حيث جاء في الفقرات الأخيرة من فصله 16 ”إذا تعلق الأمر بمولود من أبوين مجهولين أو مولود وقع التخلي عنه بعد الوضع، يصرح بولادته وكيل الملك بصفة تلقائية، أو بناءا على طلب من السلطة المحلية، أو كل من يعنيه الأمر، معززا تصريحه بمحضر منجز في هذا الشأن، وبشهادة طبية تحدد عمر المولود على وجه التقريب ويختار له اسم شخصي واسم عائلي، وأسماء أبوين أو اسم أب إذا كان معروف الأم، ويشير ضابط الحالة المدنية بطرة ولادته إلى أن أسماء الأبوين أو الأب، حسب الحالة ، قد اختيرت طبقا لأحكام هذا القانون.
يبلغ ضابط الحالة المدنية وكيل الملك بالولادة التي سجلت بهذه الكيفية داخل أجل ثلاثة أيام من تاريخ التصريح.
تصرح بالابن المجهول الأب أمه أو من يقوم مقامها، كما تختار له اسما شخصيا واسم أب مشتقا عن الأسماء العبودية لله تعالى واسما عائليا خاصا به.
يشار بطرة رسم ولادة الطفل المكفول إلى الوثيقة التي تم بمقتضاها إسناد الكفالة طبقا للتشريع الجاري به العمل”.
وفيما يلي مستنتجاتنا فيما يتعلق بالنسب الذي يحيل عليه الفصل 16:
-المشرع أحاط مجهول النسب بضمانات قانونية كفيلة بحمايته.
-وكيل الملك بصفة تلقائية له حق التصريح بولادة مجهول الأبوين أو المتخلى عنه أو يطلب من السلطة المحلية ذلك ويأمر بتضمين رسم ولادته من طرف ضابط الحالة المدنية.
-إعمالا لمبدأ المساواة بين الجنسين يحق للأم حماية لنسب ابنها المجهول الأب اختيار ما يناسب ابنها من اسم على أن يكون مشتقا من أسماء العبودية لله تعالى أو أن يقوم بذلك كل من يمكنه أن يقوم مقامه.
وعليه، فان المشرع قد خطى خطوة جريئة رسمت صورة جديدة للنسب الذي ظل محكوما عليه بالانقياد والرضوخ لأحكام الفقه الإسلامي إثباتا ونفيا لينص بصورة صريحة في المادة 158 مدونة الأسرة:”يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية”. ليتم الانتقال إلى إعمال تقنية العلم الحديث واعتماد وسائل أخرى غير الوسائل التقليدية في مجال إثبات النسب ونفيه (نظام فصائل الدم، البصمة الوراثية ADN). وكل ذلك بما يخدم صيانة الأعراض والأنساب في شكل توافقي بين أحكام الشريعة والقانون أصالة وحداثة يحكمها منطق الشرع وروح القانون.
الفقرة الثانية: فيما يتعلق بالكفالة
إن التطرق إلى موضوع الكفالة سيحيلنا على قانون الجنسية لا محالة، وبالضبط الفقرة 2 من الفصل 9 والتي جاء فيها:”اكتساب الجنسية المغربية عن طريق الكفالة :يمكن للشخص المغربي الجنسية الذي يتولى كفالة مولود ولد خارج المغرب من أبوين مجهولين مدة تزيد عن خمس سنوات، أن يقدم تصريحا لمنح المكفول الجنسية المغربية مالم يعارض وزير العدل طبقا للفصلين 26و27 من هذا القانون” وأيضا المادة 1 من ق 15.01 المتعلق بكفالة الطفل المهمل التي جاء فيها:” يعتبر مهملا الطفل من كلا الجنسين الذي لم يبلغ سنه 18 سنة شمسية كاملة إذا وجد في إحدى الحالات التالية:
– إذا ولد من أبوين مجهولين، أو ولد من أب مجهول وأم معلومة تخلت عنه بمحض إرادتها.
– إذا كان يتيما أو عجز أبواه عن رعايته وليست له وسائل مشروعة للعيش.
– إذا كان أبواه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته وتوجيهه من أجل اكتساب سلوك حسن كما في حالة سقوط الولاية الشرعية الذي يتولى رعايته بعد فقد الآخر أو عجزه عن رعايته منحرفا ولا يقوم بواجبه المذكور إزاءه” .
وعليه فإنه بإحاطتنا بفصول القانون المنظم لكفالة الطفل المهمل رقم 01-15 والتي يضم 32 مادة فإنه ارتأينا أن نركز على الفصول 21،14،9، لاستنباط الأحكام التي تحيل على النسب دون الخوض فيما يتعلق بإسناد الجنسية عن طريق الكفالة لأنه ليس موضوعنا. وأيضا استقراء ما جاء به الفصل 85 ق.ل.ع والفصلين 26 و 27 من ق 62.06 المتعلق بالجنسية و فيما يلي مستنتجاتنا:
– كفالة الطفل المهمل ترتب حقوقا مادية ومعنوية تترتب مع تلك التي ترتبها البنوة الشرعية باستثناء المسائل الآتية:
1- الكفالة لا تثبت النسب الناتج عن القرابة وبالتالي فهي لا تسمح بالإرث ولا بالوصية الواجبة، وان كانت تسمح بالوصية الإرادية والتنزيل.
2- الكفالة لا تثبت مطلقا التحريم من الزواج بسبب القرابة.
3- الكفالة لا تسمح بإعطاء اسم الكافل إلى الطفل المكفول ولا تنقل جنسيته إليه إذا ما اختلفت جنسية الطرفين. غير أن القانون المغربي في الفقرة 2 من فصل 9 من ق 62.06 لم تعد تطرح أي إشكال في هذا الباب لأنه أصبح من حق الكافل أن يمنح الطفل المكفول جنسيته ولو اختلفت جنسية الطرفين غير أن ذلك يكون مقيدا بشرط المدة التي تتطلب أن تزيد عن 5 سنوات. بمعنى أن يتكفل الكافل بالمكفول مدة تزيد عن خمس سنوات لاكتساب الجنسية المغربية. أما ما يخص الاسم الذي قد يرتب أثرا شرعيا فيما يتعلق بالحقوق المادية والمعنوية دون النسب بين الكافل والمكفول فلا يدخل في هذا النطاق.
كخلاصة، فإنه من خلال دراستنا لمجهول الأبوين وما يتعلق بالكفالة والتبني والتنزيل فإن ربطها بالتسجيل في الحالة المدنية لا يكون له أي أثر على النسب يعتد به قانونا لأنه لا ينتج أي أثر من آثار النسب الشرعي الصحيح المبني على العقد الصحيح أو الفاسد بتوفر شروطهما فإذا كانت العلاقة الشرعية بين رجل وامرأة، قد أنتجت نسبا صحيحا بقوة القانون من خلال ركن الفراش فإن التسجيل في الحالة المدنية الذي قد يسلكه أحد الأطراف ( الزوج أو الزوجة) من اجل اعتباره قرينة لإثبات النسب فانه حسب ما توفر لدينا من خلال قرارات المحاكم بهذا الخصوص، قد تعتبر قرينة لإثبات العكس بتوفر شرط أقصى مدة الحمل والفورية في دعوى اللعان وغيرهما. هذا بالأحرى لكل من الطفل المكفول أو المتبنى أو المنزل الذين لن تعدو منازعتهم في النسب سوى قضية غير متصورة أصلا لأنه تظل حقوقهم المادية والمعنوية محدودة.
غير أن ما أثار حفيظتنا بخصوص الكفالة، أنه نظام يستمد أسسه من القانون المنظم لكفالة الأطفال المهملين، وأنه ليس هناك مانع يمنع من كفالة طفل مهمل كما أومأنا، لكن ما نص عليه الفصلين 466و 467 ق.ج يفرض تساؤلا ينافي هذه القواعد السابقة. فإذا كان الفصل 466 إلى حد ما يتوافق مع مقتضيات قانون كفالة الأطفال المهملين في فقرته الأولى والذي قرر حماية جنائية بخصوص الكفالة وعرض عقوبة حبسية وغرامة من 200 إلى 5000 درهم لكل من قصد الحصول فائدة أحد الأفعال الآتية:
1- حرض الأبوين أو احدهما على التخلي عن طفلهما الوليد أو الذي سيولد.
2- قدم أو حاول أن يقدم وساطته بالتكفل بالطفل الوليد أو سيولد أو لتبنيه.
فإن فقرته الثانية على عكس ذلك، مما يجعل التساؤل حول الكفالة هل تظل قاصرة على مؤسسات الرعاية الاجتماعية بخصوص إبرام العقود بشأنها، أو أن الوساطة في هذا الفصل قصد بها الشرع فقط معلوم النسب من أبوين تم التخلي عن ولدهما عن طريق الجبر والإكراه؟.
لنفترض انه تم بالفعل ذلك، فهل منظومة الإثبات ستكون كفيلة بإثبات واقعة الجبر والقسر على التخلي فعلا؟ أم أن ذلك سيتحول إلى متاجرة اقتصادية (الربح) بحماية القانون لأن هذا الأخير سيكون كفيلا بإرجاع الابن بقوة القانون متى ثبت أنه تم حمل الأبوين عن التخلي عنه؟.
أما ما جاءت به الفقرة الثانية من الفصل 467 فهي تجعلنا أيضا أمام الكتابة الرسمية أو العرفية، التي ينظم بموجبها عقد التخلي، فهل العقوبة ستطال المحامي أو الموثق العصري أو الموثق التقليدي (العدلين المنتصبين للإشهاد) أو العقد المحرر شخصيا والمصادق عليه من طرف السلطة المختصة خاصة إذا ما ثبت أن العقد الذي تم تحريره يتضمن عقد التخلي مجرم بنص القانون؟ ولكن ماذا عن تحرير العقد الذي يحرره هؤلاء نتيجة الجهل بالنص المنظم وخاصة إذا ما رجعوا بخصوص ذلك إلى القانون المنظم للكفالة دون العثور على نص يعارض ذلك؟ مع العلم أن غلطات رجال القانون لا يعتد بها كقاعدة لا تخول إبطال العقد. فهل سيتمسك هؤلاء بحالة الغلط من أجل التملص من المسؤولية الجنائية ويتم الاكتفاء بفسخ العقد؟ أم ستطالهم العقوبة باعتبار الكل سواسية أمام القانون ؟ وبالتالي هل سيكون رجال القانون معنيون ومسؤلون للبث في نوازل جديدة لا قبل لرجال قانون الألفية الثانية بها؟
وتجدر الإشارة على أن عقوبة الفصل1-467 التي أضيفت إلى جانب الفصل 4-667 بموجب القانون 24.03 والتي تنصب في إطار الفصلين السابقين يتطلب منا الوقوف عليها بخصوص نقط وهي:الوصي، المقدم، من له سلطة على طفل أو يتولى رعايته، والوسيط الذي نرى أنهم سواسية في المسؤولية التي تترتب على رجال القانون، غير أن الفرق يكون في العقوبة.
وعموما فان قواعد وأحكام الفصل التمهيدي فيما يتعلق بالنسب تعتبر من قبيل النظام العام، وبوابة الطالب خصوصا والقارئ عموما للإحاطة بكل الإشكاليات التي يطرحها النسب إثباتا ونفيا، سواء كانت المنازعات بشأنه ناشئة بين الزوجين أو يثيرها من له مصلحة مشروعة في ذلك. فإثبات النسب ونفيه، سواء عن طريق الشبهة، بينة السماع، شهادة العدلين، شهادة العقم، إمكانية الحمل، الست أشهر المعتبرة شرعا، ثم الظهار، الإيلاء، السجن، الغيبة، نظام التبني، التنزيل، الإستلحاق، الكفالة…كلها إشكاليات لا نجزم بالحسم فيها وإنما نجزم بدراستها قدر الإمكان.
الفصل الأول: وسائل إثبات النسب
لما كان النسب من النظام العام، فان المشرع شرعا وقانونا أحاطه بمجموعة من الضمانات لحق الطفل فيه ثم حماية للأسرة فاستنبط بذلك مجموعة من السبل الشرعية لثبوت النسب، أقرتها الشريعة الإسلامية مسبقا وهي الوسائل التقليدية لإثبات النسب(الفراش، الإقرار، شهادة العدلين، بينة السماع بشروطها) ثم أضاف وسيلة حديثة مع تطور العصر كلازمة أصبح من الضروري اللجوء إليها لإثبات النسب وهي البصمة الوراثية ADN كنقلة فريدة في المجال العلمي وهذا ما سنتطرق اليه في دراستنا لهذا الفصل.
المبحث الأول: وسائل الإثبات التقليدية
المطلب الأول: إثبات النسب بالفراش
الفقرة الأولى: مفهوم الفراش و شروطه
الفراش في اللغة:جاء في المعجم الوسيط: فرش الشيء فراشا أي بسطه وفي لسان العرب (الولد للفراش) أي الولد لمالك الفراش من باب دلالة الاقتضاء على غرار قوله تعالى:”واسأل القرية” أي أهل القرية وتسمى المرأة فراشا لأن الرجل يفترشها ولعلماء الشريعة في الأمر آراء.
وفي فقه الشريعة : اختلف العلماء في تحديد مفهوم الفراش، لكن يظهر لنا جليا من خلال معظم المراجع أنهم لم يخرجوا عن نظام مفهوم الزواج والعقد القائم بين رجل وامرأة عند ابتداء حملها على أساس عقد الزواج المستجمع لشروطه وأركانه والقائم مقام الاتصال بين الرجل والمرأة ينشا عنه الولد. فلو فسر الفراش على ظاهره فالمرأة ستكون فراشا في الحلال أو في الحرام، وعلى فراش الرجل إذا استأجرها للبغاء وهو فراش لاينتشئ نسبا للواطئ، فصح أن المراد بالفراش العقد الصحيح .
أما في مدونة الأسرة فإنها لم تخرج عن نطاق فراش الزوجية في تحديدها لمفهوم الفراش حيث نصت المادة 16:”تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج” ولا تفوتنا الإشارة هنا إلى أنه إذا كانت العبرة في إشهار عقد الزواج فإنه في المدونة لابد من توثيق العقد مما يدل معه على أن الوضع معكوس من الوجهة القانونية لأنه يجعل التوثيق أولى من الإشهار .
لقد اجمع فقهاء الشريعة في كل العصور على أن النسب يثبت بالفراش، كما اجمعوا على أن الفراش يثبت بالزواج وقد قنن المشرع المغربي القاعدة في أكثر من نص تشريعي غير أن السبب لا يثبت بمجرد قيام الزوجية على عقد صحيح مستجمع لأركانه وشروطه بل لابد من شروط أخرى، بحيث إذا انتفى واحد منها أدى إلى عدم لحوق الولد بالفراش حال قيام الزوجية وهذه الشروط هي:
– إبرام عقد زواج صحيح كقاعدة.
– انصرام مدة الحمل ( أن تأتي الزوجة بالولد لستة أشهر فأكثر من يوم العقد).
– أن يكون الزوج في وضع يسمح له بالإنجاب( إمكانية ولادة الزوجة من زوجها).
– ألا ينفي الزوج ما حملت به زوجته أو ولدته.
الفقرة الثانية: ثبوت النسب بالزواج الصحيح
ورد لفظ الفراش في مدونة الأسرة في أربعة سياقات بمدونة الأسرة، كلها تريد المراد بالفراش لعقد صحيح .
-السياق الأول : عندما أراد المشرع أن يقارن في الإثبات بين الفراش والزوجية حيث قال:”يثبت الفراش بما يثبت به الزوجية” (المادة 153).
-السياق الثاني: عندما أراد المشرع أن يحدد أسباب لحوق النسب حيث قال: “أسباب لحوق النسب هي: الفراش،الإقرار،والشبهة”(المادة 152).
-السياق الثالث : عندما أراد المشرع أن يحدد حجية الفراش حيث قال: ” يعتبر الفراش حجة قاطعة على ثبوت النسب”.
-السياق الرابع : عندما أراد أن يحدد سبيل الفراش لثبوت النسب حيث قال : ”يثبت نسب الولد بفراش الزوجية” ( المادة 154 ).
فمن خلال استقراء السياقات الأربع نستخلص ما يلي:
– المشرع يحيل في جميع المواد على الزواج الصحيح المثبت للنسب والذي لا ينازع في قوته أي سبب كيفما كان لأنه يعتبر حجة قاطعة على ثبوت النسب.
فقد جاء في القرار رقم 622 بتاريخ 1982-05-10 مايلي: ”لما كانت المحكمة قد تأكدت من أن المرأة وضعت ولدها بعد الزواج بأربعة أشهر فقط وألحقت مع ذلك نسب هذا المولود بالزوج بناءا على ما ثبت لديها لأنه كان يعاشرها معاشرة الأزواج قبل أن يعقد عليها أخذا بالنظرية الفقهية القائلة بجواز اعتبار الحمل الذي يظهر بالخطيبة قبل أن يعقد عليها الخطيب ولحوق النسب بالخطيب إذا أمكن الاتصال تكون بصنيعها هذا قد خالفت أصول الفقه المعمول به والحديث الشريف” الولد للفراش” أي للعقد الصحيح بعد إمكان الوطء وجاءت به بعد ستة أشهر من العقد ، إلا أن مدونة الأسرة اعتبرت فترة الخطوبة شبهة تلحق الولد بالخطيب إذا توافرت فيه شروط المادة 156”.
وبهذا تكون مدونة الأسرة حققت مقصود الشارع في لحوق النسب بشروطه وهي :
-أن تشتهر الخطوبة بين أسرتي الخطيبين.
-أن يوافق ولي الزوجة عليه عند الاقتضاء.
-أن يقع حمل الخطيبة أثناء الخطوبة.
-أن يقر الخطيبان بأن الحمل منهما.
الفقرة الثالثة : ثبوت النسب بالزواج غير الصحيح
إذا كان عقد الزواج الصحيح حسب منطوق المادة 50 م.أ هو ذلك العقد الذي لم تختل فيه الأركان المشار إليها في المادة 10 أو الشروط الواجبة التي تنص عليها المادة 13، إلا أن عقد الزواج غير الصحيح ينقسم إلى قسمين :
-عقد زواج باطل: وهو الذي يبطل حسب منطوق المادة 57 باختلال يتعلق بالإيجاب والقبول بانعدامهما أو انعدام تطابقها أو بتحقق أحد موانع الزواج بنوعيها (المؤقتة والمؤبدة).
وإذا كان الأصل في عموم العقود أن البطلان يعدمه كان لم يكن، إلا انه في عقد الزواج لا يسقط صداق إذا وقع البناء، كما أنه يوجب استبراء الرحم، بل يلزم منه أيضا لحوق النسب والمصاهرة إذا تبين أن سبب البطلان لم ينجم عن سوء نية من العاقدين، كما لو لم يكونوا-مثلا-على علم بحرمة زواج بينهم بسبب الرضاع.
-عقد الزواج الفاسد: نصت المادة 59 على أن الزواج يكون فاسدا إذا اختل فيه شرط من شروط صحته طبقا للمادتين 60-61 ومنه ما يفسخ قبل البناء ويصحح بعده، ومنه ما يفسخ قبل البناء وبعده وهي الشروط الواجبة.
وفساد الزواج يكون أما للعقد وهو المنصوص عليه في المادة 61 وأما للصداق وهو المشار إليه في المادة 60 .
الفقرة الرابعة : آثار الزواج الصحيح وغير الصحيح على النسب
يثبت نسب الولد من الزوج، في حال وجود زواج فاسد،إذا وضعت الزوجة طفلها في مدة لا تقل عن الستة أشهر من دخول الزوج دخولا حقيقيا بها ولكن لا يثبت نسب الطفل إذا وضعته أمه في اقل من هذه المدة لأنها تكون قد حملت به قبل أن يدخل زوجها بها. وعلى كل لا يتأتى للزوج الذي دخل بزوجته في زواج فاسد أن ينفي نسب ولده أصلا في حال ولادته خلال الستة أشهر أو بعدها لأن النفي لا يتحقق إلا باللعان وهذا غير ممكن هنا لأن العقد فاسد ومن شروط اللعان أن يكون العقد صحيحا.
فنستنتج من هذا الوضع أمرين :
– يتحقق الفراش في الزواج الصحيح بالعقد ذاته بينما لا يتحقق في الزواج الفاسد إلا بالدخول الحقيقي للمرأة بعد العقد الفاسد. لهذا تحتسب مدة الحمل في الزواج الصحيح من تاريخ العقد وفي الزواج الفاسد من تاريخ الدخول. وهو ما أخذت به المدونة فاعتبرت المادة 154 أن مدة الحمل إذا كانت لا تقل عن ستة أشهر من تاريخ العقد في الزواج الصحيح ومن تاريخ الدخول في الزواج الفاسد فإنها تكون حجة قوية يثبت بها النسب.
-يعتبر النسب الثابت بالدخول الحقيقي في الزواج الفاسد أقوى من النسب الثابت بالعقد في الزواج الصحيح نظرا لعدم إمكانية نفيه أصلا في الوقت الذي يمكن فيه نفي بشرطين وهما:
-أن ينفي الزوج نسب الولد ساعة ولادته، أو وقت شراء لوازمها أو وقت علمه بأن زوجته ولدت له إن كان غائبا، وفي أيام التهنئة المعتادة، وإلا اعتبر سكوته إقرارا ولا يقبل منه النفي بعد ذلك. وهذا الشرط هو شرط شرعي ثابت وإن كانت المدونة قد راعته إلى حد كبير إلا أنه أصبح متجاوزا لأنه أصبح بإمكان الزوج أن يثير دعوى إثبات النسب بشرطين:
– إدلاء الزوج المعني بدلائل قوية على ادعائه
– صدور أمر قضائي بهذه الخبرة.
بتوفر هذه الشروط يكون من حق الزوج الطعن في النسب عن طريق اللعان أو بخبرة تفيد القطع حسب المادة 153 م.أ.
وفي نفس السياق فان المادة 154 م.أ نصت على ما يلي : “يثبت نسب الولد بفراش الزوجية:
-إذا ولد لستة أشهر وأمكن الاتصال سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا.
-إذا ولد خلال سنة من تاريخ الفراق”.
المطلب الثاني: إثبات النسب عن طريق الإقرار
الفقرة الأولى: مفهوم الإقرار وأنواعه
أولا: مفهوم الإقرار
الإقرار في اللغة : هو “الإذعان للحق والاعتراف به”.
في الاصطلاح : هو خبر يوجب حكم صدقه على قائله بلفظه أو بلفظ نائبه، كما أشار إلى ذلك ابن عرفة وميارة الفارسي. وقد نظمه المشرع المغربي بمدونة الأسرة وسماه كذلك بالاستلحاق من خلال المواد 160 و161 و162.
ثانيا : أنواع الإقرار
1- إقرار يتطلب ثبوت نسب المقر له من المقر ابتداء ويتفرع عن ثبوت نسبه من المقر: يقتضي إقرار الرجل لغلام انه ابنه إثبات نسب الغلام من هذا المقر، فإذا تمكن الرجل من ذلك يصبح أبو المقر جدا للمقر له، وأولاد المقر إخوة له، وأشقاء المقر أعماما له، ويصح في هذا إقرار المرأة لولد انه ابنها، وإقرار الولد لرجل انه أبوه، أو لامرأة أنها أمه.
2-إقرار يتطلب ثبوت نسب المقر له من غير المقر ابتداء ويتفرع عنه ثبوت نسبه من المقر: يقتضي إقرار الرجل لآخر أنه أخوه، ثبوت نسب المقر له من والد المقر، فإذا أمكن ذلك يصبح أبو المقر والدا للمقر له. ويصح هذا في إقرار الشخص لآخر أنه عمه، أو ابن عمه أو ابن أخيه، لذلك لا يمكن أن يكون المقر له بالأخوة ابنا لوالد المقر، والمقر له بالعمومة ابنا لجد المقر إلا أن يصدقه من حمل النسب عليه، أو أقيمت عليه البينة، نظرا لكون الإقرار هنا حجة قاصرة على المقر فقط.
الفقرة الثانية : شروط الإقرار
حسب المادة 160 من مدونة الأسرة : ” يثبت النسب بإقرار الأب ببنوة المقربة ولو في مرض الموت، وفق الشروط الآتية:
-أن يكون الأب المقر عاقلا.
-أن لا يكون الولد المقر به معلوم النسب.
– أن لا يكذب المستلحق غفل أو عادة.
– أن يوافق المستلحق إذا كان راشدا حين الاستلحاق. وإذا استلحق قبل أن يبلغ سن الرشد، فله الحق في أن يرفع دعوى نفي النسب عند بلوغه سن الرشد”.
وسنبحث هذه الشروط تباعا كما يلي :
أ- أن يكون المقر بالنسب أبا: الحمل أو الولد ينسب دائما إلى أمه، سواء جاءت به عن طريق شرعي أو عن طريق غير شرعي، لأنه منها واليها، بخلاف الأب الذي يعترف الشرع بنسب حمل أو الولد إليه إلا إذا جاء به عن طريق شرعي، أو ثبت نسبه إليه بالوسائل التي يعتد بها شرعا من بينها الإقرار طبعا.
ب- أن يكون المقر بالنسب عاقلا: ويقصد بالعقل أن يكون المقر بالنسب كامل الأهلية فلا يكون صبيا أو مجنونا أو معتوها أو مكرها. وكمال الأهلية في التشريع المغربي يتحدد في ثماني عشرة سنة شمسية كاملة .
ج- أن يكون الولد المقر به مجهول النسب: مجهول النسب حسب جانب من الفقه الإسلامي والشخص الذي لا يعرف له أب في البلد الذي ولد فيه، ولا في البلد الذي وجد فيه، إن وجد في بلد آخر. وعليه فمتى عرف نسب الشخص من أب معين فلا يصح مطلقا الإقرار ببنوته من طرف الغير، ذلك أن النسب الثابت لا يقبل الفسخ، كما لا يقبل التحويل من أب إلى آخر.
لان الزنا- وبإجماع الفقهاء- مانع من لحوق النسب بالزاني، فيجب أن لا يصرح المقر قبل أو أثناء إقراره أن الولد المراد استلحاقه قد كان ثمرة زنى، فالزنا جريمة في الإسلام، وقد قرر الفقهاء أنه لا يجتمع حد ونسب كقاعدة عامة.
د-أن لا يكذب المستلحق عقد أو عادة: أي أن المنطق والواقع لا يكذبان واقعة استلحاق الأب بالابن. كان يكون الأب أصغر سنا من أن يستلحق ابنا ما، وألا يدعو الشك إلى استحالة ولادة أحدهما للآخر.
هـ- يجب أن يصدق المقر له والمقر في إقراره إذا كان راشدا: فالمقر له ( المستلحَق ) متى كان غير بالغ سن الرشد تنعدم إرادته في قبول إقرار الأب به، وهذا ما اتفق عليه جمهور الفقهاء وفي نفس الصدد ذهبت مدونة الأسرة، غير أنها تخلت عن موقف المالكية عندما قررت من خلال أحكام المادة 160:
-وجوب موافقة المستلحق إن كان راشدا.
-السماح للمستلحق برفع دعوى نفي النسب بعد بلوغه سن الرشد. متى تم استلحاقه قبل بلوغه هذا السن.
أما بخصوص الصغير سواء كان مميزا أو غير مميز كذا منعدم الأهلية كالمجنون فكلاهم ليسوا أهلا للتصديق ولا يعتد بإقرارهم في قبول النسب الملحق لهم لأنهم ليسوا أهلا للتصديق.
و-تعيين الأم من جانب المستلحِق يعطيها الحق في الاعتراض بنفي الولد عنها: وهو ما نصت عليه الفقرة ما قبل الأخيرة في المادة 160 من م.أ التي جاء فيها ما يلي: “إذا عين المستلحِق الأم، أمكنها الاعتراض بنفي الولد عنها أو الإدلاء بما يثبت عدم صحة الاستلحاق”.
فلنفترض هنا جدلا أن الأم نازعت في صحة الاستلحاق لم تقبل تعيين الأب لها لأن الابن الملحق بها في هذه الحالة من طرف الأب ليس من صلبها فما هو محل الابن في هذه الحالة؟ طبعا الابن بما أنه توافرت شروط الاستلحاق من طرف الأب لأن هذا الأخير يعترف بنسب حقيقي لشخص مجهول النسب يكون من صلبه فإنه جائز شرعا كما أشار الشيخ خليل وبالتالي تترتب آثار البنوة الشرعية بين المستلحِق والابن المستلحَق شرعا وقانونا.
ز-لكل ذي مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الإقرار: وهو ما نصت عليه المادة 160 في فقرتها الأخيرة :” لكل من له مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الاستلحاق المذكورة، مادام المستلحِق حيا.
إذن فمن تكن له هذه المصلحة المشروعة؟
– المصلحة لن تخرج عن دائرة الأبوين والورثة.
– الأب لا يصح له الرجوع عن إقراره متى أقر ببنوة ابن من صلبه حتى تطبق أحكام الوصية الواجبة أما إذا كان من غير صلبه فتطبق أحكام الوصية الإرادية لأنه يعد تنزيلا أو كفالة أو تبنيا وليس استلحاقا.
– الأم يصح لها أن تنازع في الاستلحاق إذا لم يكن الولد من صلبها.
– الورثة لهم حق الطعن بالزور في الإقرار المقترن بإشهاد رسمي يكون محل ثائرة شك .
الفقرة الثالثة: وسائل إثبات الإقرار وآثاره
أولا: إثبات وسائل إثبات الإقرار
هذه الوسائل محددة وفق المادة 162 من م.ا، التي نصت على أنه:” يثبت الإقرار بإشهاد رسمي أو بخط يد المقر الذي لا يشك فيه”.
أ- الإشهاد الرسمي:
يجب الإشهاد على الإقرار بالنسب من طرف عدلين منتصبين للإشهاد وتوثيقه، ثم بعد ذلك المخاطبة عليه من جانب قاضي التوثيق حتى يكتسب الصفة الرسمية.
ب- خط يد المقر الذي لا يشك فيه:
ذلك انه قد تمنع ظروف ما المقر من الاتجاه إلى العدول كإصابته بمرض أقعده من الخروج من البيت، وفي هذه الحالة يصح له استثناء أن يكتب الإقرار بالنسب بخط يده، فنحن هنا أمام وثيقة وفية تكتب بخط يد المقر ولا يصح كتابتها مطلقا من طرف الغير.
غير أنه يجب الإشارة أن هذه الوثيقة التي قد تتضمن إشهادا من المقر ببنوة ما، فإن هذا الإقرار بالنسب وإن كان يصح شرعا ( لأنه مجهول النسب) وقانونا لأنه ليس هناك ما يمنع ذلك، فإنه يتطلب توافر توقيع أسفل الورقة ولا يقوم الطابع أو الخاتم مقام التوقيع ويعتبر وجوده كعدمه. فإذا كان المشرع يتطلب هذا الشرط الشكلي بدقة متناهية حسب الفصل 426 من ق.ل.ع فهل يسوغ أن تكون الورقة العرفية مكتوبة بيد غير الشخص الملتزم بها؟
طبعا يسوغ ذلك بشرط أن تكون موقعة منه، وهذا في نظرنا شرط صحة لا شرط تمام، لأن ما نصت عليه قاعدة قرار المجلس الأعلى ، والتي جاء فيها:”عدم تحقق المحكمة من توافر شروط المادة 156 واعتمادها فقط على رفض المدعى عليه الخضوع للخبرة الطبية لإثبات النسب، تكون قد جعلت قرارها معرضا للنقض”.
فانه في نظرنا ليعتبر الإقرار صحيحا ولا يتسرب إلى مضمونه أي شك فانه يجب أن يتضمن إلى جانب التوقيع اسم المقر بالنسب وإلا فلا يعتد به قانونا.
ثانيا: آثار الإقرار
لقد جمع المشرع المغربي الأحكام التي تترتب على الإقرار بالبنوة من خلال المادة 157 من مدونة الأسرة، وتقضي بما يلي:” متى ثبت…النسب بالاستلحاق، ترتب عليه جميع نتائج القرابة، فيمنع الزواج بالمصاهرة أو الرضاع، وتستحق به نفقة القرابة والإرث”.
معناه أن اثر الإقرار بالنسب لا يختلف مطلقا عن أثر النسب الثابت شرعا عن طريق الفراش.
وأخيرا فان الإقرار بالنسب، في مرض الموت، لا تأثير على ذلك الإقرار على ما وضحه المشرع في المادة 160 من مدونة الأسرة.
المطلب الثالث : مفهوم الشبهة، أنواعها وأحكامها
أولا: مفهوم الشبهة
الشبهة حسب بعض الفقه هي كل ما لم يتيقن هل هو حلال أم حرام.
يتحقق الاتصال بشبهة في صورة غير مشروعة للاتصال الجنسي تلتبس بصورته المشروعة، وبعبارة أخرى، فإن الاتصال بشبهة أو المبني على الشبهة لا يكون زنا ولا ملحقا بالزنا من جهة، ولا يكون هنا،على نكاح صحيح أو نكاح فاسد من جهة أخرى ومن هنا دخلته الشبهة.
ثانيا: أنواع الشبهة:
أ-شبهة العقد: وهي ما كان الاشتباه بحل الوطء فيها ناشئا عن عقد غير صحيح.
ب-شبهة الفعل: وهو ما كان الاشتباه بحل الوطء فيها ناشئا عن غير مقصود كما لو زفت إليه غير الزوجة التي عقد عليها وقيل له أنها زوجته، ولم تكن كذلك في واقع الأمر.
ج-شبهة الاشتباه أو شبهة في المحل: وهي إذا وجد على فراشه امرأة ظنها زوجته فوطئها ثم تبين أنها أجنبية عنه، فان وطأه أياها على هذا النحو، وهو يعتقد الحل يعتبر وطئا بشبهة.
ثالثا: أحكام الشبهة
اعتبرت المادة 152 من مدونة الأسرة أن الشبهة تعتبر سببا من أسباب لحوق النسب، ونصت الفقرة الأولى من المادة 155 من نفس المدونة على ما يلي :” إذا نتج الاتصال بشبهة حمل وولدت المرأة ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها، ثبت نسب الولد من المتصل…”.
ولأن الاتصال بشبهة هو عبارة عن واقعة مادية، فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة 155 أعلاه أنه:” يثبت النسب الناتج عن الشبهة بجميع الوسائل المقررة شرعا”.
ومتى أثبتت المرأة واقعة الاتصال، كان للمتصل أن يثبت انتفاءها أو عدم تحقق شروطها. فإذا كانت المرأة التي اتصل بها بشبهة متزوجة، وكانت على اتصال بزوجها، فإن النسب يلحق بالزواج على اعتبار أنه صاحب الفراش الشرعي، وإن كان له أن ينفيه عن طريق الخبرة الطبية أو اللعان متى اتضح له يقينا أن الحمل ليس صادرا منه. ومن المعلوم أنه متى ثبت النسب في الاتصال بشبهة ترتب عليه من الناحية القانونية جميع النتائج المتعلقة بالقرابة، فيمنع الزواج في الدرجات الممنوعة، وتستحق به النفقة والإرث، طبقا مقتضيات المادة 157 من مدونة الأسرة.
الفقرة الثانية: آثار مدة الحمل الناتج عن الشبهة
إذا كانت المادة 155 من م.ا نصت على أنه:” إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل وولدت المرأة بين أقل مدة الحمل وأكثرها ثبت نسب الولد من المتصل”. بينما المادة 134 م.ا نصت على أنه :” في حالة ادعاء المعتدة الريبة في الحمل وحصول المنازعة في ذلك يرفع الأمر إلى المحكمة التي تستعين بذوي الاختصاص من الخبراء للتأكد من وجود الحمل وفترة نشوئه لتقرر استمرار العدة أو انتهائها”.
وإذا كانت المادة 135 نصت على أن ” أقصى أمد الحمل سنة من تاريخ الطلاق الوفاة”، فإنه لن يسعنا استخلاص آثار مدة الحمل الناتج عن الشبهة إلا من خلال تحليل الفصول الثلاثة للربط بين مدة الحمل والنسب من خلال ما تشير إليه المادة 134 بخصوص رابطة الزوجية والمادة 155 المتعلقة بالشبهة والمادة 135 التي حددت أمد الحمل في سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة. وفيما يلي تحليل هذه الفصول :
– الفراش الشرعي قرينة على إثبات النسب ولكنه يكون مشروطا بان تكون الولادة ثابتة التاريخ وداخل الأمد المعتبر شرعا.
– أدنى مدة الحمل تكون من تاريخ إبرام العقد بينما أقصى مدة الحمل تكون ابتداء من تاريخ انتهاء عقد الزواج وكيفما كان سبب الإنهاء ( طلاق،وفاة،فسخ…) وعليه فإذا عقد رجل على امرأة وأتت بولد خلال ستة أشهر فما فوق تحسب ابتداء من تاريخ إبرام العقد فالولد ينسب إليه، وإذا طلقها ( سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا)، أو توفي عنها وأتت بولد داخل سنة من الفراق لولد ولده. وهذا هو المعتمد شرعا وقانونا من خلال ما نصت عليه المادة 154 م.ا.
– المشرع استعمل عبارة من تاريخ العقد بالنسبة لأقل مدة الحمل وعبارة من تاريخ الفراق بالنسبة أقصى مدة الحمل، وهذا يفرض على أن رافع دعوى إثبات النسب كي يستفيد من المقتضيات التشريعية التي تحدد أقل مدة الحمل وأقصاها أن يحدد بدقة تاريخ إبرام العقد في أقل مدة الحمل وتاريخ وقوع الطلاق في أقصى مدة الحمل. غير أن هذا لن يكتمل كقرينة في نظرنا إلا بضبط تاريخ الولادة كما جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى، الذي جاء فيه ما يلي :”…أن النسب المدعى به لابد فيه من تحديد تاريخ ازدياد المستأنف بدقة حتى يمكن القول بأنه ازدياد داخل أو خارج المدة المعتبرة شرعا للحوق النسب وأن هذا الأمر غير ثابت بأي سند قطعي يثبت يوم وسنة ازدياد المستأنف أن الشهود المستمع إليهم ابتدائيا عجزوا عن تحديد تاريخ الازدياد وأن الحجة عدد 318 لا تحدد بدقة يوم ازدياد المستأنف وأن رسم الإراقة عدد 34 يشير فقط إلى السنة بالتقريب الشيء الذي يفيد أن كافة الحجج المدلى بها غير قطعية في ثبوت النسب المدعى به مما يجعل الوسيلة بفروعها غير جديرة بالاعتبار لأمر الذي يستلزم رفض الطلب…”. .
– ما تحيل عليه المادة 134 م.أ التي وردت في باب العدة وإن كان له تأثير بوجه عام على أحكام النسب من خلال قاعدة “وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن”، فقد تنقضي السنة أي أقصى مدة الحمل سواء بعد الطلاق أو الوفاة دون أن تلد المعتدة. فما العمل إذا ما ادعت الحمل في هذه الحالة وخاصة متى صاحب ادعاءها انتفاخ في البطن أو انقطاع لدم الحيض؟
المشرع قرر أن هذه الحالة يجب أن تعرض على الخبرة الطبية لكي تقرر بشان ما يوجد ببطنها هل هو حمل أم مجرد علة .
أما بخصوص الشبهة التي نصت عليها المادة 155 م.أ، فإن المشرع جعل عبئ الإثبات فيها غير قاصر على قاعدة “الولد للفراش” فنص على أن “النسب الناتج عن الشبهة يثبت بجميع الوسائل المقررة شرعا”، غير أن توفر إمكانية الحمل بين أقل مدة الحمل وأقصاها فإن الإثبات يعد مسالة واقع تخضع للسلطة التقديرية للقاضي لأن المشرع أشار إلى إمكانية الاتصال لا تحققه.
– إمكانية الاتصال بشبهة هي التي تلحق النسب وعدم تحققها لا يلحقه، أما في حالة تحقق الاتصال فإن الذي يدعي ذلك يقع عليه عبئ الإثبات، وإن كان في رأينا أن ذلك سيظل رهينا بمدة الحمل التي تبقى الفاصل في النزاع الذي تثيره المرأة أو الرجل.
المطلب الرابع: إثبات النسب عن طريق شهادة عدلين أو بينة السماع
الفقرة الأولى : إثبات النسب بواسطة شهادة عدلين
الشهادة في حقيقتها هي إخبار الإنسان بحق لغيره على غيره، وهي بهذا المفهوم تخالف الإقرار الذي يعد في جوهره إخبار الإنسان بحق لغيره على نفسه.
وإذا كان المشرع قد نظم القواعد الموضوعية للشهادة في ق.ل.ع.، ونظم الإجراءات المسطرية الخاصة بها في ق.م.م، فإنه فيما يخص إثبات النسب عن طريق الشهادة، يتمثل مرجعه في فقه الإمام مالك، وفي الفقه المالكي تعتبر شهادة الشهود حجة كافية في إثبات النسب.
على الرغم من أن المشرع المغربي قد اعتبر الشهادة حجة كافية وحدها لإثبات النسب،إلا أنه لم ينظمها تنظيما محكما كما فعل مثلا بالنسبة للإقرار .
والقاعدة العامة أن شهادة الشهود التي يثبت بها النسب في الفقه الإسلامي عموما والفقه المالكي على وجه الخصوص هي شهادة رجلين أو شهادة أو شهادة رجل أو امرأتين. وإذا تعلق الأمر بإثبات الولادة يمكن مبدئيا أن يقع الإثبات عن طريق شهادة امرأتين فقط. وحسب الفقه المعمول به يصح للشاهد أن يشهد بنسب شخص إلى آخر حتى يحصل له بذلك العلم القاطع لا العلم الظني، مصداقا لقوله تعالى: “وما شهدنا إلا بما علمنا “.
ونشير أن الشهادة أقوى من الإقرار في دعوى النسب وأساس ذلك القاعدة الفقهية التي تجعل البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة.
الفقرة الثانية : إثبات النسب بواسطة شهادة السماع
يقصد بشهادة السماع أن يشهد شخص أنه قد سمع سماعا فاشيا أن فلانا ابن فلان أو إن فلان أب لفلان، وقد اشترط الفقه المالكي لصحة شهادة السماع خمسة شروط:
1- الاستفاضة : أي أن يكون من نقلت عنه الشهادة غير معين ولا محصور العدد.
2- السلامة من الريبة: أي الاحتراز من غلط الشاهد أو كذبه أو سهوه.
3- أداء يمين التزكية : نظرا لضعف شهادة السماع فقد أوجب الفقه المالكي تكملتها بأداء يمين التزكية .
4- طول الزمن : طول الزمن يشترط في جميع شهادة السماع إلا في ضرر الزوجين.
5- ألا يسمي الشهود المسموع منهم : وإلا كان نقل شهادة فلا تقبل إذا كان المنقول عنهم غير عدول.
الفقرة الثالثة : ما جرى به العمل في الإثبات بواسطة شهادة عدلين وبينة السماع
سواء تعلق الأمر في إثبات النسب بواسطة الشهادة أو بواسطة بينة السماع، فقد جرى العمل بالاستعانة بالإثبات عن طريق اللفيف في هذا المجال.
وصورة شهادة اللفيف هو أن يأتي المشهود له باثني عشر رجلا على حسب شهادتهم ويضع أسماءهم عقب تاريخه ثم يكتب رسما أخر أسفل الرسم نفسه ثم يضع عدلان إمضاءهما في أسفل الرسم الثاني، وتقبل شهادة اللفيف في إثبات النسب عموما لأنها مما جرى به العمل في مذهب الإمام مالك.
وعلى الرغم من ذلك، فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى”… أن مشهد به العدول مقدم على ما شهد به اللفيف …”.
المبحث الثاني : وسائل الإثبات الحديثة
نظرا لما أصبح عليه الطب اليوم من تقدم منقطع النظير في أغلب مجالاته، وأصبح في العديد من أموره قائما على اليقين، فان ذلك يمكن استغلاله في مجال إثبات النسب ونفيه، من خلال فحص فصائل الدم وهو ما سنتطرق إليه في المطلب الأول، وفحص الحمض النووي ADN والذي سنتناوله كمطلب ثاني .
المطلب الأول: إثبات النسب عن طريق فحص فصائل الدم
إن فصائل دم الإنسان تتنوع إلى عدة فصائل، وهي علامات تميز الكريات الحمراء، وتتصنف إلى عدة نظم، المعروفة منها هي نظام ABO ونظام الريزوس ، وتمكن من التعرف على الدم المطابق للمريض حتى تتمكن من تحديد فصيلة دم كل شخص.
وتتوزع هذه النظم في المغرب على الشكل التالي :
الصنف الدموي ريزوس ايجابي ريزوس سلبي
o 40 % 6 %
A 30 % 4 %
B 14 % 2 %
AB 3 % 1 %
ففي مجال النسب فان فصائل الدم من الناحية العلمية قد يعطي نتائج صحيحة تفيد النفي دون الإثبات، ومن خلال فحص دم الفصيلة التي ينتسب إليها دم الزوجة والزوج والولد، أمكن التوصل إلى إحدى الفرضيتين :
الفرضية الأولى : أن ظهور فصيلة دم الطفل مخالفة لمقتضيات تناسل فصيلة الزوجين، معناه أن الزوج ليس الأب الحقيقي للطفل بصفة مؤكدة.
الفرضية الثانية : ظهور فصيلة دم الطفل مطابقة لمقتضيات فصيلتي دم الزوجين معناه أن الزوج قد يكون الأب الحقيقي وقد لا يكون، لأن الفصيلة الواحدة قد يشترك فيها أناس كثيرون يحتمل أن يكون الزوج المدعى عليه واحد منهم.
وعليه فإننا نستنتج مايلي :
المعطيات تفيد أن فحص فصائل الدم التي تتعلق بالنسب تعطي نتائج قطعية على نفي النسب فقط. لكنها تكون بعيدة كل البعد في الحصول على إثبات مؤكد.
وإذا كانت بعض التشريعات الأخرى إلى عهد قريب تعتمد قاعدة فحص فصائل الدم للحصول على نفي قاطع للنسب، فان المشرع المغربي من خلال استقرائنا للنصوص التي وردت في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، ومدونة الأسرة الجديدة من خلال المواد 151،152،153 ،154 ،155 ،156 ،158،فإنها توجب إثبات النسب بكل الوسائل المقررة شرعا وقانونا، وان كانت تحدد أيضا شروط اعتماد الخبرة وتحيل عليها لمعارضة الفراش في ميدان إثبات النسب أو نفيه فإننا لم نعثر على موقف ايجابي أو سلبي بخصوص ما يتعلق اعتماد المحكمة على سلك فحص فصائل الدم كدليل لنفي النسب فقط لا الإثبات، ولا الركون إلى منازعة بهذا الخصوص في فقه النوازل المعاصر، ولا حتى الاجتهاد القضائي المغربي. وهذا بديهي لأن صحوة التشريع بخصوص التقدم العلمي في مجال إثبات النسب أو نفيه ظلت مقيدة باكرا هات إلى عهد قريب تحكمها أحكام الشريعة الإسلامية من خلال مذهب الإمام مالك (اللعان)، وان كانت القيافة تعتبر دليلا قطعيا شرعا على إثبات النسب كما أسلفنا، فلما لا اعتماد وسيلة علمية أخرى هي الخبرة الجينية لما لها من اثر لا يفيد نفي النسب فقط (فصائل الدم)، وإنما إثباته بشكل مؤكد.(البصمة الوراثية).
المطلب الثاني : إثبات النسب عن طريق فحص الحمض النووي ADN :
بعد اكتشاف الحمض النووي والذي كان مقدمة لاكتشاف ما يسمى البصمة الوراثية التي تقررت بصفة رسمية سنة 1985، فإن المشرع المغربي خطى خطوة جريئة في مجال إثبات النسب ونفيه عن طريق الخبرة الجينية التي لا تفيد النفي فقط (فصائل الدم) وإنما الإثبات أيضا في مجال النسب. فإذا كانت البصمة الوراثية عبارة عن تحليل علمي بمثابة إقرار طبيعي بكون الولد من أبيه عندما يخضعان للتحليل الطبي أي الولد والأب ، واثبت التحليل العلاقة الوراثية فهذا يعني أن البصمة تقتفي الأثر الوراثي لتعطي نتائج مؤكدة للنسب، أي أنها بمثابة القيافة كوسيلة شرعية تفيد الإثبات والنفي معا في النسب، بل أقوى منها بكثير ولكن الشبه في تقفي الأثر، والحق أن البصمة الوراثية إقرار بالفعل ووجب اعتباره كذلك. غير أن ذلك بدوره يتطلب توفر شروط في تقنية التحليل والمحلل لتعتبر وسيلة من وسائل إثبات النسب ونفيه، وهذه الشروط هي :
-توفر التقنية العالية في التحليل.
-توفر الخبرة العالية في المحلل.
-الحيادية المطلقة للمحلِل بحيث لا يخضع إلا للحقيقة العلمية التي تظهر نتائج التحليل.
توافر هذه الشروط فإنها: تعتبر أدق وسيلة عرفت حتى الآن في تحديد هوية الإنسان لأن نتائجها قطيعة لا تقبل الشك والظن بنسبة 100% .
هذا بخصوص الشروط العلمية التي تفيد في التأكد من وجود أو عدم وجود العلاقة البيولوجية بين الآباء والأبناء. أما طبيعة هده العلاقة وهل هي شرعية أم غير شرعية فتلك مسألة أخرى تدخل ضمن اختصاص القضاء. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو موقف المشرع المغربي من التقدم العلمي البيولوجي؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال فإنه ارتأينا الوقوف على الوضع في بعض التشريعات الأخرى كفقرة أولى، ثم موقف المشرع المغربي كفقرة ثانية.
الفقرة الأولى: موقف بعض التشريعات الأخرى بخصوص التقدم العلمي البيولوجي
أولا: موقف القانون الفرنسي
من خلال القانون رقم 94.6.53 الصادر في يوليوز 1974 فإن المشرع الفرنسي اعتمد التقدم العلمي البيولوجي على المستوى القانوني فيما يتعلق بإثبات النسب أو نفيه من خلال ثلاث مواد.
– المادة 10-16: نصت على أن البحث الجيني المحدد لخصائص الشخص لا يمكن ممارسة إلا أسباب طبية أو علمية، ويجب الحصول على موافقة الشخص المعني قبل إجراء التحليلات الجينية عليه.
– المادة 11-16: نصت على أن تحديد هوية الشخص عن طريق بصمته الجينية لا يمكن أن يتم إلا في إطار التحقيق الذي تفرضه دعوى قضائية أو خدمة أهداف طبية أو علمية. في المواد المدنية فإن هذا التحديد لا يمكن أن يتم إلا تنفيذا للأمر بإجراء بحث يأمر به القاضي في إطار دعوى تتعلق بالنسب وشريطة الموافقة المسبقة للمعني بالأمر.
– المادة 12-16: التحليلات الجينية لا يمكن أن تتم إلا من جانب أشخاص مقبولين لذلك ومسجلين بجدول الخبراء.
وقد أعاد المشرع الفرنسي التأكيد على نفس الاحكام من خلال القانون 96.452 الصادر في 28 ماي 1996 المضمن حاليا بالفصل 145.15 من التقنين التعلق بالصحة العمومية.
من خلال الفصول نخلص إلى ما يلي:
– البحث الجيني لا يخرج عن دائرة المصلحة الطبية والعلمية بموافقة المعني بالأمر.
– البصمة الجينية لا تتم في إطار يخرج عن دائرة القضاء. أي عن طريق خبرة قضائية تستلزم التحقيق في قضية معينة أو لخدمة أهداف طبية أو علمية كما هو الشأن مثلا في قضايا تبادل المواليد خطا أو عمدا في المستشفيات، والتأكد من هوية الجثث ومجهولي الهوية في الكوارث الطبيعية أو الجرائم الناتجة عن الحروب…
– أما فيما يخص النسب فيجب موافقة المعني بالأمر ( كشرط لإقامة الدعوى).
-التحليلات التي تخرج عن دائرة الخبرة المقبولة والمحددة وفق جدول الخبراء لا يعتد بها قانونا.
ثانيا: موقف قوانين يخص دول المشرق العربي
وتهم بالخصوص دول اليمن،عمان، قطر كدول لم تعر أي اهتمام للخبرة الطبية من خلال القوانين المنظمة للأحوال الشخصية في هذه البلدان وهي:
أ- القانون رقم 20 لسنة 1992 بشان الأحوال الشخصية والسائد حاليا في الجمهورية اليمنية الذي نظم النسب في المواد من 121 إلى 131.
ب-القانون العماني رقم 34 لسنة 1978 بشان قانون الأحوال الشخصية المطبق حاليا أيضا في السلطنة الذي نظم النسب من المادة 70 إلى 79.
ج-القانون رقم 22 لسنة 2006 بشأن قانون الأسرة النافذ حاليا في دولة قطر الذي ينظم أحكام النسب من المادة 86 إلى 100.هذا ما يتعلق بهذه الدول أما فيما يتعلق بالدول التي اعتمدت الخبرة الطبية استثناء فهي دولة الكويت التي تسمح باعتماد الخبرة استثناء لنفي النسب في حالة خاصة، خلافا لدولة الإمارات التي تسمح بها في مجال إثبات النسب ونفيه، ( كما هو الشأن للمغرب).
أما بخصوص الأولى ( دولة الكويت)
فما جاءت به المادة 168 من خلال القانون رقم 51 لسنة 1984 بشأن الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 61 لسنة 1996:
” لا يثبت النسب من الرجل إذا اثبت انه غير مخصب، أولا يمكن أن يأتي منه الولد مانع خلقي أو مرضي، وللمحكمة عند النزاع في ذلك أن تستعين بأهل الخبرة من المسلمين”.
هذه المادة قيدت سلطة المحكمة في اللجوء إلى الخبرة إلا بتوفر الظرف الخاص الذي يثبته الرجل انه غير مخصب، أو أنه مصاب بعاهة أو مرض يمنعه من إحبال زوجته، ولعل ذلك مرده في نظرنا أن المشرع الكويتي لا يحبذ المنازعة في الفراش نتيجة اختلال شروط مدة الحمل التي يثبت بها النسب أو نفيه لألا تتحول المنازعات بهذا الخصوص إلى دعاوى شعبية أو كيدية القضاء في غنى عنها، ومجال الإثبات فيها لا حصر له.
أما بخصوص الثانية ( دولة الإمارات العربية المتحدة):
فأحكام النسب من م 89 إلى 97 المنظمة بالقانون رقم 28 لسنة 2005 بشأن الأحوال الشخصية وما نصت عليه المادة 89:” يثبت النسب بالفراش، الإقرار، البينة أو بالطرق العلمية إذا ثبت الفراش”.
وما نصت عليه المادة 97 بخصوص نفي النسب:” للمحكمة الاستعانة بالطرق العلمية لنفي النسب بشرط ألا يكون قد تم ثبوته قبل ذلك”.
يجعل إثبات النسب لا يخرج عن دائرة شرط الفراش، أو ما عدا ذلك فلا، فمجرد توفر شرط الفراش سواء كان صحيحا أو فاسدا فإنه يعتبر قرينة على ثبوت النسب بجميع الوسائل التي تفيد في ذلك سواء كان إقرارا بالنسب أو بالبينة أو ما عداهما بهذه الخصوص.
أما ما يفيد نفي النسب بالطرق العلمية فإذا سبق إثباته بالطرق الأنفة الذكر فلا مجال للخوض فيه لأنه لا يعتد به قانونا.
ثالثا:موقف القانون الجزائري
ما يهمنا لاستخلاص موقف المشرع الجزائري هو استقراء التعديلات التي أدخلت على قانون الأسرة بعد صدور الأمر 02.05 وبالضبط تلك التي تتعلق بالمادة 40 التي أضيفت إليها فقرة أخيرة جاء فيها:”يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب” .
ويستفتاد من المادة أن المشرع الجزائري جعلها قاصرة على إثبات النسب دون نفيه مما يفيد هنا انه بإشارته في المادة إلى الخبرة الطبية ( الطرق العلمية) هل قصد فصائل الدم أم الخبرة الجينية ( البصمة الوراثية)؟
بالرجوع إلى المادة 222 والمواد 22 و 33 و 34 من قانون الأسرة الجزائري قبل تعديله وتتميمه بجد أنها حددت وسائل إثبات النسب بالفرش،الإقرار،البينة،وبكل زواج تم فسخه بعد الدخول.
وسكتت عن التنصيص عن الوسائل التي ينفى بها النسب.مما يفرض معه تلقائيا تطبيق المادة 222 من نفس القانون التي نصت على ما يلي:” كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة الإسلامية”، وهو أيضا ما تمسك به المشرع المغربي في المادة 400م.ا. .
وإعمالا للمادة رفضت المحكمة العليا الجزائرية إعمال الخبرة الطبية كوسيلة لإثبات النسب ونفيه كما جاء في احد قراراتها ، التي يظهر جليا على أن الخبرة التي نصت عليها هي فحص فصائل الدم التي تفيد النفي فقط دون الإثبات كما أسلفنا.
فهل مرد ذلك أن القانون قيد سلطة القضاء في اعتماد فصائل الدم كوسيلة لنفي النسب فقط دون البصمة الوراثية التي تفيد النفي والإثبات معا، بما يتوافق مع ما نصت عليه المادة 22 التي تحيل على قواعد الشريعة الإسلامية لنفي النسب لأن المشرع الجزائري سكت عن ذلك ( أي عن وسائل نفي النسب عن طريق الخبرة الطبية)، أم أنه يجب إعمال ما نصت عليه المادة 40 بعد صدور الأمر 02-05؟
الملاحظ أن القراران المتوفران لدينا يعزى تاريخها إلى 1999 1993و مما يتضح معه أنه لا محيد عن تطبيق المادة 222 التي تحيل على أحكام الشريعة وبالتالي لا بديل من أجل الوصول إلى تحديد النسب عن قواعده المسطرة شرعا وقانونا بما لا يخالف الشريعة الإسلامية. ولعل ما أثار انتباهنا أن الأمر 02.05 صدر في فبراير سنة 2005 وهو ما يتوافق مع موقف جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية المحدثين والأطباء المسلمين الملمين بأحكام الشريعة، المعتمد من جانب المجمع الفقهي الإسلامي والمنعقد بمكة المكرمة من 5 إلى 10 من يناير 2002، حيث تقرر أن التحليل الجيني يمتاز بالدقة.
ولعل ذلك جعل المشرع الجزائري يقرر بعد ثلاث سنوات في الفقرة الأخيرة من المادة 40، الطرق العلمية كوسيلة لإثبات النسب دون النفي، يثبت معه أن التشريع الجزائري جد متمسك بالمادة 222 كوسيلة شرعية لنفي النسب بشرطين هما :
-اختلال شروط الفراش.
-اللعان.
الفقرة الثانية: موقف المشرع المغربي
نحى المشرع المغربي بخصوص وسائل الإثبات الحديثة واعتمادها إلى جانب الوسائل التقليدية من أجل إثبات النسب أو نفيه ، ونصوص مدونة الأسرة المتعلقة بالنسب كلها تشير إلى الخبرة القضائية بهذا الخصوص، غير أنها لم تحدد لنا هل المقصود نظام فصائل الدم أم نظام البصمة الوراثية ؟
ولعل المتتبع لأحكام القضاء بهذا الخصوص يستشف أن الممارسة القضائية استقرت على أن المقصود بالخبرة هو ما يتعلق بالبصمة الوراثية . وهذا لا يتعارض مع نظام الإثبات في الفقه الإسلامي: قال تعالى : ” سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم “، فما توصل إليه الإنسان من علم فهو بفضل الله عز وجل.
فالقواعد العامة المؤطرة لإثبات النسب تستمد شرعيتها من نصوص مدونة الأسرة وخصوصا المواد 153 ،156 ،158 ، والمادة 16 . مما يظهر جليا أنها كلها تنص على الخبرة القضائية، ومن خلال استقرائنا للفصول نقف على ما يلي :
– المشرع اعتمد خبرة قضائية تفيد النفي والإثبات معا على عكس نظرائه كالمشرع الجزائري الذي قصرها على الإثبات فقط.
-المشرع هم باعتماد موقف حداثتي لا يتعارض مع أحكام الشرع وإن كان موقفه هدا مرن فهو لا يخالف بعض التشريعات العربية فيما يتعلق بسلك الخبرة كدليل لإثبات النسب لا نفيه(التشريع الجزائري) وأخرى التي تبنته كدليل للنفي (التشريع الكويتي)، ثم التشريع الإماراتي الذي حدا حذو نظيره المغربي باعتماد الخبرة كدليل للإثبات والنفي معا.
كخلاصة فإن ما يتعلق باعتماد الخبرة كوسيلة لإثبات النسب ونفيه، فإنه بوقوفنا على شروطهما العلمية فإنه لابد من الوقوف على شروطهما الفقهية والقانونية لتعتبر قاطعة وباتة والذي نرى أنها شروط تكون شبه متطابقة مع متطلبات التشريعات العربية المقارنة. وفيما يلي إيجاز لهذه الشروط لأنه ارتأينا أنه لا حاجة من التفصيل فيها لأنها تعتبر صلب النزاع في الفصل الثاني المتعلق بوسائل نفي النسب :
-أن يكون الولد لاحقا شرعا بالأب.
-لا نفي للنسب بدون دعوى.
-إدلاء الزوج بدلائل قوية على ادعائه.
-صدور أمر قضائي بالخبرة.
وتجدر الإشارة ، أنه في حالة الشك رغم أن البصمة الوراثية ذات بيانات قاطعة وإنما الخلل قد يأتي من جانب الخطاء الإنساني أو عدم جاهزية المختبر فليس هناك ما يمنع من إجراء خبرة تكميلية أو مضادة وهو ما يجب على المشرع أن يهيئ سبله.
المطلب الثالث : كراء الأرحام والتلقيح الاصطناعي وزواج العقدة أو ما يسمى بالكونطرا
إن صياغة المطلب الأول المتعلق بنظام فصائل الدم والمطلب الثاني الذي يهم الخبرة الجينية (البصمة الوراثية ADN )كوسائل حديثة، لإثبات النسب يتطلب منا صياغة مطلب آخر لا يعد وسيلة حديثة من وسائل إثبات النسب وإنما نظام جديد مرده إلى التقنية الحديثة بالمجال العلمي لما له من علاقة وطيدة في مجال النسب لا نجد له تشريعا منظما أو تقنينا يضع أحكامه أو قواعده، لذلك سنعمد إلى تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين، تهم الأولى كراء الأرحام والتلقيح الاصطناعي. أما الثانية فتخص زواج الكونطرا كظاهرة مستجدة في الوسط المغربي وأثرها على النسب.
الفقرة الأولى: كراء الأرحام والتلقيح الاصطناعي
إن التطرق إلى كراء الأرحام سيجعلنا نسوغ عدة إشكاليات وتساؤلات نظرا لغياب تشريع يحدد أحكام وقواعد هذا النظام الجديد في الدول المتقدمة فبالأحرى الدول النامية وفي هذا المجال نلفت الانتباه إلى قضيتين عرضتا على قضاء الدول الغربية، الأولى سنة 1980، والثانية سنة 1995. فبالنسبة للأولى تتمثل في أن إحدى الزوجات بالولايات المتحدة الأمريكية رفعت دعوى على المركز(يعمل هبه أطباء) على اثر إنجابها لطفل اسمر البشرة مع أن الزوجين كانا من الجنس الأبيض، فتم إجراء أبحاث وتحاليل على مستوى مركز الحفظ، فكشفت عن وقوع خطاء في المختبر أثناء استعمال العينات المحفوظة. أما بخصوص الثانية فتتمثل في أنه على اثر إجراء عملية تلقيح خارج الرحم لتوأمين ولد أحدهما بمواصفات مختلفة عن الآخر، كما أن مواصفاته كانت مختلفة عن والديه اذ كان يحمل مواصفات رجل إفريقي اسمر اللون،وانف مفرضخ، وبعد فترة من البحث والتحري على مستوى المركز المعالج، تبين لعائلة المرأة أنه حصل فعلا خطاء علمي غير عمدي ناجم عن استخدام المركز المعالج أنبوب حفظ منطف سبق استخدامه لحفظ نطف رجل اسمر ولم يتم تنظيفه بصفة كاملة، وهو الأمر الذي نتج عنه ميلاد أحد التوأمين بمواصفات خاصة.
هذا ما يخص التشريعات ذات النظام الفدرالي ، والذي بحكمه يتميز بمرونة القوانين .
الذي يتضح من خلال النازلتين أنه ليس هناك ما يمنع من رفع دعوى إثبات النسب أو نفيه بهذا الخصوص ،لكن مادا عن التشريعات العربية أو بالأخص التشريع المغربي؟
بالرجوع إلى التشريع المغربي فإنه لم نعثر على نص ينظم هدا النظام العلمي والجديد مما يجعلنا نسوغ عدة إشكاليات من باب الجدل لا من باب الإحاطة أو التفصيل :
-هل هناك مانع يمنع الزوجين من اللجوء إلى هذا النظام البديل ؟
-هل يحق رفع دعوى إثبات النسب أو نفيه على المركز المختص في حالة الخطاء العمدي أو غير العمدي ؟
-مادا عن حالة المرأة المستأجرة لكراء الرحم وإذا بها تمتنع عن التنازل عن الولد لصالح من استأجرها، هل واقعة الولادة ستعتبر حجة على النسب في هده الحالة ؟
– ماذا بخصوص الإجراءات الشكلية وكيف سيتم التعامل مع النوازل في هذا الباب ؟
-هل سيعطى للنيابة العامة اختصاص فوري بإثبات حالة الخطاء أم يتم اللجوء إلى القضاء الاستعجالي؟
-هل توجد خبرة ذات كفاءة معتمدة لدى المحاكم لإجراء خبرة مضادة أو تكميلية بهذا الخصوص ؟ …
وهذا ما يتطلب من المشرع أن يهيأ سبله لأننا في زمن الألفية الثالثة.
الفقرة الثانية: زواج العقدة (الكونطرا) كظاهرة مستجدة في الوسط المغربي وأثرها على النسب
إن الإشارة إلى وسائل الإثبات سواء التقليدية أو الحديثة ومدى صعوبة إثبات النزاع بخصوصها لدى المحاكم. يفرض علينا الوقوف على عقد جديد ينظم خارج دائرة الكتابة كإجراء شكلي مثبت لعقد زواج المستجمع لأركانه وشروطه سواء كان صحيحا أو فاسدا. فمشاكل الزواج الشرعي ومدى صعوبة منظومة الإثبات فيه لا تدع أي مجال لإسقاط هذه المنظومة على زواج الكونطرا .
ولقد اعتبر أحد فقهاء المالكية أنه زواج غير شرعي لأنه تنعدم فيه أركان العقد ولا يعتبر زواجا وإنما زنى صريح. فالرجل لا يرتبط بالمرأة بنية التأبيد وإنما من أجل قضاء مصالح معينة وهو ما ينافي الحكمة الرئيسية من تشريع الزواج، وبالتالي فمثل هذه العلاقات ليست زواجا في شيء، وإنما علاقات غير شرعية وهي زنى صريح.
ويضيف أن صيغة قراءة الفاتحة بين الرجل والمرأة التي كانت سائدة في الأربعينيات و الخمسينات في القرن الماضي بالمغرب لم تكن سوى “إعلانا للخطوبة”وليست زواجا في حد ذاته، أما هذا النوع المشار إليه من الزواج فليس سوى بيعا للمرأة نفسها مقابل مبلغ مالي.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت الصعوبة تلازم نزاع يهم إثبات النسب الشرعي والقانوني بالشروط السالفة الذكر فهل يجب أن يتم زواج الكونطرا بموجب عقد إداري يخرج عن اختصاص قضاء الأسرة كقاعدة عامة ويصح اعتباره شرعا وقانونا؟ وهل يجب أن يتم في إطار توافقي بين زوجين دون شرط الإشهاد. وبالتالي يعتد به قانونا ويكفي إثباته بكافة الوسائل الأخرى كما هو منصوص عليها بالمدونة ؟ أم هل يتطلب إشرافا من القضاء؟ وماذا بخصوص النيابة العامة كطرف أصلي بقوة القانون في كل ما يتعلق بالأسرة وأي ضمانة ستكون للزوجة بخصوص إثبات النسب في مثل هذا النوع من الزواج؟ وبالتالي كيف سيتم التعامل مع هدا النوع من العقود المشهرة والغير الموثقة مستقبلا وأن كان في نظرنا أن دلك سيتطلب من الشرع تعديل بعض نصوص المدونة كالمادة 156 فيما يوافق هذا النوع حتى لا تضيع حقوق الزوجة وحق النسب الذي يعد من أسمى الحقوق محور هده الدراسة.
الفصل الثاني : وسائل نفي النسب
لما كان المشرع المغربي متشوفا للحوق النسب وحفظ أعراض الناس، وحماية النسب تأكيدا للقاعدة الفقهية “الأصل في الشرع ثبوت النسب” ( )، فإننا نستشف أنه لا حاجة لإثبات النسب تعزيزا لما نصت عليه القاعدة ما عدا إذا كان هناك مانع ينازع في هذا النسب، ولكن لأي مدى يمكن المنازعة فيه؟ هل يكفي إثباته بالوسائل المقررة شرعا (القيافة) و نفيه بها أيضا (اللعان)؟
يتضح معه أنه لا محيد عن سلك وسائل الشرع في كل ما يتعلق بإثبات النسب أو نفيه كقاعدة عامة، وإنه لما كانت الخبرة القضائية وسيلة أقرتها لوازم العصر تشريعا وضعيا يتوافق مع ما هو مشرع شرعا، فإنه لإثارة دعوى نفي النسب يتطلب ذلك توافر شروط أومنا إليها سابقا في الفصل الأول، وتعد صلب النزاع محور هذا الفصل، و هي:
– أن يكون الولد لاحقا شرعا بالأب.
– لا نفي للنسب بدون دعوى.
– إدلاء الزوج بدلائل قوية على إدعائه.
– صدور أمر قضائي بالخبرة.
هذا كله يجعل المتضرر الذي يدفع بدعوى نفي النسب مستوفيا لهذه الشروط الأربعة، لتعتبر دعواه ذات حجية معتبرة قانونا، ونظرا لأهمية المنازعات في هذا الشأن وصعوبة الإثبات فيها وما تطرحه من إشكاليات نفيا، فإنه ارتأينا الخروج عن المألوف فيما يخص منهجية البحث في هذا الفصل لأننا سنعمد إلى صيانة تساؤلات ذات صلة وثيقة بنزاعات النسب مردها إلى فقه النوازل والاجتهاد القضائي المغربي في كل ما يتعلق بمنظومة الفصل في النزاعات التي يطرحها نفي النسب.
وهذا ما سنتناوله بالدراسة و التحليل.
المبحث الأول : نفي النسب عن طريق اختلال شروط الفراش
المطلب الأول: عدم وجود عقد الزواج
إذا كان الأصل في الشرع ثبوت النسب كقاعدة عامة فإن ذلك يتوقف على ضرورة توفر عقد الزواج الصحيح كقرينة يثبت معها الحق الشرعي والقانوني ، من أجل إثبات العلاقة الشرعية بين رجل وامرأة. فإذا كانت قاعدة الولد للفراش بمثابة الشريعة العامة التي تبنى عليها الحقوق وترتب عليها الالتزامات المتبادلة بين طرفي العلاقة في الزوجية، فإن عدم توافر رابطة الزواج (الفراش) أثناء الحمل أو الولادة، فإنه يعطي لكل من له مصلحة مشروعة في نفي النسب.
فإذا كان الشرع جرم الزنى بنص قطعي في القرآن الكريم: ﴿والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة﴾ و قوله أيضا: ﴿الزاني لاينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك و حرم ذلك على المؤمنين﴾ . فإنما لحرصه على النسب و هو ما يتوافق مع المادة 16 من مدونة الأسرة، التي نصت على ما يلي:”تعتبر وثيقة الزواج الوسيلة الوحيدة لإثبات الزواج”.
غير أن الملاحظ بخصوص هذه المادة وما نصت عليه فقرتها الثانية التي جاء فيها: “إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة “.
تجعل المتأمل يقف عند إشكال قانوني يطرح نفسه هنا، بمعنى أنه إذا كانت المادة صريحة في فقرتها الأولى بخصوص عقد الزواج كعقد رضائي وشكلي فهل سيعتبر طافيا لإثبات عقد الزواج أم يتطلب شيئا آخر؟ ثم ما نصت عليه الفقرة الثانية بخصوص وسائل الإثبات هل يجعل عدم وجود عقد الزواج عائقا دون إثبات النسب إلا بتوفر عقد الزواج أم أنه يجب توافر شروط أخرى؟ بصياغة أخرى ما محل النسب في حالة عدم وجود وثيقة الزواج؟
فيما يتعلق بالسؤال الأول، فإنه يتطلب توثيق عقد الزواج أمام عدلين وخطاب القاضي حتى يعتبر عقد الزواج صحيح. أما فيما يخص السؤال الثاني، فإنه لا بد من توافر عقد الزواج إلا استثناء بتوافر الظروف الخاصة.
هذا كله يجعلنا أمام الاستيقافات التالية:
– الإستيقاف الأول: عدم وجود عقد الزواج يكون نتيجة علاقة غير شرعية أي جريمة زنى كما هي مجرمة شرعا و جريمة الفساد كما هي مجرمة قانونا.
– الإستيقاف الثاني: عدم توثيق العقد و الاكتفاء بالتراضي و إشهار الزواج لا يعتد به قانونا إلا بتوفر العقد الموثق وإن كانت العبرة في الشرع هي إشهار الزواج والإشهاد عليه و ليس التوثيق كركن إجرائي شكلي.
– الإستيقاف الثالث: عدم وجود عقد الزواج قد يكون مرده إلى التعدد كالرجل الذي يتزوج بثانية ولا يحبذ فكرة التوثيق مخافة علم الزوجة الأولى بالأمر، لأن المحكمة قبل الإذن بالتعدد توجه إنذارا إلى الزوجة الأولى تشعرها فيه بطلب الزوج في غيابها، حسب المادة 43 م.أ. ولكن يمكن التحايل على القانون خاصة عند الإدلاء بشهادة العزوبة المزورة، أو عند عدم توصل الزوجة بالاستدعاء الناتج عن تقديم الزوج بسوء نية لعنوان غير صحيح أو تحريف في اسم الزوجة وتطبق على الزوج في هذه الحالة العقوبة المنصوص عليها في الفصل 361 من ق.ج المغربي بطلب من الزوجة المتضررة.
– الإستيقاف الرابع: عدم وجود عقد زواج يكون نتيجة الاغتصاب
ولعل المتأمل في هذه الإستيقافات سيطرح التساؤل التالي: ماذا عن حالة الشخص الذي يزني بامرأة ثم يتزوج بها قبل نهاية فترة الإستبراء، وأي أثر قانوني سيترتب على ذلك؟ ماذا عن اغتصاب ثم حماية للنسب يلجأ الطرفان إلى ما تخوله المادة 16 من أحقية توثيق العقد؟ ثم ماذا عن التعدد غير الموثق؟ وما محل الطفل المزداد في هذه الحالة؟
فأما ما يهم السؤال الأول، فقد جاء في أحد الأحكام ما يلي:” وحيث إن الثابت من أوراق الملف كون عقد الزواج أبرم بين الطرفين بتاريخ 30/03/2004، في حين أن البنت…ازدادت بتاريخ 18/08/2004 وحيث تبعا لذلك تكون البنت…ازدادت لأقل من أمد الحمل الذي هو ستة أشهر، كما يستفاد أيضا أن عقد الزواج أبرم بين الطرفين إبان حمل الزوجة.
وحيث يكون الزواج باطلا طبقا للمادة 57 من مدونة الأسرة، إذا وجد بين الزوجين أحد الموانع المنصوص عليها في المواد 35 إلى 39.
وحيث تشير المادة 39 من مدونة الأسرة إلى أن من موانع الزواج المؤقتة وجود المرأة في علاقة زواج أو عدة أو استبراء.
وحيث يقول الحطاب في كتاب مواهب ذي الجليل:” من زنا بامرأة ثم تزوجها قبل الإستبراء فالنكاح يفسخ أبدا و ليس فيه طلاق ولا ميراث ولا عدة وفاة، والولد بعد عقد النكاح لاحق فيما حملت به بعد حيضة إن أتت به لستة أشهر من يوم نكاحها و ما كان قبل حيضة فهو من الزنا لا يلحق به”.
وحيث تصرح المحكمة ببطلان عقد الزواج طبقا لأحكام المادة 571 بمجرد اطلاعها عليه أو بطلب ممن يعنيه الأمر، مما يتعين معه التصريح ببطلان عقد الزواج المبرم بين طرفيه…”
يجعل الولد لاحق بشرط أن تأتي به المرأة لستة أشهر من يوم نكاحها و إلا اعتبر ابن زنى، و ابن الزنا لا يصح استلحاقه، غير أن ما نعيبه على هذا الحكم أنه اعتبر مدة الحمل من يوم النكاح لا من تاريخ إبرام العقد و بذلك يكون خالف ما نصت عليه المادة 154 في فقرتها الأولى التي جاء فيها: “يثبت نسب الولد بفراش الزوجية:
1-إذا ولدت لستة أشهر من تاريخ العقد و أمكن الاتصال، سواء أكان العقد صحيحا أم فاسد”
أما فيما يخص السؤال الثاني:
المادة 16 تفيد أنه لا مانع من إثبات علاقة الزوجية بتوافر ظروف معينة، في هذه الحالة ستعتبر بمثابة خطبة نتج عنها الحمل، وما نصت عليه المادة 156 المتعلقة بالخطبة تجعل الوسيلة قرينة على ثبوت النسب لأن الاغتصاب لا يثبت به النسب، و بما أنه لا يلحق النسب فدعوى نفي النسب غير واردة، أي أن الولد في هذه الحالة ستقتصر بنوته على أمه، وعدم لحوق الحمل بالنسبة للمغتصب ليس إعتباطا و إنما يستند في المدونة إلى عدة نصوص منها على الخصوص مقتضيات المادة 144 والمادة 148 والمادة 152. وباستقرائها فإنه ليس هناك ما يشير إلى الاغتصاب لا من قريب ولا من بعيد وبالتالي تبقى بنوة الولد في هذه الحالة شرعية للأم و حدها طبقا لما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 147.
أما ما يهم السؤال الثالث المتعلق بالتعدد، فإن المحكمة لا تأذن بالتعدد حسب المادة 41 م.أ إلا إذا أثبت لها المبرر الموضوعي والاستثنائي (طالبة له الموارد الكافية لإعالة الأسرتين، عدم قدرة الزوجة على الجماع مثلا بعد خضوعها لعملية جراحية، موافقة الزوجة الأولى “المادة 42″…) يدفع الزوج تحت هذه الشروط التضييقية إلى التحايل على القانون كالإدلاء بشهادة العزوبة لتوثيق عقد الزواج، فإنه لا يوجد ما يعيب النسب لأنه سيعتبر صحيحا و قارا للولد ولا يمكن نفيه لأنه ابن الصلب، فالتحايل على القانون لا يعيب النسب، لأنه حق ثابت بقوة القانون شرعا و قانونا بتوافر أسبابه (الفراش، الإقرار، الشبهة). ونشير إلى أن نفي النسب لا يكون بحكم قضائي تبعا لما نصت عليه المادة 151 م.أ، غير أن حالة التعدد غير الموثق فلا نسب لاحق فيها خاصة بعد وفاة الزوج الذي لم يقر بنسب ابنه مما يصح معه نفي النسب لكل من له مصلحة مشروعة لأن الوسيلة المعتمدة قانونا هي عقد الزواج الموثق توثيقا مخاطب عليه من طرف قاضي الأسرة. وفي ظل غيابه فإننا نرى أنه يصح الإقرار في هذه الحالة بنسب الولد الذي يكون من صلب الأب في حياته وبالتالي يلحقه النسب وتترتب كافة آثاره الشرعية و القانونية حقيقة وحكما لا ينازع منازع. وإن كان للزوجة الأولى سلك مسطرة الشقاق في حالة عدم قبول التعدد لأنه تبقى حقوقها القانونية قاصرة في هذه الحالة على و لا دعوى لنفي النسب تتأكد معه القاعدة الشرعية ” الأصل في الشرع ثبوت النسب”.
المطلب الثاني: أن تأتي الزوجة بالولد لأقل من ستة أشهر
يستمد ق.م.أ شرعيته من فقه الشرعة من حيث الجوهر بوجه عام، لذا يلاحظ اتفاق النوازل وقانون م.أ والاجتهاد القضائي في اعتبار ستة أشهر هو الحد الأدنى للحمل حتى ينتسب الولد لأبيه ما لم يلاعن فيه، فإذا لاعن انتفى نسب الولد لأبيه كما سيأتي. وهكذا فمن أتت بولد لأقل من ستة أشهر لم يلحق نسبه بالأب دونما حاجة اللعان لتخلف شرط أمد الحمل و هو ستة أشهر ما لم تكن شبهة.
فقد ورد في ق.م.أ المغربي أن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر، فإذا ولد الولد بعد مضي هذه المدة من تاريخ العقد فهو للفراش متى توفرت شروطه الباقية، كما نصت المادة 154 مما يستشف معه أن المادة 154 تنص على المدة المعتبرة شرعا في ثبوت النسب، والتي تحتسب من تاريخ إبرام العقد و ليس من تاريخ الدخول، وعليه فمتى ولدت الزوجة قبل مرور ستة أشهر من تاريخ العقد فإن النسب لا يلحق الزوج كقاعدة عامة بل وإن نفي الولد لا يحتاج إلى اللعان، كما جاء في قرار للمجلس الأعلى:”الوضع لأقل من ستة أشهر…ينفي النسب يفسخ النكاح” .
فإذا كانت لازمة الوضع يجب أن تأتي من تاريخ العقد داخل ستة أشهر المعتمدة فقها وقانونا وليس كما هو الشأن لحالة من كانت حاملة بولد حالة العقد عليها لأنه لا يعتد بواقعة الحمل المثبتة للنسب والتي تعطي الحق في نفيه أيضا إذا جاءت به قبل تاريخ العقد عليها أو حتى من تاريخ العقد عليها قبل ستة أشهر المقررة لأن حملها سيكون خرق القاعدة المأخوذ بها شرعا والمنصوص عليها قانونا.
وما يجب الإشارة إليه في هذا الصدد أن الحكم بفسخ النكاح إلى جانب الحكم بنفي النسب في حالة الوضع أقل من ستة أشهر يكون من تاريخ العقد أما فسخ النكاح لعقده فيترتب عنه لحوق نسب الأبناء إذا مضى على العقد أكثر من ستة أشهر. وهو ما نصت عليه قاعدة المجلس الأعلى التي جاء فيها:
” – فسخ النكاح الفاسد لعقده يترتب عنه لحوق نسب الأبناء، إذا مضى على العقد أكثر من ستة أشهر.
– جاء في المدونة الكبرى للإمام مالك في كتاب النكاح الرابع وفي النوازل الكبرى للوزاني ج 2 ص 453 أن من زنى بامرأة ثم تزوجها في فترة الاستبراء فإن النكاح يفسخ بدون طلاق ويلحق به الولد إذا أتت به لستة أشهر من العقد، وقال مثله ابن رشد و غيره” .
إلا أنه يمكن تقويم هذا التصور بملاحظة بسيطة خلاصتها أن شرط أقل مدة الحمل لم يعد بالصرامة التي كان بها، ما دام أن الحمل يلحق بالخاطب في إطار المادة 156، ذلك أن الزوجة التي قد تضع دون احترام أقل مدة الحمل يمكنها أن تتمسك بأن الاتصال بها من طرف الزوج كان في فترة الخطبة وليس بعد إبرام العقد، وهذه مسألة و جدت لها صدى في قرار المجلس الأعلى جاء فيه:
“…بمقتضى المادة 154 من مدونة الأسرة، فإن الولد يثبت بفراش الزوجية إذا ولدت لستة أشهر من تاريخ العقد كان الاتصال ممكنا، سواء أكان العقد صحيحا أو فاسدا. ولما كان الولد المطعون في نسبه للطالب ولد بعد شهرين من تاريخ العقد، فأنه ولادته قد وقعت خارج الأجل المحدد في المادة المذكورة، كما أن المطلوبة لم تثبت ما يفيد وجود خطبة فيما بينها وبين الطالب، فضلا عن أن الحمل الذي ظهر بها خلال الفترة السابقة للعقد،على فرض أنها فترة خطوبة، فإنه لا يلحق بالطالب إلا بإقراره طبقا للمادة 156 من نفس القانون…” .
يستخلص معه أن حتى هذه الحالة تطلب شرط إقرار الزوج بواقعة الحمل طبقا للمادة 156 م.أ مما يفيد أن المشرع وإن ترك باب الإثبات مفتوحا في واقعتي الحمل و الولادة لأنه متشوف للحوق النسب، فإن هذا الباب يجد نصوصا تقف له بشروط متطلبة قانونا حتى يصح لحوق النسب وإثبات الحمل أو نفيه بحكم قضائي يكون رهينا بإثبات مسبق.
أما شرط أقصى مدة الحمل فتؤطره المادة 154 م.س التي لن يسعنا إستخلاصها هنا إلا خلال المطلب الثالث المتعلق بها.
المطلب الثالث: أن تأتي الزوجية بالولد بعد أكثر من سنة من تاريخ انتهاء الزواج.
إن منطلق الإشكالية التي سنبني عليها هذا المطلب ستتأسس بناء على الفصلين 135 و 154 م.أ، فما نصت عليه المادة 135 التي حددت أقصى أمد الحمل في سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة، جعلت الحالات المتعلقة بمدة الحمل على سبيل الحصر . أما ما نصت عليه المادة 154 بخصوص أقصى مدة الحمل في سنة من تاريخ الفراق يتوافق مع أقصى أحد الحمل كشرط محدد لمدة الحمل في السنة.
غير أن الملاحظ بخصوص هاتين المادتين سواء ما يتعلق بالفراق الذي حددته المادة 135 في الطلاق أو الوفاة على سبيل الحصر لا يتوافق مع ما نصت عليه المادة التي نصت على الفراق وجعلته مفتوحا. يستشف منه أن المادتين لا يتعارضان بخصوص مدة الحمل ويتوافقان بخصوص إحالتهما على الرابطة الزوجية التي قد تجمع بين رجل وامرأة يفيد في ذلك إمكانية حدوث الإفتراق نتيجة الطلاق أو الوفاة، فإن ما نصت عليه المادة 137 يدخل أيضا في هذا السياق، حيث جاء فيها:”إذا توفي زوج المطلقة طلاقا رجعيا وهي في العدة، انتقلت من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة”. وما نص عليه قرار المجلس الأعلى:
“لما اعتبرت المحكمة أن الزوجية قد انفصمت عراها بالطلاق ورفضت اعتبار الحجة التي أذلت بها المدعية لإثبات أن الزوج قد ارتجعها فلا يحق لها مع ذلك أن تلحق بالمطلق نسب الولد الذي وضع بعد سنة من تاريخ الطلاق…” .
و من هنا نتساءل هل المرأة المطلقة رجعيا من خلال احتساب مدة الحمل هل سيتم من تاريخ إبرام العقد ويعتد بقاعدة بعد الستة أشهر من تاريخ العقد؟ أم تحتسب الفترة من تاريخ العقد السابق لأن الطلاق رجعيا، و بالتالي لم يرتب أي أثر ويبقى احتساب المدة من التاريخ الأصلي للعقد؟ هذا قانون وهو ما يهمنا أم شرعا و إن كان لا يختلف مع ما هو مقرر في المدونة فهو لا يختلف أيضا بخصوص المدة المقرونة بالحمل والطلاق، غير أن التوافق في أن المدة يجب أن لا تتعدى سنة.
ما يخص التساؤل الأول فإن النسب سيلحق الأب بقوة القانون لأن ما نصت عليه قاعدة بعد ستة أشهر المتفق عليها فقها وقانونا والمشروطة أن تكون داخل السنة دون زيادة تؤكد على حماية النسب قانونا، لأنه إذا فاقت المدة سنة فهل سيلحق النسب في هذه الحالة؟ الحل في هذه الحالة هو اللجوء إلى الخبرة لتحديد هل الحمل طبيعي أم مجرد علة .
أما ما يهم التساؤل الثاني:”الأصل أن الطلاق يوقعه الزوج. وإن كانت المادة 78 م.أ تخالف هذا المقتضى حيث نصت:”الطلاق حل ميثاق الزوجية، يمارسه الزوج والزوجة كل بحسب شروطه تحت إشراف القضاء وطبقا لأحكام هذه المدونة”. فإن كانت المدونة وافقت بين حق الرجل و المرأة في إيقاع التطليق بتوافر شروطه فإن الإشكال الذي صغنا أعلاه يلقي جوابه حسب منصوص المادة 79 م.أ التي جاء فيها:
“يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك، بدائرة نفوذ المحكمة التي يوجد بها بيت الزوجية أو موطن الزوجة، أو محل إقامتها أو أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب” يفيد معه أن الطلاق الرجعي لا يقع أصلا، أي لا يعتد به قانونا إلا بالإشهاد عليه من عدلين منصبين لذلك بإذن من المحكمة يظهر جليا أن الحمل سيحسب من تاريخ العقد والنسب يلحق الزوج و لكن بشرط أن تأتي الزوجة بالولد بعد ستة أشهر دون أن تتجاوز سنة وإلا تعتبر دعواها باطلة أي سيتم نفي النسب.
ومما تجدر الإشارة إليه أن قواعد المطلقة رجعيا تنطبق على المعتدة وفاة لأن تاريخ العقد كشرط يحدد نطاق مدة الحمل دون تجاوز أقصى أمد الحمل التي وهو السنة. فالإتيان بالولد خارج السنة لا يرتب أي أثر ولا مجال للحديث عن دعوى إثبات النسب التي ستعدوا باطلة فبالأحرى دعوى نفي النسب. مما يستنتج معه أن توافر شرط السنة دون الزيادة يتوافق مع مقتضيات مدونة الأسرة والاجتهاد القضائي المغربي من خلال القرار أعلاه.
ولنرجع إلى الفقرة الأخيرة من المادة 154 التي جعلت الفراق غير وارد على سبيل المثال أو الحصر ولم تقتصر حالاته على الطلاق أو الوفاة كما هو الشأن للمادة 135 م.أ. و لنقف هنا على المادة 53 م.أ التي جاء فيها ما يلي:
“إذا قام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر، تدخلت النيابة العامة من أجل إرجاع المطرود إلى البيت الزوجية حالا، مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمنه و حمايته”.
فالمادة تدخل في سياق ما نصت علي المادة 3 م.أ التي اعتبرت النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق المدونة، فلنفترض هنا حالة من الحالات الممكنة نتيجة الافتراق غير الوارد على سبيل الحصر ولا المثال في الفقرة الأخيرة من المادة 154 وهي حالة المتزوجة التي ترفض المكوث ببيت الزوجية نتيجة خلاف مستحم مع الزوج قررت معه الخروج من بيت الزوجية أو مطلقة أو معتدة لم تحبذ فكرة المكوث ببيت الزوجية فما محل النسب في هذه الحالة؟ و هل يحق للزوج الدفع بنفي النسب؟ وهل سيقتصر دور النيابة العامة كفاعل أصلي على إرجاع الزوجة بقوة القانون أم سيطال الزوج المطرود كذلك؟ وهل يصح أن تتدخل النيابة العامة في قضايا النسب؟ وكيف سيتم احتساب مدة الحمل الناتج عن هذه الفترة. وما علاقتهما بالنسب؟
فأما ما يهم المكوث ببيت الزوجية فهو حق ثابت للمرأة بقوة القانون وخرقه من طرفها يعطي الحق للزوج في نفي النسب و المحكمة ستعتد بوسيلة لأن التنصيص على المكوث ببيت الزوجية إلى حين البت في الطلب من المحكمة يحمي المرأة خصوصا لأنها فترة تعتبر دليل براءة من الشبهات التي قد تلحقها واتهامات الزوج بالخيانة، فهي تستبرئ الرحم يثبت معها حق الولد في النسب، فقد نصت قاعدة حكم قضائي على ما يلي:
“- إقرار الزوجة بتواجدها خارج بيت الزوجية يجعل شروط قاعدة الولد للفراش غير متوفرة.
– نفي نسب البنت لعدم إمكانية الاتصال بين الزوجين – نعم.
– الزوجة تتعاطى الدعارة، وصرحت بأن البنت ليست إبنة زوجها” .
وأما ما يهم النيابة العامة فهي فاعل أصلي بنص صريح في كل ما يتعلق بقضايا الأسرة. فما تخوله المادة 3 من سلطة للنيابة العامة تجعل تدخلها لإرجاع “المطرود” يفيد معه سواء الزوجة أو الزوج.
فلنفترض أن المطرود هو الزوج فهذا سيعتبر قرينة قاطعة تدفع به إلى نفي النسب و التشكيك في الحمل الذي قد يظهر بالزوجة، و بالتالي تكون وسيلته لها أساس قانوني لأننا بنينا استنتاجنا هذا على القاعدة أعلاه بمفهوم المطابقة.
أما ما يتعلق باحتساب مدة الحمل في كلتا الحالتين فإننا نعمد إلى القول بتاريخ العقد كما هو مقرر قانونا حسب منطوق المادة 154 م.أ وإن كان للمتضرر الدفع بدعوى نفي النسب بتوفر شروطها حتى تعتبر صحيحة ولا تقضي المحكمة برفض الطلب.
تبقى الإشارة إلى حالة السجين والمفقود كخالتين نرى بأنهما يدخلان ضمن ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 154 من تاريخ الإفتراق.
فالإفتراق قد يكون لغيبة إرادية عن محض طواعية و اختيار أو غيبة قسرية عن طريق الجبر والإكراه كما هو الشأن لحالة السجين والمفقود.
أما ما يهم الغائب: المادة 104 م.أ نصت:”إذا غاب الزوج عن زوجته مدة تزيد عن سنة أمكن للزوجة طلب التطليق”.
فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما محل النسب في هذه الحالة؟ وهل يحق للزوج الغائب العائد بعد سنة أن يطعن في النسب أي رفع دعوى نفي النسب؟
طلب الزوجة التطليق لا يقع إلا بعد استنفاذ المحكمة كل الوسائل للتأكد من هذه الغيبة و مدتها، فنجد حالتين:
أ-الحالة الأولى: الزوج المعروف العنوان تبلغه المحكمة مقال الدعوى للجواب عنه مع إشعاره بأنه في حالة ثبوت الغيبة، بالتطليق، ستحكم بالتطليق إذا لم يحضر للإقامة مع زوجته أو لم ينقلها إليه.
ب- الحالة الثانية: ما نصت عليه المادة 105 م.أ بخصوص الغائب المجهول العنوان. فالمحكمة تتخذ سائر ما تراه مناسبا بمساعدة النيابة العامة من إجراءات تساعد على تبليغ دعوى الزوجية إليه بما في ذلك تعيين قيم عنه، فإن لم يحضر طلقتها عنه.
لنفترض أنه بعد مرور سنة عاد الزوج الغائب سواء المعروف العنوان أو المجهول العنوان لينازع في النسب؟ بما أن الزواج كان ثابتا بوثيقة زوجية مخاطب عليها من طرف قاضي الأسرة فالقول سيكون من تاريخ العقد. أي الزوجة الحامل التي أتت بولدها داخل المدة المعتبرة شرعا أي في ستة أشهر دون نقصان و لو بيوم واحد و دون مرور أقصى أمد الحمل الذي هو سنة كما نصت على ذلك المادة 154 م.أ وما أكدته فقرتها الأولى :”يثبت النسب بفراش الزوجية”.
1- إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد و أمكن الاتصال، سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا”.
يجعل النسب لاحق بالزواج الغائب بقوة القانون ولا دعوى لنفي النسب في هذه الحالة فقد جاء في أحد الأحكام القضائية ما يلي:
“حيث إنه من شروط إثبات النسب بالفراش أن يولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأقصاه سنة من تاريخ الفراق سواء كان الزواج صحيحا أو فاسدا و إمكانية الاتصال.
وحيث إن الثابت من شهادة الولادة المؤرخة في 31/12/2003 الصادرة من مندوبية الصحة بأكادير أن الزوجة المدعى عليها رزقت بولد ذلك في 05/10/2001.
وحيث إن الثابت من سجل الاعتقال المستدل به أن الزوج المدعي حكم عليه بستة سنوات حبسا نافذا من طرف استئنافية تطوان وأدرج بسجل الاعتقال في 10/04/1997 تحت عدد 55093، وأفرج عنه في 22/2/2002 بعد أن قضى ستة أشهر من الإكراه البدني، وتاريخ بداية اعتقاله هو 12/8/96 حسب بطاقة الإفراج.
وحيث إن الزوجة و عند الاستماع إليها من طرف المحكمة، صرحت بأنها تتصل بزوجها اتصال الزوج مع زوجته من 5/12/96 إلى 22/02/2002 وكانت تزوره وراء القضبان وأن الإبن ليس من صلبه وهو من غيره.
وحيث إن الطفل لم يكن ناتجا عن فراش الزوجية ولم يكن هناك أي اتصال بين الزوجين لوجود الزوج في حالة إعتقال و إقرار الزوجة بالزنا، لأجله فإن شرط الإتصال غير متوفر، وبذلك فإن النسب غير لاحق ويتعين التصريح بذلك” .
يجعل شرط الاتصال قائما بثبوته، و هو ما يوافق حكم ابتدائية الرشيدية الذي نص على مل يلي:
“حيث يهدف المدعي إلى التصريح بنفي النسب ابن المدعى عليها عنه، و احتياطيا الأمر بإجراء خبرة قضائية.
وحيث أجابت المدعى عليها بما هو مفصل أعلاه.
وحيث إن العلاقة الزوجين بين الطرفين ثابتة بمقتضى الأحكام القضائية المدلى بها والمشار إلى مراجعها صدر الوقائع، والتي تشير إلى وجود عقد زواج بينهما كما تمت الإشارة إلى مراجعه.
وحيث إنه بمقتضى المادة 153 من مدونة الأسرة فإن الفراش بشروطه يعتبر حجة قاطعة على ثبوت النسب لا يمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد القطع بشرطين، إدلاء الزوج المعني بدلائل قوية على إدعائه و صدور أمر قضائي بهذه الخبرة.
وحيث إنه تبعا لذلك لا يمكن للمحكمة أن تأمر بإجراء خبرة طبية إلا إذا عزز الزوج إدعائه بقرائن قوية ترجح صدقه فيه، هو ما ينعدم في نازلة الحال على اعتبار أن هذا الأخير لم يثبت أنه كان مسافرا أو غائبا عن زوجته منذ تاريخ اقترانه بها، فضلا عن انه في حال ثبوت ذلك فإن السفر داخل المغرب لا يمنع اتصال الزوج بزوجته و لا يفيد استحالة ذلك.
وحيث إن المادة 161 من نفس…تتعلق بالإقرار و الإستلحاق…
وحيث طلما أن الابن ازداد بتاريخ 23 مارس 2004 بعد أكثر من ستة أشهر من تاريخ العقد فإنه ينسب لأبيه بفراش الزوجية طبقا للمادة 154 م.أ…”
يجعل النسب لاحق بالزوج الغائب و لا دعوى لنفي النسب في هذه الحالة.
أما ما يخص السجين. فقد أومأنا له أعلاه بالحكم السابق، ولكن ذلك لن يمنعنا من التساؤل التالي: هل يلحق السجين بالغائب في مجال النسب؟
لقد جاءت المادة 106 م.أ صريحة بصدده، بحيث:
“إذا حكم على الزوج المسجون بأكثر من ثلاث سنوات سجن أو حبس، جاز للزوجة أن تطلب التطليق بعد مرور سنة من إعتقاله، وفي جميع الأحوال يمكنها أن تطلب التطليق بعد سنتين من إعتقاله” .
فما محل النسب في هذه الحالة؟
الإشكال قد يطرح بعد مرور سنة على الاعتقال، فالحمل الذي قد يظهر بالزوجة يجعلنا أمام إحتمالين:
الإحتمال 1: الحمل ظهر بالزوجة بعد مرور سنة على اعتقال الزوج وادعت أنه حمل مستمر، في هذه الحالة تعرض على أهل الخبرة لتحديد هل الحمل حمل فعلا أو علة.
الإحتمال 2: ادعاء الزوجة بأنها حامل من زوجها بتوفر إمكانية الاتصال معه، أي أثناء الزيارة السجنية، في إطار الخلوة الشرعية. فإنه بتوفر شرط الاتصال فإنه لا دعوى لنفي النسب في هذه الحالة (أنظر القرار السابق).
يتضح معه أنه أقصى أمد الحمل في سنة يستقيم مع ما قررته الاجتهادات القضائية والنصوص المتعلقة بحالة الغيبة والسجن، لأن الأخذ بالقول في النسب تحكمه أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر وأقصى أمد الحمل وهو سنة، مع ضرورة توافر رابطة الزوجية (الفراش) التي لا ينازعها شيء تجعل منها وسيلة و قرينة على ثبوت النسب في هذا الإطار.
أما ما نصت عليه المادة 154 المتعلقة بالخطبة فحتى اعتبار هذه الثغرة لاعتماد المادة 16 م.أ من أجل توثيق الزواج يكون مشروطا بأن يقع الحمل من يوم اشتهار الخطبة لا قبله كي يعتد به قانونا وهو ما نص عليه الحكم القضائي التالي:
“وحيث إن المدعية ترمي من وراء دعواها الحكم بلحوق الابن إلى والده المدعى عليه، والذي ارتبطت به وحملت منه بعد أن قام بخطبتها من والديها ومكنته من نفسها بعد أن وعدها بإتمام إجراءات عقد الزواج بعد الحصول على الموافقة من زوجته الأولى.
وحيث إن المحكمة أجرت بحث…بأنه قام بخطبتها بمقر سكناها لوحده بمحضر والدتها و أخيها وابنة عنها، وبعدها أصبحت تتردد عليه بمحل الخياطة وحملت منه و وضعت مولودا ذكرا بتاريخ 14/06/2004 وأضافت على أنه قام بخطبتها لمدة أربعة أشهر وقد وعدها بالزواج و لم يف بوعده.
وحيث إن المدعى عليه صرح بجلسة البحث بأن جميع إدعاءات المدعية غير صحيحة. وأنه لم يتصل بها وتعرف عليها منذ ست سنوات بحكم ترددها على محله المعد للخياطة ولم يقم بخطبتها ونفى نسبه المولود إليه جملة وتفصيلا.
وحيث أن الفصل 156 م.أ ينص على أنه إذا تمت الخطوبة وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق العقد وظهر حمل بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة إذا توفرت الشروط الآتية:
– إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما.
– إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة.
– إذا أقر الخطيبان أن الحمل منها.
وحيث إن المدعى عليه نفى قيامه بخطبة المدعية و نسب الابن إليه…
وحيث…إن طلب المدعية و الحالة هذه غير مؤسس قانونا ويتعين الحكم برده” .
يستنتج معه أن تاريخ الافتراق الراجع إلى الطلاق، الوفاة أو ما عداهما لا يمكنه أن يخرج عن قاعدة أقل أمد الحمل وأقصى أمد الحمل بتوافر إمكانية الاتصال بين الزوج و الزوجة ليعتبر قانونا، ويلحق به النسب لأنه في جميع الأحوال إذا ما تم خرق القاعدة فإنه ينفي النسب بشرط عدم سكوت الزوج أثناء الطلاق بعد علمه بالحمل لأن إدعاءه نفي النسب لا يسمع منه حتى ولو أدلى بشهادة العقم كما نصت على ذلك قاعدة القرار التي جاء فيها:
“- لما صرحت الزوجة أثناء الطلاق بأنها حامل و سكت الزوج إلى أن ازداد الولد بعد خمسة أشهر من وقوع الطلاق فإن ادعاءه نفي نسب الولد و أنه عقيم لا يسمع منه” .
العبرة ستكون بالفراش والقول من تاريخ العقد أي احتساب أقل أمد الحمل وأقصاه ولا لعان فيه لأنه لم تتوفر شروطه (الفورية ، مجرد رؤية الزنا لأن الزوج أصلا غائب أو مسجون). و بالتالي فمنازعته في حالة خروجه من السجن يكون رهينا بإمكانية الاتصال أما بعد عودته من الغيبة بالنسبة للزوج معروف العنوان أو مجهول العنوان فقد حددته مسبقا إجراءات التبليغ التي أشرنا إليها وبالتالي النسب يظل ثابتا و قارا للابن و لا دعوى لنفي النسب.
ولننتقل إلى حالة أخرى تدخل في هذا النطاق هي حالة الخاطب المفقود أو الغائب الذي ترك المخطوبة حاملا. فما هو محل التسجيل في الحالة المدنية في هذه الحالة؟
التسجيل في الحالة المدنية غير متصور أصلا في هذه الحالة لأن التسجيل يتطلب الإدلاء بوثائق إدارية يكون من ضمنها عقد النكاح بين الزوجين، كناش التلقيح…و بالتالي يبقى الحل هو محاولة استصدار حكم يقضي بثبوت النسب للمنسوب إليه أولا ثم التسجيل ثانيا.
غير أنه نود أن نشير أن تصريح المرأة المتزوجة لا يكون إلا بعد عدم الحضور الشخصي للزوج بصفة شخصية للتصريح بأنه المزداد. فحتى في حالة غياب الزوج من بيت الزوجية أو وقوع طلاق فإن الإجراء المعتمد هو استدعاء الزوج لحضور دعوى تقييد الابن في كناش الحالة المدنية .
ونود أن نضيف إشكالية تهم الطلاق فحتى تصريح المطلقة أثناء الطلاق بأنها غير حامل لا يلزمها إذ العبرة بشروط الفراش لا بذلك التصريح كما نصت على ذلك قاعدة الحكم الإبتدائي رقم 302 الصادر عن المحكمة الإبتدائية بمراكش بتاريخ 24 أكتوبر 2005 ملف عدد 622/8/2005 التي نصت:
1- تصريح المطلقة أثناء الطلاق بأنها غير حامل لا يلزمها إذ العبرة بشروط الفراش لا بذلك التصريح.
2- بداية الحمل قد لا تعلم به الزوجة.
3- يصح استخلاص العلم بالحمل والإقرار بنسبه من الرسالة الإلكترونية التي بعث بها الزوج إلى زوجته بعد الوضع” .
نعيب على هذا الحكم فقرته الأخيرة أنه إذا كانت المحاكم قد تخلت عن إشعار التبليغ بالرسالة المضمونة لما يمكن أن يقع فيها من تحايل (كالزوجة التي قد تبعث رسالة مضمونة وتحتفظ بالإشعار كقرينة على صدق إدعائها فهل فعلا تم إرسال رسالة تتضمن ذلك أم مجرد رسالة فارغة وغير مكتوبة…)والعكس صحيح، فكيف يمكن اعتماد الرسالة الإلكترونية التي يتسع معها مجال التحايل في ظل عصرنا هذا. فاستخلاص رسالة الزوج للزوجة بعد الوضع عن طريقها لا دليل يفيد أنه فعلا هو المرسل، بل قد تكون الزوجة أو من له مصلحة مشروعة في ذلك.
بقي لنا في هذا المطلب أن نومئ إلى حالة المرأة التي تصرح بالولادة لدى ضابط الحالة المدنية لمحل وقوعها كما نصت على ذلك المادة 16 من قانون الحالة المدنية فهل حالة التسجيل المقترن بغيبة أو سجن الزوج يعتبر قرينة على ثبوت النسب؟
هي إشكالية تلقى جوابها بشكل ضمني طبقا لما نص عليه قرار المجلس الأعلى الذي جاء فيه:
“حيث ينعى الطاعن القرار في السببين المضمومين لتداخلهما بخرق القانون الفصول 89 و 90 مدون الأحوال الشخصية و 50 من ق.م.م ذلك أن النسب كما يثبت بفراش الزوجية و الإقرار يثبت كذلك بالبينة و أن الطاعن أدلى بموجب نسب تحت عدد 155 إلا أن المحكمة لم تعرض له في حكمها رغم أنه يؤكد كذلك العلاقة الزوجية بين الهالك و والدة الطاعن…، و أن اعتماد المحكمة على الإشهاد بالتبرئة لا موجب له، لأن نفي النسب لا يكون إلا بحكم قضائي، كما أن التسجيل بالحالة المدنية أو عدمه لا يثبت النسب أو ينفيه، و أن تعليل المحكمة بأن الملف خلو من لأي حجة تثبت مطالبة والدة الطاعن بواجب نفقته خلال حياة الهالك لا يستقيم، و إن أفاد الطاعن بجلسة البحث بأن والده كان يرعاه…
وبذلك فإن القرار المطعون فيه على أساس و معلل تعليلا سليما، فكان ما بالأسباب مجتمعة بدون جدوى مما يتعين معه رفض الطلب” .
وفي قرار آخر:
“لكن ردا على ما ورد في أسباب النقض فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما ثبت لها أن الطاعن لم يقم باسبراء مطلقته، و لا بفورية إجراء مسطرة اللعان، و اعتبرت أن العلاقة الزوجية قائمة بين الزوجين…منذ 14/03/2001، و أن المدة ما بين الدخول إلى السجن و الزواج هي خمسة أشهر فأكثر، و أن الطاعن كان يعاشر زوجته معاشرة الأزواج خلال هذه الفترة التي لم ينكرها، و تضمنت تبعا لذلك برفض دعوى اللعان، تكون قد طبقت على نازلة الحال أحكام الفقه و أقامت قضاء ما على أساس سليم، وردت على دفوع الطاعن، فجاء بذلك قرار ما معللا تعليلا كافيا و ما ورد بالأسباب غير قائم على أساس” .
يستنتج معه أنه يثبت لها هذا الحق لأن الزوج غائب و تم استنفاذ مسطرة التبليغ دون جدوى أو مسجون وتوفرت إمكانية الاتصال بينه وبين الزوجة، فما لم ينازع الزوج في النسب بقرينة تعطيه الحق القانوني في نفي النسب فإن التسجيل في الحالة المدنية سيعتبر حائزا لقوة الشيء المقضي به ولا نفي في الحالة.
ونود أن نشير إلى الحالة أخرى وهي حالة الكفالة، التنزيل، التبني، الإقرار فما محل النسب في حالة تسجيل إحدى الحالات الأنفة في الكناش الحالة المدنية؟
هو تساؤل يلقى جوابه بشكل صريح لدى قرار المجلس الأعلى الذي جاء فيه:
“لكن ردا على ما أثير في الوسائل، فإن المحكمة لما بنت قرارها على أن سجلات الحالة المدنية لا تعتبر و ثيقة محتكرة لدى الطرف الأخير و حاسمة في النزاع، لأن التسجيل بالحالة المدنية لا يثبت النسب و لا ينفيه عدم التسجيل، بإعتبار أن سجلات الحالة المدنية موجودة بإدارة عمومية و بإمكان كل من له مصلحة أن يطلع عليها متى شاء، و في لأي وقت شاء، و أن…الذي يدعي الطالبون أنه أب للمطلوبة حضر أمام المحكمة، وشهد بعد أداء اليمين أن المطلوبة ليست بنتا له، و أنها جاءت إلى بيته بعد أن تزوج بأمها و هي بنت سنتين، و لم تسجل في إراثة هذا الأخير بعد وفا ته ضمن الورثة على أنها بنته، فإنها تكون قد بنت قضاءها على أساس و عللته تعليلا كافيا و ما بالوسائل يبقى على غير أساس” .
المبحث الثاني : نفي النسب بواسطة اللعان
المطلب الأول: مفهوم اللعان وصوره و سنده الشرعي
الفقرة الأولى: مفهوم اللعان
اللعان لغة هو الطرد و الإبعاد، وهو مصدر لاعن، ويقال لعنه الله أي أبعده عنه فهو لعين و ملعون.
اللعان شرعا: قذف الزوج زوجته بالفجور أي اتهمها بالزنا. واللعان هو شهادة أربع مقرونة من جانب الزوج باللعن، ومن جانب الزوجة بالغضب، وحسب الفقيه المالكي ابن عرفة هو:”حلف الزوج على زنا زوجته أو نفي حملها اللازم له، وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم خاص” وحسب الفقيه المالكي إبن فرحون :”حقيقة اللعان يمين الزوج على زوجته بالزنى أو نفي حملها أو ولدها و يمين الزوجة على تكذيبه”.
الفقرة الثانية: صور اللعان
اللعان يجب ألا يتم إلا بحكم يصدر عن سلطة القضاء، وبناءا على طلب الزوج في حالتين:
أ- أن يدعي أن زوجته تزني .
ب- أن ينفي حملها عنه.
و لهاتين الصورتين يشير إبن عاصم الغرناطي:
وإنما للزوجين أن يلتعنا **** لنفي حمل أو لرؤية الزنا
وإلى هاتين الصورتين يشير العلامة ابن رشد القرطبي في بداية المجتهد ونهاية المقتصد:
“وأما صور الدعوى التي يجب بها اللعان، فهي أولا صورتان: إحداهما دعوى الزنا و الثانية دعوى نفي الحمل. و دعوى الزنا لا يخلو أن تكون مشاهدة، يعني أن يدعي أنه شاهدها تزني كما يشهد الشاهد على الزنا، وأن دعوى مطلقة. و إذا نفى الحمل فلا يخلو أن ينفيه نفيا مطلقا، وأن يزعم أنه لم يقر به بعد استبرائها…”
ومعناه أن دعوى اللعان لا تكون بدون سبب تؤسس عليه .
الفقرة الثالثة: السند الشرعي للعان
واقعة اللعان تحكمها الآيات 6 و 7 و 8 و 9 المتضمنة في سورة النور، كما رواها العلامة ابن رشد القرطبي- الحفيد-، وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقلا عن الإمام مالك، أنه:”…جاء إلى عاصم بن عدي العجلاني رجل من قومه فقال له: يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ سل يا عاصم في ذلك رسول الله صلى عليه وسلم، فسأل عاصم عن ذلك رسول الله، فلما رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر فقال: يا عاصم، ماذا قال رسول الله (ص)؟ فقال: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله (ص) المسألة التي سألته عنها. فقال: والله لأنتهي حتى أسأله عنها. فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله (ص) وسط الناس فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله: قد نزل فيك وفي صاحبتك قرآن فاذهب فآت بها. قال: سهيل:فتلاعنا،وأنا معا الناس عند رسول الله (ص)، فلما فرغ من تلاعنهما، قال عويمر كذبت عليها رسول الله إن أمسكتها فطلقها بثلاث قبل أن يأمره بذلك رسول الله…” .
والراجح في الفقه المالكي أن تطبيق مسطرة اللعان يقتضي أن تكون الزوجة في طهر.
المطلب الثاني: شروط اللعان و مسطرته الشرعية
الفقرة الأولى: شروط اللعان
أولا: ما يختص بالزوج: أن لا يقيم البينة على صدقه في قذفه، فلو أقامها، بأربعة شهود لا يثبت اللعان، ويصح أن يكون الزوج واحدا من هؤلاء الأربعة.
ثانيا: ما يشترط في الزوجة: أن تكون منكرة للزنا الذي اتهمت فيه، فلو أقرت به لا يجب اللعان و يلزمها الحد.
وأيضا يشترط أن تكون عفيفة عن الزنا و الشبهة، فلو لم تكن كذلك وقذفها الزوج كانت بعدم عفتها مصدقة للزوج فيما قذفها به.
ثالثا: ما يشترط فيهما معا: أن يكونا حرين عاقلين، بالغين، مسلمين، ناطقين، غير محدودين في قذف.
يستنتج معه أن هذه الشروط هي المتطلبة قانونا غير أن اللعان لا يتم عادة إلا بواسطة حكم يصدره القضاء بناءا على دعوى يقيمها الزوج، وفقا للقواعد الإجرائية العامة المضمنة بقانون المسطرة المدنية، ما لم توجد نصوص خاصة في م.أ . فالمحكمة لا تقضي باللعان إلا بعد تيقنها من شروطه وهي:
1- في حالة اللعان بسبب الزنا يشترط أن تكون الزوجة في العصمة إما حقيقة أو حكما، أي في العدة من طلاق رجعي أما في حالة نفي الحمل فيشترط فقط أن يكون هذا الحمل لاحقا بالملاعن، كما هو الحال في الاتصال في حالة الشبهة و الزواج الفاسد .
2- أن لا يتصل الزوج بزوجته بعد استقراره على ملاعنتها، وأن يقوم باستبرائها بحيضة واحدة في قول للإمام مالك أو بثلاث حيضات في قول آخر له. فإذا اتصل بها بعد اتهامه لها بطلت دعوى اللعان من أساسها فقد جاء في قرار المجلس الأعلى ما يلي:
“حيث صح ما عابه السبب، ذلك أن الفراش يكون حجة قاطعة على ثبوت النسب، شرط تحقق الإمكانين العادي و الشرعي ، و الثابت من أوراق الملف أن الطاعن نازع في نسب الإبن، و ادعى أنه لم يتصل بالمطلوبة منذ ازدياد الإبن الأول، أي أنه استبرأها بعد هذا الوضع و أدى يمين اللعان على ذلك، في حين رفضت المطلوبة أداءها رغم توصلها، كما رفضت الحضور أثناء أدائه اليمين، و رفضت كذلك الخبرة، و التمس إجراء خبرة قضائية لإثبات عدم نسبة المولود إليه و التمسك بها، و المحكمة لما عللت قرارها بأن الخبرة ليست من وسائل نفي النسب شرعا في حين أن المادة 153 من م.أ النافذة المفعول بتاريخ القرار المطعون فيه، و الواجبة التطبيق و التي تنص على أن الخبرة القضائية من وسائل الطعن في النسب إثباتا أو نفيا، تكون قد أقامت قضاءها على غير أساس، و لم تعلله تعليلا سليما مما يعرضه للنقض” .
3- يجب ألا يكون الولد غير لاحق شرعا بالزوج، كما لو أتت به الزوجة لأقل مدة من أدنى أمد الحمل بعد العقد عليها، وهو ستة أشهر، أو لأكثر مدة من أقصى أمد الحمل، وهو سنة بعد الفراق.
فقد جاء في أحد القرارات ما يلي:
“لكن حيث أن المادة 154 من م.أ تنص على أنه يثبت نسب الولد لفراش الزوجية إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد و الثابت من أوراق الملف أن الولد…ازداد على فراش الزوجية بتاريخ 03/02/2001 أي بعد ستة أشهر من تاريخ العقد الذي أبرم بتاريخ 28/07/2000 و المحكمة لما ردت دفوع الطاعن بعلة أن الفراش يعتبر حجة قاطعة على النسب بصريح المادة 153 من م.أ، و أن الطاعن لم يدل بأي دليل قوي على إدعائه و أن الشهادة الطبية المدلى بها ليس هناك ما يفيد أنها تتعلق بالمطلوبة، و قضت على النحو المذكور، تكون قد بنت قضاء على أساس، و عللت قرارها تعليلا سليما، و فيما يتعلق بطلب إجراء خبرة فإن إثارته لأول مرة أمام المجلس الأعلى دون سبق طلبه أمام محكمة الموضوع غير مقبول لذلك يتعين رفض الطلب .
و في قرار آخر:
“إذا كانت الولادة خارج الأمد المقرر شرعا و قانونا،فلا يلحق معها النسب، و لا تكون المحكمة في حاجة إلى الإستجابة لطلب إجراء خبرة طبية ما دام قد تم إبرام عقد الزواج.
لكن حيث إنه لما كنت مقتضيات المادة 154 م.أ تنص على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر من تاريخ العقد و كان البين من أوراق الملف أن الطالبة وضعت حملها بتاريخ 16/12/2000، و الأقل من ستة أشهر إبرام المبرم بتاريخ 20/10/2000، فإن المحكمة لما اعتبرت أن الولد…غير لاحق بنسب المطلوب في النقض الذي ينفيه عنه تكون قد طبقت المادة المحتج بها تطبيقا صحيحا، و لم تكن في حاجة إلى إجراء خبرة طبية في هذا الشأن، ما دام قد تم إبرام عقد الزواج، الأمر الذي يجعل تطبيق مقتضيات المادة 155 م.أ مستبعدا، مما كانت معه الوسيلة بدون أساس.” .
الفقرة الثانية: مسطرة اللعان
يكون اللعان أما القاضي بعد أن ترفع الزوجة أمرها إليه، فيسأل القاضي الزوج عن القذف، فإن أقر به، و أنكره وأقامت الزوجة البينة عليه، أجرى القاضي اللعان بينهما، فيقول للزوج قل:”أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة بنت فلان من الزنا، ثم يكررها أربع مرات، ثم يقول له في الخامسة: قل علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة بنت فلان من الزنا. فإن أبى حبسه حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيثبت عليه الحد.أما إن قالها، طلب القاضي من الزوجة أن تقول:”أشهد بالله أن زوجي فلان بن فلان لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، أربع مرات، ويقول لها في الخامسة قولي: وعلي غضب الله إن كان من الصادقين. فإن أبت حبسها القاضي حتى تلاعن وتصدق الزوج في اتهامه. فإن صدقته، سقط اللعان عنها و ليس عليها حد، لأن حد الزنا في حالة الإقرار لا يثبت إلا إذا اعترفت اعترافا صريحا على مرات أربع، و هي لم تعترف صراحة بذلك .
ونشير أن المحكمة التي رفعت دعوى اللعان أمامها تستدعي الطرفين – أي الزوج و الزوجة – وفقا للقواعد المضمنة في قانون م.م، و تطبق بصددها الأحكام المضمنة في آية الملاعنة المنصوص عليها في سورة النور .
وصورة اللعان كما نظمها جانب هام من الفقه المالكي، تكون على الكيفية الأتية:
يقول القاضي للملاعن :”قل أشهد بالله لرؤيتها تزني ورأيت فرج الزاني في فرجها كالمرود في المكحلة، و ما وطئتها بعد رؤيتي”، أو يقول الملاعن: “لقد زنت وما وطئتها بعد زناها” هذا إذا كان الزوج راميا لزوجته بالزنا، أما إذا كان يريد نفي الولد الذي في بطنها أو الحمل فيقول:”أشهد بالله لقد إستبرأتها ما وطئتها بعد، وما هذا الحمل مني، مشيرا إليه، فيحلف بذلك أربع مرات و يقول في كل يمين منها: وإني لمن الصادقين في قولي هذا عليها، ثم يقول في الخامسة: علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين أو إن كنت كاذبا فيما ذكرت عنها”، فإذا قال ذلك سقط عنه الحد – حد القذف – و انتفى عنه الولد.
وبعد أن ينتهي الزوج من لعانه المذكور أعلاه تقوم المرأة بعد ذلك فتحلف بالله أربع أيمان تقول فيها:”أشهد بالله انه كاذب أو أنه لمن الكاذبين فيما إدعاه وذكره عني” و إن كانت حاملا قالت:”وإن حملي هذا منه” ثم تقول في الخامسة:”وعلي غضب الله إن كان صادقا أو إن كان من الصادقين في قول ذلك”.
المطلب الثالث: حكم النكول عن اللعان
متى رفض الزوج المتهم لزوجته بالزنا أو الذي ينفي أن تكون حاملا منه تأدية القسم الخاص باللعان كلا أو بعضا بحيث لم يحلف مثلا الأيمان الخمسة المفروضة جميعها، فإن جمهور الفقهاء يرون حبسه حتى يلاعن زوجته بكيفية صحيحة، فإن امتنع وأصر على إمتناعه فيجب أن يحد بسبب القذف، وتبقى الزوجة في عصمته على الشهور، ويلحق به الحمل أو الولد.
وإذا نكلت الزوجة عند أداء أيمان اللعان كلا أو بعضا فإنها تحد للزنا و ينفى الولد عن الزوج الملاعن، كما أن الزوجة تبقى في عصمته لأن اللعان لم يتم.
وفي الفقه المالكي دائما، و حسب الإمام ابن القاسم أن إذا لاعن و حدث أن توفيت الزوجة قبل أن تلتعن فإنه يرثها ما دامت في عصمته لأن اللعان لم يتم كاملا، و يرى الإمام مالك أن الزوج متى إلتعن ثم مات فإنه يجب على الزوجة أن تلتعن لتدرأ عنها العذاب، أي حد الزنا، فإن نكلت فإنها ترث زوجها لأنها بقيت في عصمته، ما دام إن اللعان لم يتم و إذا كانت تعرض نفسها لحد الزنا بسبب نكولها.
المطلب الرابع: آثار اللعان
إذا تمت و انتهت إجراءات اللعان بتأدية أيمانها كاملة ومن الطرفين داخل المحكمة، فرق القضاة بين الزوج وزوجته و اثبتوا ذلك في حكمهم، كما أثبتوا نفي النسب عن الزوج أن كان اللعان يرمي إلى تلك الغاية. واللعان متى تحققت شروطه القانونية يسقط الحد بإجماع جميع المذاهب الفقهية، وفي يقول ابن رشد القرطبي:”اللعان إنما شرع لدرء الحد”.
والظاهر أن الحد إنما يسقط بالشك الذي يلابس واقعة اللعان عادة، حيث لا ندري أي المتلاعنين على صدق و أيهما على كذب، وقد جاء في الحديث الشريف:”ادرءوا الحدود عن المسلمين بالشبهات ما استطعتم فنحن نحكم على الظاهر والله يتولى السرائر” .
وأهم ما يترتب على اللعان بالإضافة إلى ما سبق بيانه، سقوط النسب عن الزوج من جهة أولى، وعدم إعتبار الحمل أو الولد أنه تخلف عن واقعة زنا من جهة ثانية، ودليل ذلك من الناحية الشرعية أن النبي (ص) قد لا عن بين هلال بن أمية وزوجته وفرق بينهما و قضى بألا يدعي ولدها لأب ولا يرمى و من رماها أو رمى ولدها يطبق عليه حد القذف كما حددها القرآن الكريم في سورة النور.
نشير في الأخير، أن المذهب المالكي يرى أن الزوج الملاعن إذا ما كذب نفسه طبق عليه حد القذف ولحق به الولد، أما في المذهب الحنفي، وخلافا للمذهب المالكي، فإنه يستطيع دائما أن يرتبط بزوجته من جديد بعد أن يطبق عليه الحد، ذلك أن اللعان في المذهب الحنفي يعبتر سببا للتحريم المؤقت فقط.
المطلب الخامس: إشكاليات اللعان
نظرا لأهمية اللعان وما يطرحه من إشكاليات فإن أهمية الموضوع و ما ترتبط به من منازعات تقتصر على الفراش كشرط يوجبه شرعا ويتطلبه قانونا حتى تصبح دعوى اللعان أو الملاعنة لنفي الحمل أو النسب، فإننا سنحاول قدر المستطاع ونظرا لضيق الوقت وتزاحم البحث مع فترة الإمتحانات أن نعرض بإختصار شديد لكل ما يرتبط بتنازع اللعان سواء فيما يخص الوسائل التقليدية المحددة لإثبات النسب ونفيه أو الوسائل الحديثة المستجدة في هذا الإطار دون أن ننسى الإشارة إلى كل ما عداهما و له صلة بموضوع اللعان.
الفقرة الأولى:التنازع بين اللعان و الوسائل التقليدية في مجال النسب
لما نصت المادة 152 م.أ على أن أسباب لحوق النسب هي:الفراش، الإقرار، الشبهة. فإنه نستشف منها أن الوسائل التقليدية لثبوت النسب، وبناء عليه فإن منطلق الإشكالية التي سنبني عليها دراسة تنازع اللعان كوسيلة لنفي النسب مع سبل النسب المحددة وفق ما نصت عليه المادة 152 سيكون تبعا كما يلي:
أ- التنازع بين الفراش واللعان: هل يحتمل أن يكون التنازع بين اللعان كوسيلة لنفي النسب وبين الفراش كقرينة لثبوت النسب؟
إن افتراض إشكالية التنازع بين الفراش واللعان لن تغيب إلا في حالة واحدة هي عدم وجود فراش كحجة قاطعة على ثبوت النسب وبالتالي يتعذر نفيه شرعا بواسطة اللعان أو الخبرة الطبية إن توفرت شروطهما، فازدياد الولد على فراش الزوجية وأثناء قيام العلاقة الزوجية يكون قرينة على ثبوت النسب ما لم يسلك الزوج الوسائل المقررة شرعا لنفيه، وبالتالي لا دعوى لنفي النسب عن طريق اللعان لأن من شروط اللعان ضرورة توفر عقد زواج مثبت لقيام علاقة شرعية.وكقاعدة مستنتجة فإنه لا دعوى لنفي النسب بواسطة اللعان إلا بتوافر عقد الزواج.
هل يصح منازعة الزوج في فراش الزوجية بتوافر عقد زواج ثابت شرعا وقانونا بأي حجة من الحجج و لأي سبب كفيما كان؟
أشرنا سابقا أنه ليعتد بدعوى اللعان فإنه يجب توافر فراش الزوجية، و لكن رغم توافر هذا الأخير فإنه يعتبر قاصرا خصوصا عند إدلاء الزوج بحجج قاطعة تمكنه من المنازعة في وبالتالي نفي النسب. فلنفترض مثلا أنه نازع بحجة عدم توفر شرط الإمكانية العادي والشرعي، أي أنه لم يتصل بزوجته منذ ازدياد الابن الأول، بمعنى أنه استبرأها فإن يمين اللعان ستنازع توفر شرط الفراش الصحيح القائم بين الزوجين وبالتالي نفي النسب وهو ما أومأنا إليه ضمن قرارات المجلس الأعلى السابقة لدى عرضنا لإشكالية نفي النسب.
ب- التنازع بين الإقرار و اللعان: لما كان الإقرار يثبت به النسب من غير حاجة إلى بيان السبب من زواج أو اتصال بشبهة شرط أن لا يصرح المقِر بأن الولد المقِّر بنسبه من الزنا كما هو مقرر و أيضا شرط انتفاء قرائن قوية (كالزوج أو الخاطب الذي يرافق الزوجة أو المخطوبة أثناء حملها لدى الأطباء و يلتزم باتخاذ كافة الإجراءات الإدارية لتسوية وضعية المولود بتسجيله بالدفتر العائلي، الاعتراف بالمنسوب إليه بالنسب أثناء المواجهة أمام المحكمة…)، تدل على عدم صدق الزوج في إقراره و هي شروط تتطلب شرط أن يكون الولد المقر به مجهول النسب أي لا يعلم له والد، فإن الإقرار لا يسوغ نفي النسب فيه إلا بتوافر أدلة كافية غير أن هذا النفي يجعلنا نطرح التساؤل التالي: هل نفي الإقرار وسيلة سائغة أصلا؟ وكيف يمكن أن يتم نفي الإقرار؟
الأصل أن إثبات النسب يكون بالإقرار ، ولا يسوغ التراجع عن الإقرار بالنسب و بالتالي لا وجود لنفي الإقرار يستنتج معه أنه لا لعان في مواجهة الإقرار، لأن هذا الأخير يكون حجة لا ينازعها وسيلة من وسائل نفي النسب ولا مجال للحديث عن قاعدة أمد الحمل وأقصاه لأن الإقرار يعتبر سيد الأدلة وحجة مسبقة لا تلحقها لاحقة، فحتى لو أتت الزوجة بولد لثلاث أشهر من تاريخ النكاح، أي أن الزوج إذا أقر بنسب الولد إليه ولو جاءت به لأقل من ستة أشهر فإنه يلحق به باعتبار أن الرضى بالزواج كان متوفرا قبل كتابة العقد ولا وجود لدعوى نفي النسب.
وهو ما تدعمه قاعدة: لا يمكن الطعن في النسب إذا صدر حكم بات بإثباته بناء على إقرار الطاعن، ولا يعتد بإدعائه الولادة دون أقل مدة الحمل بعد العقد .
ج- التنازع بين الشبهة و اللعان: إذا كانت المادة 152 م.أ اعتبرت الشبهة سببا من أسباب لحوق النسب، وإذا كانت المادة 155 اشترطت الاتصال بشبهة التي ينتج عنها حمل الذي يكون رهينا بقاعدة أقل مدة الحمل وأقصاها، مما يترتب عنه ثبوت النسب للولد، فإنه يستنتج معه أنها تتطلب أيضا شرط الفراش المشوب بشبهة (العقد، الفعل ، المحل).
فإذا كانت الشبهة تستقي حكمها ضمنيا من قاعدة الولد للفراش، فهل يسوغ للذي يثبت أنه أتصل بشبهة أن يثبت انتفاءها أو عدم تحقق شروطها؟ وبالأخص نقصد هنا هل يحق له أن ينازع بواسطة اللعان عدم تحقق الشبهة؟
لنفترض أنه تم إستغراق لحوق النسب بشبهة أي أن المتصل ثبت نسب الولد منه وسكت زوجها عن دعوى اللعان، ولكن بعد فترة معينة أراد أن ينفي الحمل، بمعنى أن ينازع في الحمل أو في الولادة عن طريق أداء يمين اللعان.
لا يحق له ذلك لأنه لا لعان في مواجهة الشبهة في هذه الحالة، لأن من شروط اللعان الفورية بمجرد رؤية الزنى أو الشك في حمل الزوجة، وبالتالي فإنه ليس هناك مجال للمنازعة بين الشبهة واللعان في مجال النسب في هذه الحالة، لأنه غير قائم أصلا وغير مفترض وجودا و إذا كانت الشبهة تثبت بجميع الوسائل المقررة شرعا، فإنه بمفهوم المخالفة، فإنه يحق أيضا نفيها بالوسائل المقررة شرعا غير أنه فيما يخص اللعان، فإنه يستبعد في هذه الحالة .
الفقرة الثانية: التنازع بين اللعان والوسائل الحديثة في مجال النسب
يعتبر اللعان أهم وسيلة شرعية لنفي الحمل أو النسب عن الزوج بالخصوص، لكن ما هو الحل الواجب إتباعه عندما تتعارض هذه الوسيلة مع الخبرة الطبية.
تكتسي الخبرة الطبية قوتها من المادة 153 والمادة 152 م.أ، مما يعطي الحق للزوج طلب خبرة طبية لتحديد النسب أو نفيه، والخبرة الطبية لا تكون قاصرة على فراش الزوجية، فحتى النيابة العامة يمكنها أن تثير تلقائيا إجراء خبرة طبية لتحديد المنسوب إلى المشتبه به لتحديد هل الحمل يلحقه أم لا؟و هل هو من صلبه أم لا؟ وبالأخص في حالة الفساد أو الاغتصاب (تملك حق نهج الخبرة الطبية لإثبات المنسوب إلى مقترفه ولكنها لا تملك حق إرغامه على إبرام عقد الزواج الذي يضيع معه حق الابن في النسب).
لكن موضوع هذه الفقرة هو التنازع بين البصمة الوراثية كمستجد بيولوجي تفيد القطع على ثبوت النسب أو نفيه و بين اللعان كلازمة شرعية تنفي النسب، ولكن سنقتصر دراسة موضوع الإشكالية فيما يهم نفي النسب إما بواسطة الخبرة الطبية وإما بواسطة اللعان لأنهما موضوع النزاع .
إن نفي النسب عن طريق الخبرة يتطلب شرطي المادة 153 م.أ، وعليه فإن نهج الخبرة كوسيلة لنفي النسب تحكمها وقائع يتسع معها موضوع نفي النسب، غير أن هذا النفي بدوره يتطلب شرط فراش صحيح بين الزوجين لتتم المنازعة بينها و بين اللعان، هل يتم تقديم اللعان والاستغناء عن الخبرة أو نهج الخبرة و التخلي عن اللعان؟ أو الأخذ بهما معا وهو ما ذهبت إليه إحدى محاكم الجمهورية المصرية ؟ ولكن أين يتموقع النهج الثنائي للخبرة واللعان في مجال نفي النسب في القضاء المغربي؟
بالرجوع إلى المادة 158 من مدونة الأسرة:” يتبث النسب بالفراش أو بإقرار الأب، أو بشهادة عدلين، أو بينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية”.
نجد أن المشرع أعتمد عبارة “أو” التي تفيد الاختيار فهل يعني ذلك أنه يجب مراعاة الترتيب حسب ما نصت عليه المادة. الترتيب هنا يفيد الحجية في الإثبات فيما يفيد القوة في الوسائل المعتمدة لإثبات النسب وليس الحجية بين أطراف العلاقة في النسب. فتوافر حجج قوية تفضي إلى ثبوت النسب يغنينا عن نفي النسب، ولكن عدم توافر هذه الحجج بمفهوم المخالفة يعطي الحق في نفي النسب، ولكن هل هناك من سبيل لصياغة تراتبية في مجال نفي النسب بين اللعان والخبرة الطبية؟
إنما نصت عليه المادة 153 م.أ باعتبار الفراش حجة قاطعة على ثبوت النسب لا يمكن الطعن فيه إلا من طرف الزوج عن طريق اللعان، أو بواسطة خبرة تفيد القطع.
يفيد معه أن صاحب دعوى نفي النسب له حق الاختيار بين سلك اللعان كوسيلة شرعية لنفي النسب وبين الخبرة الطبية (البصمة الوراثية) كمستجد بيولوجي علمي لهذا النفي، غير أننا نتساءل عن موقف الإجتهاد القضائي المغربي، هل سيقصر دعوى صاحب نفي النسب بحكم قضائي اللعان أم سيتم اعتماد الخبرة؟ أم أن الجمع بينهما بشكل توافقي بين أحكام الشرع والقانون الوضعي؟
إن المجلس الأعلى لم يعترض على جمع اللعان و الخبرة الطبية، بل أقر بذلك على ما يتضح من القرار الآتي:
“حيث صح ما عابه السبب ذلك أن الفراش يكون حجة قاطعة على ثبوت النسب شرط أن الإمكانية المادي و الشرعي و الثابت من أوراق الملف أن الطاعن نازع في نسب الإبن إليه و ادعى أنه لم يتصل بالمطلوبة منذ ازدياد الإبن الأول أي أنه استبرأها بعد هذا الوضع و أدى يمين اللعان على ذلك في حين رفضت المطلوبة أداءه رغم توصلها كما رفضت الحضور أثناء أداء اليمين و رفضت ذلك الخبرة و التمس إجراء خبرة قضائية لإثبات عدم نسب المولود إليه و تمسك بها و المحكمة لما عللت قرارها بأن الخبرة ليست من وسائل نفي النسب شرعا في حين أن المادة 153 م.أ النافذة المفعول بتاريخ القرار المطعون فيه و الواجبة التطبيق و التي تنص على أن الخبرة القضائية من وسائل الطعن في النسب إثباتا أو نفيا تكون قد أقامت قضاءها على غير أساس و لم تعلله تعليلا سليما مما يعرضه للنقض…” .
يستنتج معه أن اللعان له أولوية في التطبيق لنفي النسب فتوافر العلاقة الزوجية و حفظ النسب بالخصوص وضمان استمرار كيان الأسرة تقتضي اعتماد الوسائل الشرعية أولا ثم الوسائل الحديثة ثانيا هذا في حالة رفض الزوجة أداء يمين اللعان، كما أن نهج الخبرة مباشرة فيه تعطيل لنص قطعي في القرآن الكريم.
ولنقف على إشكالية تتعلق بالإيلاء والهجر، فما نصت عليه المادة 112:”إذا آلى الزوج من زوجته أو هجرها. فللزوجة أن ترفع أمرها إلى المحكمة التي تؤجله أربعة أشهر، فإن لم يفئ بعد الأجل طلقتها عليه المحكمة”. ولنطرح التساؤل التالي: هل يصح الملاعنة في حالة الإيلاء؟
باستقراء المادة 112 فإنها نصت على إيلاء الزوج لزوجته أو هجرها، مما يفيد معه قوة في الحجية لصالحه، فالمحكمة تؤجله أربعة أشهر، فإن لم يفئ طلقتها عليه، لنفترض مثلا أن المحكمة طلقتها عليه، بعد أداء يمين الإيلاء بعد مرور أربعة أشهر ثم وقع حمل. هل تصح ملاعنة الزوج في هذه الحالة أم لا؟
بما أن الزواج كان مبنيا على عقد صحيح فإن ملاعنة الزوج تصح و ليس هناك مانع يمنع ذلك، ونرى بأن المحكمة ستطبق آية الملاعنة في هذه الحالة، ولا سبيل إلى سلك الخبرة الطبية إلا في حالة عدم حضور الزوجة أو امتناعها عن أداء يمين الملاعنة.
ولننتقل إلى إشكالية أخرى هي إشكالية الظهار، فهل الزوج المظاهر زوجته يصح له ملاعنة زوجته بعد رجوعه عن الظهار؟
بما أن الظهار حرام في الإسلام، فإنه لا يحل للزوج المظاهر أن يتمتع بزوجته حتى يكفر عن الظهار، و قد اتفق الفقهاء على أن المظاهر يحرم عليه الوطء، و اختلفوا فيما دونه من ملامسة و وطئ في غير الفرج و نظر اللذة، فذهب الإمام مالك إلى أنه يحرم الجماع و جميع أنواع الإستمتاع مما دون الجماع، و به قال أبو حنيفة. أما الشافعي فقال: يخرم الظهار الوطئ في الفرج فقط.
وبالرجوع إلى مدونة الأسرة فإنه لم نجد أي مادة تطرقت إليه، وبالتالي هل ستعتبر المادة مسألة تكييف أم مسألة قياس ؟
في نظرنا ستعتبر مسألة تكييف على الإيلاء والهجر، لأنه ليس هناك مانع يمنع من القياس في النصوص المدنية:
وبالتالي، فإنه سيعتد بوسيلة الزوج لنفي النسب عنه، غير أنه سيكون مشروط بيمين اللعان من كلا الزوجين.
الفصل الثالث: تحليل بعض القرارات القضائية المتعلقة بإثبات النسب و نفيه
القرار 1: ” حيث صح ما نعته الوسيلتان، ذلك أنه طبقا لمقتضيات المادة 147 من مدونة الأسرة تعتبر بنوة الأمومة شرعية في حالة الزوجية و الشبهة و الإغتصاب، و كان البين من أوراق الملف أن الشهود الذين استمعت إليهم المحكمة صرحوا بأن الطالب…زوج الهالكة…، فإنها لما صرحت بنفي نسب الأول عن هذه الأخيرة دون أن تبحث في قيام العلاقة الزوجية بينهما و بين الطالب…أثناء ازدياد ابنه…سنة 1957 كما هو ثابت من يجل الحالة المدنية، خاصة و ان جميع الأطراف لاينازعون على قيام تلك العلاقة بعد هذا التاريخ، تكون قد جعلت قضاءها مشوبا بالقصور في التعليل الموازي لإنعدامه و عرضت قضاءها للنقض”
المجلس الأعلى قرار عدد 143 بتاريخ 9/3/2005
السؤال الأول: إذا كانت المادة 147 م.أ نصت على أن الأمومة تعتبر شرعية في حالة الزوجية و الشبهة و الإغتصاب، فهل يحق للمحكمة أن تنفي نسب الابن دون أن تبحث في قيام العلاقة الزوجية أو أن تنازع في قيام العلاقة الزوجية دون أن ينازع الأطراف في ذلك؟
الجواب: لا يحق لها لأنها إن قامت بذلك ستعرض قرارها للنقض لقصور التعليل الموازي لإنعدامه.
استنتاج:
عقد الزواج الصحيح المستوفي لشروطه يكون من قبيل النظام العام، و لا يحق للمحكمة المنازعة في النسب لأنه لا يوجد نص صريح يخولها ذلك.
القرار 2: “لكن حيث إنه لما كان الفراش الصحيح حجة قاطعة على ثبوت النسب و لا يمكن نفيه شرعا إلا عن طريق اللعان أو الخبرة الطبية إذا توفرت شروطهما، و كان البين من أوراق الملف أن البنتين… المطعون في نسبهما قد ازدادتا على فراش الطالب و أثناء قيام العلاقة الزوجية، فإن صدور حم بإذانة المطلوبة في النقض بالخيانة الزوجية و إقرارها بذلك أمام الضابطة القضائية لا تأثير له على ثبوت النسب، ما دام الطالب لم يسلك الوسائل المقررة شرعا لنفيه، فضلا عن أنه أقر بنسب البنتين في عقد الخلع و هو يتضمن إقراره بدخوله بالمطلوبة في النقض الذي لا يصح التعقيب عليه بتكذيب نفسه، مما يجعل الوسائل بدون أساس”.
المجلس الأعلى قرار عدد 04 بتاريخ 4/1/2006.
السؤال: هل يحق للمحكمة أن تطعن في نسب ابن الفراش بزواج صحيح أثناء قيام العلاقة الزوجية بعد إدانة الزوجة بالخيانة الزوجية؟
الجواب:
طبعا لا، لأن ذلك يكون من حق الزوج عن طريق سلك الوسائل المقررة شرعا لنفي النسب.
سؤال آخر: و هل يصح للمحكمة الطعن في نسب ولد الزوجية في هذه الحالة بعد إقرار الأب بنسب الإبن و تكذيبه نفسه لاحقا؟
الجواب: طبعا لا، لأنه بمجرد إقرار الإبن سيلحقه ولا يصح للمحكمة التعقيب على إقرار الزوج بتكذيب نفسه لأن الوسيلة في هذه الحالة من طرف الزوج تكون بلا أساس. و أيضا في حالة تعقيب المحكمة سيكون أيضا بلا أساس.
استنتاج: عقد الزواج الصحيح حجة قاطعة شرعا في النسب، و لا يمكن نفيه شرعا إلا عن طريق اللعان أو الخبرة الطبية إذا توفرت شروطهما من طرف الزوج.
القرار 3: “إن المادة من 153 من م.أ لم تشترط مدة معينة لممارسة دعوى نفي النسب بواسطة خبرة قضائية تفيد القطع، لطلك فإن المحكمة التي رفضت الطلب بعلة أنه عاد إلى المغرب و زوجته حامل في شهرها الثامن و سكتت عن ذلك و لم يمارس دعوى اللعان و نفي النسب داخل الأجل المقرر شرعا لم تقم قضاءها على أساس سليم “.
قرار المجلس الأعلى بتاريخ 27/09/2006 ملف عدد 391/2/1/2005.
السؤال: هل هناك مدة محدد قانونا لإقامة دعوى نفي النسب في الزوجية (عقد الزواج)؟ و هل يحق للمحكمة أن ترفض طلب نفي النسب لمدة معينة؟
الجواب: المادة 153 م.أ لم تشترط أية مدة معينة لممارسة دعوى نفي النسب بواسطة خبرة قضائية تفيد القطع. و عليه فإن المحكمة لا يحق لها رفض طلب نفي النسب لأي علة كانت حتى و لو سكت الزوج عن ممارسة دعوى نفي النسب و اللعان داخل الأجل المقرر شرعا. لأن قبول المحكمة بذلك سيعرض قرارها للنقض.
استنتاج: المشرع كان حكيما إلى درجة جعله دعوى نفي النسب مفتوحة لأجل غير مسمى و إن خالف شروط الشرع المرتبطة بالفورية في رفع دعوى نفي النسب للضرر تعزيزا للقاعدة الفقهية (الأصل في الشرع ثبوت النسب).
القرار 4: “حيث صح ما عابه السبب، ذلك أن الفراش يكون حجة قاطعة على ثبوت النسب، شرط تحقق الإمكانين العادي و الشرعي ، و الثابت من أوراق الملف أن الطاعن نازع في نسب الابن، و ادعى أنه لم يتصل بالمطلوبة منذ ازدياد الإبن الأول، أي أنه استبرأها بعد هذا الوضع و أدى يمين اللعان على ذلك، في حين رفضت المطلوبة أداءها رغم توصلها، كما رفضت الحضور أثناء أدائه اليمين، و رفضت كذلك الخبرة، و التمس إجراء خبرة قضائية لإثبات عدم نسبة المولود إليه و التمسك بها، و المحكمة لما عللت قرارها بأن الخبرة ليست من وسائل نفي النسب شرعا في حين أن المادة 153 من م.أ النافذة المفعول بتاريخ القرار المطعون فيه، و الواجبة التطبيق و التي تنص على أن الخبرة القضائية من وسائل الطعن في النسب إثباتا أو نفيا، تكون قد أقامت قضاءها على غير أساس، و لم تعلله تعليلا سليما مما يعرضه للنقض”
قرار المجلس الأعلى عدد 39 بتاريخ 18/01/2006
السؤال: ما يخص الإستبراء: هل يحق للمحكمة التغاضي عن الإستبراء الذي يتمسك به الزوج تجاه زوجته لنفي النسب (الإبن عنه)؟
الجواب:
لا يصح للمحكمة التغاضي عن ذلك لأن المسطرة شرعا في هذه الحالة هي مسطرة اللعان، لأن الزوج يستبرئ زوجته بعد الوضع و يدعي أنه لم يتصل بزوجته و بالتالي يتوجب على الزوجة أداء اليمين لنفي النسب المنسوب إليها.
سؤال آخر: هل يحق للمحكمة رفض إجراء خبرة قضائية يتمسك بها الزوج لإثبات بنوة ولده؟
الجواب: لا يحق للمحكمة ذلك. و حتى لو عللت قرارها بأن الخبرة ليست من وسائل النسب شرعا. فإن ما نصت عليه المادة 153 م.أ على أن الخبرة القضائية من وسائل الطعن في النسب إثباتا و نفيا يجعل قرارها معرض للنقض.
استنتاج: الإستبراء حجة قوية في صالح الزوج في نزاع النسب مع الزوجة و الخبرة القضائية مقررة بقوة القانون تكون في صالح الزوج و الزوجة والمحكمة لا يصح لها أن تخص به أحد الأطراف دون الآخر.
القرار 5: “لكن ردا على ما ورد في أسباب النقض فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما ثبت لها أن الطاعن لم يقم باسبراء مطلقته، و لا بفورية إجراء مسطرة اللعان، و اعتبرت أن العلاقة الزوجية قائمة بين الزوجين…منذ 14/03/2001، و أن المدة ما بين الدخول إلى السجن و الزواج هي خمسة أشهر فأكثر، و أن الطاعن كان يعاشر زوجته معاشرة الأزواج خلال هذه الفترة التي لم ينكرها، و تضمنت تبعا لذلك برفض دعوى اللعان، تكون قد طبقت على نازلة الحال أحكام الفقه و أقامت قضاء ما على أساس سليم، وردت على دفوع الطاعن، فجاء بذلك قرار ما معللا تعليلا كافيا و ما ورد بالأسباب غير قائم على أساس”
المجلس الأعلى قرار عدد 699 بتاريخ 13/12/2006.
السؤال: هل يحق للمحكمة رفض دعوى اللعان في نزاع لإثبات النسب مرتبط بعقوبة حبسية؟
الجواب: إذا لم يقم الزوج باستبراء زوجته أو مطلقته ولا بفورية إجراء مسطرة اللعان. وكانت المدة ما بين الدخول إلى السجن و الزواج هي خمسة أشهر على الأكثر و المعاشرة تمت بين الطرفين خلال هذه الفترة مع شرط عدم إنكار الزوج فإنه يحق للمحكمة رفض دعوى اللعان و تكون بذلك إلتزمت بأحكام الفقه و يكون حكمها حكما سليما و معللا.
استنتاج: الشرط لقبول دعوى اللعان هو الفورية (و هي محددة في الفقه المالكي بيومين) و كذا استبراء الرحم قبل سلك مسطرة اللعان. ما عدا ذلك فلا يعتد بهذه المسطرة قانونا. أما بخصوص العقوبة الحبسية فإذا كانت المحكمة تتطلب شرطي الفورية و استبراء الرحم للحر، فكيف لا تتطلب نفس الشروط لمسلوب الحرية. غير أن الفرق هو أن هذا الأخير يجب أن يثبت لدى المحكمة إمكانية المعاشرة الزوجية ما بين الدخول إلى السجن و الزواج لإثبات نسب ينازع فيه الطرفان سواء الزوج أو الزوجة. فتحكم المحكمة بثبوت النسب او نفيه حسب الأحوال. و إمكانية المعاشرة يجب أن تثبت ظروف الحال أنها تمت بالفعل حتى تكون المحكمة قناعتها بالموضوع.
القرار 6: “حيث صح ما عابه الطالب على القرار المطعون فيه، ذلك انه و إن كان الفراش الشرعي قرينة قاطعة على إثبات النسب، فإن ذلك مشروط بأن لاتكون الولادة ثابتة التاريخ و داخل الأمد المعتبر شرعا بشكل لا مراء فيه و لا جدال، و بما أن موضوع الخصومة يدور حول إدعاء المطلوبة أنها طلقت من الطاعن بتاريخ 20/12/1989، و وضعت الإبن…المطلوب نفقته بتاريخ 1/1/1990 و قدمت شهادة ولادته محررة بتاريخ 20/07/2000 من قائد العنادرة بإفادة من الشيخ، و تصريح شرف منها، و نفى الطالب نسب الإبن المذكور إليه لكونه لم يعلم بوجوده إلا بتاريخ 15/10/2002 أي بعد توصله بدعوى المطالبة بنفقته و لكونه أيضا عقيما، و أدلى بوثائق طبية لتأكيد ذلك، و التمس إجراء خبرة طبية عليه و على الإبن المذكور لتحديد سنه و تاريخ ازدياده، و هل هو من صلبه أم لا، و أنه و أمام إختلاف الزوجين بشأن تاريخ ازدياد الإبن المذكور فإنه على المحكمة أن تبحث بوسائل الإثبات المعتمدة شرعا و منها الخبرة التي لا يوجد نص قانوني صريح يمنع المحكمة من الإستعانة بها، و المحكمة لما اكتفت بالقول ردا على ملتمس إجراء الخبرة، بأن ما يتمسك به الطالب يخالف أصول الفقه و الحديث الشريف دون إعتماد نص قاطع في الموضوع، فإنها لم تضع لما قضت به أساسا و عرضت قرارها بذلك للنقض”.
المجلس الأعلى بغرفتين بتاريخ 09/03/2005 ملف عدد 615/2/1/2003.
السؤال: هل يحق للمحكمة رفض إجراء خبرة قضايئة لإثبات النسب رغم إدلاء الزوج بشهادة العقم و نفيه نسب الإبن و إلتماسه إجراء الخبرة القضائية عليه؟
الجواب: لا يحق للمحكمة رفض إجراء الخبرة القضائية لأنه منصوص عليها في مدونة الأسرة كوسيلة من وسائل الإثبات تحدد على إثرها بنوة الابن و سنه و تاريخ إزدياده. فالمحكمة إذا ما ردت ملتمس إجراء الخبرة بدعوى أنها تخالف أصول الفقه و الحديث الشريف دون إعتماد نص قاطع في الموضوع و صريح يمنع ذلك فغنها تعرض قرارها للنقض.
استنتاج: شهادة العقم قرينة قاطعة تلزم المحكمة حسب رأينا إجراء خبرة قضائية لإثبات أو نفيه لأن (الأصل في الشرع ثبوت النسب).
القرار 7: “لكن حيث أن المادة 154 من م.أ تنص على أنه يثبت نسب الولد لفراش الزوجية إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد و الثابت من أوراق الملف أن الولد…ازداد على فراش الزوجية بتاريخ 03/02/2001 أي بعد ستة أشهر من تاريخ العقد الذي أبرم بتاريخ 28/07/2000 و المحكمة لما ردت دفوع الطاعن بعلة أن الفراش يعتبر حجة قاطعة على النسب بصريح المادة 153 من م.أ، و أن الطاعن لم يدل بأي دليل قوي على إدعائه و أن الشهادة الطبية المدلى بها ليس هناك ما يفيد أنها تتعلق بالمطلوبة، و قضت على النحو المذكور، تكون قد بنت قضاء على أساس، و عللت قرارها تعليلا سليما، و فيما يتعلق بطلب إجراء خبرة فإن إثارته لأول مرة أمام المجلس الأعلى دون سبق طلبه أمام محكمة الموضوع غير مقبول لذلك يتعين رفض الطلب”.
قرار المجلس الأعلى عدد 939 بتاريخ 15/11/2006.
السؤال: هل يمكن طلب رفع إجراء خبرة قضائية أمام المجلس الأعلى دون رفعه مسبقا أمام محاكم الموضوع (دائما في نطاق الزوجية)؟
الجواب: رفع طلب إثبات النسب أمام المجلس الأعلى دون سلك مسطرته أمام محاكم الموضوع فهو غير مقبول بتاتا، لأن المجلس الأعلى محكمة قانون وليست محكمة موضوع. فهو مؤسسة قضائية تتربع على قمة القضاء واختصاصها النقض ولا تعتبر درجة من درجات التقاضي. فهي لا تنظر في الوقائع وإنما ثبت في الطعون ضد الأحكام والقرارات الصادرة عن جميع محاكم المحكمة حسب ف 353 ق.م.م.
استنتاج:
عدم احترام الإجراءات المسطرية قد يضيع حقوق الشخص في الإثبات. أما ما يتعلق بإثبات النسب فالمحكمة لا تعتد بالقرائن والحجج ولا يعنيها التحايل على القانون.
القرار 8: “لكن حيث إنه من جهة أولى فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما اعتمدت التقويم القمري في احتساب أقل أمد الحمل بدلا من التقويم الشمسي، فإنها تكون قد طبقت ما هو مقرر فقها و جرى به العمل القضائي. و من جهة ثانية فإنه باحتساب تاريخ زواج الطاعن بالمطلوبة الذي هو 26 جمادى الثانية 1424 حسب عقد النكاح عدد 548، و تاريخ ازدياد الولد هشام الذي هو 20/02/04 الموافق لـ 28 ذي الحجة عام 1424 حسب شهادة ولادته الإدارية عدد 964، فإن الولد المنازع في نسبه المذكور ازداد بعد أقل مدة الحمل المنصوص عليها في المادة 154 م.أ فكان ما بالسبب في هذا الوجه خلاف الواقع.
لكن حيث إن الطاعن لم يدل بما يخالف مضمن الشهادة الإدارية المدلى بها المثبتة لتاريخ ازدياد الولد المنازع في نسبه، أو يطعن فيها بمقبول، فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما اعتمدت على تلك الشهادة لإثبات تاريخ الإزدياد، فإنها تكون قد أسست قضاءها على أساس قانوني، و ما بالسبب على غير أساس…
لكن حيث إنه ما دام قد ثبت للمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أن ازدياد الولد… المنازع في نسبه ازداد بعد أقل مدة الحمل المعتبرة قانونا التي هي ستة أشهر،ى فلا تأثير لما ورد في تعليل قرارها بأن هذه المدة تجاوزت ستة أشهر بيومين فكان ما بالسبب غير جدير بالإعتبار”.
المجلس الأعلى قرار عدد 43 بتاريخ 18/01/2006.
سؤال 1:
هل يجب على المحكمة اعتماد التقويم القمري في احتساب مدة الحمل أم التقويم الشمسي؟
سؤال 2:
هل يصح للمحكمة اعتماد مضمن الشهادة الإدارية لإثبات تاريخ إزدياد الولد المنازع في نسبه و الغير المطعون فيها بمقبول من طرف الزوج.
الجواب:
أم ما يهم السؤال 1 فإن المحاكم درجت على اعتماد التقويم القمري (الهجري) و حتى المدونة فإنها لم تشر إلى طريقة احتساب مدة الحمل هل يكون بالتقويم الشمسي (الميلادي) أم بالتقويم القمري.
أم ما يهم السؤال 2 اعتماد المحكمة على الشهادة الإدارية لإثبات تاريخ الإزدياد لا يعيب ما قضت به لأن الأصل في الشرع ثبوت النسب.
استنتاج:
التقويم القمري ضمانة شرعية لا يضيع معها الحق في النسب.
خاتمة
كخلاصة للبحث فإن وسائل إثبات النسب ونفيه بما يتوافق شرعا وقانونا وما يتعارض علما و فقها، فإن مسألة الإثبات فيها أولا تبقى مقيدة بما هو شرعا ثم مسألة النفي فيها ثانيا تحكمها ضوابط الشرع كشرط أول ثم وجوب إدلاء الزوج بدلائل قوية على إدعائه أي منازعته للنسب من أجل نفيه عنه بما نصت عليه المادة 153 م.أ حتى يتم اعتبار ذلك قرينة تجعل المحكمة تنهج الخبرة الطبية التي تفيد من خلال ما توفر لدينا من قرارات وأحكام قضائية أنها تتحقق بالبصمة الوراثية كمستجد بيولوجي علمي لا ينازعها منازع في درجة الصحة والتأكيد في مجال إثبات النسب أو نفيه بشكل قطعي يجعل من القيافة أو اللعان مسائل شرعية تحفظ النسب باعتبار المشرع متشوف للحوق الأنساب و لكنه راعى الزوج إلى حد بعيد لينهج الخبرة الطبية التي تكون بحكم قضائي كوسيلة علمية توافق ما هو شرعي و لكن مع مراعاة الأولوية في الفصل في منازعات النسب للعان.
– انتهى البحث بمعونة الله –
(محاماه نت)