دراسات قانونية

منظومة الإصلاح القضائي – المغرب (بحث قانوني)

تأملات حول ميثاق إصلاح منظومة

العدالة

ياسين أمهدا

طالب باحث في العلوم القانونية و القضائية بطنجة

يعتبر العدل القاعدة الأساس التي تتأسس عليها المجتمعات فبتحققه تستقر الأوضاع الإنسانية و يتحقق التوازن الاجتماعي بما يضمن تحديث و تنمية المجتمع على جميع الأصعدة , و تظهر أهمية هذا الطرح بجلاء على سائر المستويات , فعلى المستوى الاقتصادي و الاجتماعي فإنه لتحقيق أي هدف مجتمعي أو اقتصادي من قبيل تنمية الاستثمار و تكريس السلم الاجتماعي .. رهين بالأساس بمدى توفر الدولة على عدالة فعالة و نزيهة أما على المستوى الإداري و السياسي فكبح جماح الحاكم و عقلنة التدبير السياسي الرشيد مرتبط بالأساس بوجود نظام قضائي معقلن غايته الكبرى تحقيق العدالة .

ومن البديهي أن المسؤول عن العدالة بالدرجة الأولى في ظل الدولة الحديثة هي السلطة القضائية و التي بقدر توافر مقومات استقلالها المؤسساتي و الفردي تتحقق العدالة و يسود الأمن القضائي (1) , بل إنه يمكن القول على أن دون وجود عدالة مستقلة ذات كفاءة عالية و محايدة و نزيهة تغدو الحقوق عرضة للضياع و الانتهاك , سواء من قبل السلطة التنفيذية , أو السلطة التشريعية أو من المتنفذين في السلطة (2). كما أن القاضي النزيه المستقل ذوي الكفاءة القانونية العالية هو الضامن لتحقيق العدل و المساواة بين الأفراد , و هو الذي ينأى بالقضاء عن الشبهات , و يحمي العدالة في المجتمع .

و انطلاقا من هذه الأهمية التي تكتسيها السلطة القضائية , فقد عملت جل الديمقراطيات الحديثة على إعادة النظر في نظامها القضائي بما يتماشى و القواعد الكونية لإصلاح منظومة العدالة بصفة عامة , و يعتبر المغرب من الدول التي اهتمت بإصلاح هذا الورش الكبير منذ اعتلاء الملك محمد السادس الحكم, بحيث خصه الملك بعناية خاصة في مجموعة من خطبه و قد عبر بجلاء عن إرادته الفعلية في إصلاح هذا القطاع و قطاعات أخرى . و تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الخطاب الملكي بتاريخ 20 غشت 2009 شكل خريطة طريق لإصلاح منظومة العدالة (3), هذا و قد اعتبر فيه القضاء الحصن المعين لدولة الحق , و عماد الأمن القضائي , و الحكامة الجيدة و المحفز على التنمية . كما أعاد التأكيد على هذا الإصلاح في الخطاب الملكي بتاريخ 9 مارس 2011 و الذي أعلن فيه عن إجراء إصلاح دستوري شامل من خلال سبعة مداخل أساسية , ( من ضمنها الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة , و تعزيز صلاحيات المجلس الدستوري , توطيدا لسمو الدستور و سيادة القانون , و المساواة أمامه ) .

و تكريسا لذلك فقد تجسد هذا الإصلاح على المستوى الدستوري في ضوء دستور 2011 , بحيث صعد هذا الأخير من سقف استقلالية السلطة القضائية و كذا عقلنة العدالة عموما , و قد خصصت هذه الوثيقة الدستورية للقضاء الباب السابع المتألف من 21 فصل , حاملا في طياته مجموعة من التغييرات الجوهرية أبرزها الوصف الدستوري للقضاء بالسلطة بموجب الفصل 107 بحيث خصص لمقومات هذا المبدأ الفصول من 107 إلى 112 من الدستور , و كذا تغيير المجلس الأعلى للقضاء بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية بموجب الفصول من 113 إلى 116 وهذا المقتضى يعتبر مقوما أساسيا لتحقيق الاستقلال المؤسساتي للقضاء عن وزارة العدل . خصوصا مع رفع يد وزير العدل عن هذا المجلس بموجب الفصل 115 من الدستور بحيث أصبح الرئيس الأول لمحكمة النقض رئيسا منتدبا لذات المجلس بدل وزير العدل ( 4).كما خصص لحقوق المتقاضين و قواعد سير العدالة الفصول من 117 إلى 127 و أهم مستجد في هذا الباب هو ما نص عليه الفصل 122 من الدستور من أنه يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة .

و من أجل جعل هذه المقتضيات الدستورية مفعلة بتدابير فعلية يلمسها المتقاضون , ارتأى الملك إحداث هيئة عليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة , عهد إليها بمناسبة تنصيبها بتاريخ 8 ماي 2012 , بمهمة الإشراف على هذا الحوار الوطني , و ذلك بغاية ( بلورة ميثاق وطني واضح في أهدافه , و محدد في أسبقياته و برامجه و وسائل تمويله , و مضبوط في أليات تفعيله و تقويمه ) . و الجذير بالذكر أن السياق الذي يندرج فيه هذا الميثاق ينسجم و التوجهات الملكية الإصلاحية في هذا الجانب , علاوة على المبادئ الدستورية التي أصبحت تحتاج لأليات فعالة لتنفيذها بالإضافة التزامات المغرب الدولية و انفتاحه على المنتظم الدولي و كذلك النقائص و الاختلالات التي طالت جهاز العدالة منذ الاستقلال , فكل هذه الظروف و العوامل و غيرها ساهت في تبني إصلاح شامل و عام لمنظومة العدالة بحيث تم التأسيس لهذا الإصلاح بتنصيب الهيئة العليا تضم مختلف مكونات المجتمع المدني و السلطة القضائية و جميع المتدخلين في مجال العدالة و قد ضمت هذه الهيئة في البداية 175 عضوا ثم انتقلت إلى 190 عضوا, كما عقدت مجموعة من الندوات الجهوية من أجل تدارس مختلف الاقتراحات . و أبرز ما تميز به هذا الحوار بالشمولية و بتبني الخبرات و التجارب المقارنة في هذا المجال , و ذلك وفق مقاربة تشاركية في تدبيرها حيث تم عقد الندوات في مجموعة من المراكز الجهوية .

و قد تم الإعلان عن الموافقة الملكية على مضامين ميثاق إصلاح منظومة العدالة في خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2013 و قد جاء في خطابه هذا ( التوصل إلى ميثاق لإصلاح المنظومة القضائية . حيث توافرت له كل الظروف الملائمة , و من ثم , فإنه يجب أن نتجند جميعا , من أجل إيصال هذا الإصلاح الهام , إلى محطته النهائية .) و قد تمت صياغته من الناحية الهندسية بكيفية عقلانية و فق تقنية التدبير بالأهداف و البرامج بحيث تم تحديد مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الكبرى و أهداف فرعية , و من أجل ضمان فعالية تنفيذ هذه الأهداف فقد تم تبني برنامج إجرائي و تنفيذي وفق مدة محددة من أجل تنفيذ هذه الأهداف غير أن أغلب هذه الأهداف لم يتم الالتزام بتحقيقها وفق المدة المحددة في البرنامج الإجرائي . و للوقوف على كل هذه المبادئ الموجهة لأهداف الميثاق من أجل إصلاح هذا الورش الكبير . لا بد من الإجابة على مجموعة من الأسئلة من قبيل الهندسة العامة لتوجهات الميثاق ؟ و ماهي أبرز الخصائص الشكلية و الموضوعية للميثاق ؟ و ما هي أهم التوجهات الكبرى للميثاق من خلال الأهداف الاستراتيجية ؟ و ما هي مكانة الأمن القانوني و القضائي في ظل هذا الميثاق ؟

فللإجابة على كل هذه الإشكاليات ارتئينا معالجة هذا الموضوع دراسة و تأصيلا وفق المقترب المنهجي التحليلي التالي :

المبحث الأول : دراسة الهندسة العامة لميثاق إصلاح منظومة العدالة و أهم خصائصه و مرتكزاته الأساسية .

المطلب الأول : دراسة الهندسة الشكلية العامة للميثاق .

المطلب الثاني أبرز خصائص و مرتكزات الميثاق .

المبحث الثاني : التوجهات الكبرى للميثاق من خلال الأهداف الاستراتيجية بشأن استقلالية السلطة القضائية و مكانة الامن القضائي و القانوني في الميثاق .

المطلب الأول : التوجهات الكبرى للميثاق من خلال الأهداف الاستراتيجية بشأن استقلالية السلطة القضائية .

المطلب الثاني : مكانة الأمن القانوني و القضائي في ضوء الميثاق .

المبحث الأول : دراسة الهندسة العامة لميثاق إصلاح منظومة العدالة و أهم خصائصه و مرتكزاته الأساسية :

لقد تم تبني منهجية عقلانية في صياغة مضامين الميثاق وفق هندسة شاملة لكل مكونات العدالة سنعمل على دراسة هذه الهندسة في ( المطلب الأول ) كما تميز هذا الميثاق بمجموعة من الخصائص و تأسس على مجموعة من المرتكزات سنتطرق إليها في (المطلب الثاني ) .

المطلب الأول : دراسة الهندسة الشكلية العامة للميثاق .

بعد مجموعة من الندوات و المحاضرات التي قامت بها الوزارة المكلفة بالعدل لكونها المشرفة على إعداد الميثاق , تمت المصادق على هذا الأخير من طرف الملك بتاريخ 30 يوليوز 2013 . و بالتأمل في مضامين و منهجية ذات الميثاق يظهر لنا أنه يتكون من جزأين .

يتناول الجزء الأول الأسس العامة لإصلاح منظومة العدالة و يتضمن عنصرين على الشكل التالي : -أولا : ( تشخيص الوضع الراهن لمنظومة العدالة بحيث تطرق إلى جانبين الأول منهما يعمل على تشخيص نقاط قوة الجهاز القضائي و الثاني نواقص و اختلالات هذا الجهاز , و هو أمر محمود عليه على اعتبار أن كل مخطط إصلاحي لا بد و أن يبدأ بداية بالتشخيص السليم للوضع الراهن و بعدها ينطلق لوضع الأهداف و أليات و وسائل تحقيق هذه الأهداف . و لا بد من الإشارة في هذا الباب إلى أن أهم الاختلالات التي وقف عليها الميثاق تتمثل في الجانب المتعلق باستقلالية السلطة القضائية و كذا على مستوى أليات تخليق منظومة العدالة و نقص في حماية القضاء لحقوق و حريات المتقاضين و كذلك ضعف فعالية و نجاعة القضاء إضافة إلى ضعف فعالية إدارة المرفق القضائي .) و ثانيا : و قد تناول الميثاق في هذا العنصر الرؤيا العامة لإصلاح منظومة العدالة بما في ذلك الاقتراحات الكبرى الذي يجب أن يأخذها بعين الاعتبار ورش إصلاح منظومة العدالة .

أما الجزء الثاني و يتضمن الأهداف الاستراتيجية الكبرى لإصلاح منظومة العدالة . و عليه فقد أوصت الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة و وضعت في نظرها ستة أهداف استراتيجية تتمثل في ما يلي :

-أولا : توطيد استقلالية السلطة القضائية و يتضمن سبعة أهداف فرعية و هي : 1- ضمان استقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية . 2- ضمان تمثيلية شاملة و فعالة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية .3- التدبير الأمثل للمسار المهني للقضاة .4-تعزيز التفتيش القضائي .5-اعتماد أليات التعاون بين المجلس و السلطات الأخرى .6- تواصل المجلس الأعلى للسلطة القضائية مع محيطه .7- استقلالية النيابة العامة عن السلطة التنفيذية و لا بد من الإشارة في هذا المجال إلى أن هذا الهدف الاستراتيجي الأول – توطيد استقلالية السلطة القضائية – أنه قد تم تكريسه إلى حد ما في مشروع القانون التنظيمي للمجلس رقم 100.13. لكن نقول في هذا الباب أنه على مستوى استقلالية النيابة العامة رغم أن الدستور واضح في الفصل 107 بنصه على استقلالية السلطة القضائية و أن النيابة العامة هي ذاتها هذه السلطة و كذلك الاتفاقيات الدولية من قبيل الإعلان مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلالية السلطة القضائية في قرارها رقم 30/40بتاريخ 1985 إضافة إلى معايير الأمم المتحدة حول دور المدعي العام الذي تم اعتماده من طرف مؤتمر كوبا في 7 شتنبر 1990 الذي يقر بضرورة استقلالية النيابة العامة عن السلطة الحكومية و نضيف أنه في التوصية 37 من الميثاق نصت على إسناد رئاسة النيابة العامة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض لكن رغم كل هذه المقتضيات ففرق الأغلبية في البرلمان مازالوا متشبثين بإسناد رئاسة هذه السلطة لوزارة العدل مستندين في ذلك على مجموعة من التبريرات التي لا محل لها من الاعتبار القانوني و المنطقي (7) .

-ثانيا : تخليق منظومة العدالة و يتضمن هذا الهدف الاستراتيجي أربعة أهداف فرعية و هي كالتالي : 1-تعزيز أليات الجزاء لضمان الشفافية و نزاهة منظومة العدالة و 2- تعزيز مبادئ الشفافية و المراقبة و المسؤولية في المهن القضائية و 3- ترسيخ القيم و المبادئ الأخلاقية لمنظومة العدالة .4- تعزيز دور القضاء في تعزيز الحياة العامة .

–ثالثا : تعزيز حماية القضاء للحقوق و الحريات و يتضمن هذا الهدف ستة أهداف فرعية و تتمثل في : 1- نهج سياسة جنائية جديدة 2-تطوير سياسة التجريم 3-إرساء سياسة عقابية ناجعة 4- تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة 5-ضمان نجاعة أليات العدالة الجنائية .6-تحديث أليات العدالة الجنائية .

رابعا : الارتقاء بفعالية و نجاعة القضاء و لبلوغ ذات الهدف تم وضع سبعة أهداف فرعية : 1-إرساء تنظيم قضائي قائم على مبدأي الوحدة و التخصص .2-دعم فعالية الأداء القضائي و لابد من التعليق على التوصية 108 من هذا الهدف التي تقر بأن يتم جعل النيابة العامة أمام المحاكم التجارية تابعة للنيابة العامة أمام المحاكم العادية , مع مراعاة التخصص في المادة التجارية و نقول في هذا الجانب أن هناك تناقض بين هذه الأهداف و الهدف الأول المتمثل بالارتقاء بفعالية القضاء . ففعالية القضاء تقتضي بالتخصص في المواد القانونية و كما هو معلوم أن النيابة العامة لها دور مهم في المادة التجارية نظرا للصلاحيات النوعية الموكول إليها في ضوء مدونة التجارة و هو ما يقتضي معه أن يكون قضاة النيابة العامة بهذه المحاكم متفرغين بما فيه الكفاية لأداء الأنشطة القضائية بفعالية أكثر و أحسن و عوض جعلها تابعة للمحاكم العادية لما لا يتم دعمها باختصاصاتها الأصلية في هذه المحاكم بشكل يضمن التخصص و الفعالية و الاستقلالية في الأداء ؟

خامسا : إنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة و يتضمن بدوره سبعة أهداف فرعية : 1- التأهيل المؤسسي لاحتضان الجودة و ضمان التميز 2- الارتقاء بمعايير و شروط ولوج ممارسة مهن منظومة العدالة .3-الإرتقاء بمستوى و فعالية التكوين الأساسي و التخصصي .4- دعم التكوين المستمر لضمان الاحترافية 5-رفع قدرات الموارد البشرية لهيئة كتابة الضبط .6- تقوية القدرات المؤسساتية للمهن القضائية .7- دعم الثقة في المهن القضائية و القانونية .

سادسا : تحديث الإدارة القضائية و تعزيز حكامتها و يتضمن 5 أهداف فرعية : 1- إقامة إدارة قضائية احترافية و مؤهلة .2- تأسيس إدارة قضائية قائمة على اللاتمركز الإداري و المالي .3- إرساء مقومات المحكمة الرقمية 4-تحديث خدمات الإدارة القضائية و انفتاحها على المواطن .5-الرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم .

و ينبثق عن هذه الأهداف الرئيسية الستة , 36 هدفا فرعيا , يستلزم تنفيذها الفعلي 200 ألية تنفيذ , إضافة إلى أن هذا الميثاق يتضمن مخططا إجرائيا وفق برمجة زمنية لضمان تنفيذ هذه الأهداف , و يتضمن بدوره 353 إجراء تطبيقيا .

المطلب الثاني : أهم مرتكزات و خصائص الميثاق .

باستقراء مقتضيات الميثاق يظهر لنا أنه اعتمد مجموعة من المرتكزات و يتميز بمجموعة من الخصائص .

أ)المرتكزات الكبرى : إن المـتأمل في مقتضيات هذا الميثاق سيخلص إلى أنه اعتمد على خمسة مرتكزات أساسية و هي : أولا : اعتبار السلطة القضائية مستقلة و تحقيق استقلالها المؤسساتي و الفردي يعتبر مدخلا لأي إصلاح للعدالة . و يتجسد هذا المرتكز خصوصا في كون الهدف الأول لإصلاح منظومة العدالة هو تحقيق استقلالية السلطة القضائية بالمفهوم الدستوري و الكوني لمعنى الاستقلالية , و ذلك من خلال إيلاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية المكانة الدستورية التي يجب أن يكون عليها و جعل التدبير الإداري للمسار المهني للقضاة من اختصاصه . هذا بالإضافة إلى أن المقترح الأول التي خلصت له الهيئة في إطار الرؤيا العامة للإصلاح هو إعمال الضمانات الدستورية لاستقلالية السلطة القضائية في بعديه المؤسسي و الفردي و تحصين ذات السلطة من أي تدخل أو ضغط خارجي أو داخلي و ذلك من خلال مقتضيات القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية و النظام الأساسي للقضاة . و هذا راجع بالأساس إلى أن استقلالية السلطة القضائية و تعزيز ضمانات هذه الاستقلالية من الناحية القانونية يعتبر مدخلا رئيسيا لأي إصلاح شمولي للعدالة بل إنه لا يمكن الحديث عن إصلاح للعدالة من دون الالتزام الدستوري و القانوني و التنفيذي و القضائي و الاجتماعي بهذا المبدأ على اعتبار أن استقلالية السلطة القضائية هو إضافة إلى أنه شأن قانوني و قضائي فهو شأن مجتمعي على الجميع أن يؤمن به و أن يعمل بالامتثال له .

ثانيا : اعتماد الخطب الملكية في الإصلاح : بالنظر إلى المسيرة الإصلاحية التي خاضها المغرب منذ مطلع القرن 21 يتضح جليا أن المؤسسة الملكية عبرت بشكل واضح عن رغبتها في الإصلاح المؤسساتي للسلطة القضائية و ذلك في مجموعة من الخطب الملكية و لطالما أكدت على ضرورة إصلاح هذا الورش و خصوصا مع الخطاب التاريخي للملك سنة 2009 يوم 20 غشت و الذي شكل خريطة طريق لهذا الإصلاح و اعتبر فيه أن القضاء الحصن المنيع لدولة الحق و عماد الأمن القضائي و الحكامة الجيدة و المحفز على التنمية . و قد أكد على ضرورة الإصلاح القضائي في الخطاب الملكي في 9 مارس 2011 الذي أعلن فيه عن إجراء إصلاح دستوري من خلال سبعة مداخل أساسية من ضمنها ( الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة , و تعزيز صلاحيات المجلس الدستوري توطيدا لسمو الدستور و لسيادة القانون , و المساواة امامه ).

ثالثا: اعتماد المقتضيات الدستورية في الباب المتعلق بالسلطة القضائية :

لقد اعتمد الميثاق المرجعية الدستورية في الباب المتعلق باستقلالية السلطة القضائية و ذلك بدأ من الديباجة حيث أكد الميثاق على التوجه الدستوري في مقتضياته كما أن الهدف الأساسي الذي وضعه الميثاق هو استقلالية السلطة القضائية و نص في التوصية الأولى على ضرورة وضع قانون تنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية .و كذا التوصية 15 التي أكدت على ضرورة وضع القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة فروح و منطق الدستور حاضر في هذا الميثاق في العديد من المقتضيات منها كذلك ضمان تمثيلية شاملة و فعالة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية .

رابعا : اعتبار التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و الإدارية و اعتماد المرجعية الدولية :

لقد شهد العالم خلال العقد الأخير مجموعة من التحولات على سائر المستويات لدرجة أصبح معه هذا العصر يتسم بالمنافسة و السرعة. و عليه فالدولة التي لا تطور مؤسساتها وفقا لهذا الاعتبار ستواجه مجموعة من التحديات , و بما أن قطاع العدالة يعتبر قطاعا حيويا فقد تم إدراجه في ركب هذه التطورات حيث تم اقتراح في إطار الرؤيا العامة لإصلاح منظومة العدالة وضع أسس لمحكمة رقمية منفتحة على محيطها و على المتقاضين , و التعميم التدريجي لاستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في إدارة المحاكم , و في علاقتها بالمتقاضين و المهنيين , مع سن المقتضيات القانونية اللازمة لذلك , لاسيما من أجل :

-إنجاز الإجراءات و تبادل المستندات و التواصل مع المتقاضين و المحامين و باقي مساعدي العدالة بالطرق الإلكترونية المضمونة , بما في ذلك اعتماد التوقيع الإلكتروني .

-إحداث الملف القضائي الإلكتروني .

و كذلك العمل على التشجيع إلى اللجوء إلى الأليات البديلة لحل المنازعات . فكل هذه الأحكام تعبر عن إدراك الهيئة العليا للتحولات التي طرأت على مستوى فنون التدبير الإداري . بالإضافة إلى اعتماد الميثاق المرجعية الدولية و هو ما أكد عليه بصفة صريحة في الديباجة و هكذا نجده قد اعتمد مبادئ بنغالور بشأن السلوك القضائي لسنة 2002 التي تشكل تجديدا هاما في مجال التفكير في استقلالية السلطة القضائية , هذه الأداة مكونة من ستة مواد , تعلن كل مادة منها قيمة في شكل تطبيقاته المختلفة , أما القيم الست المذكورة في الميثاق فهي : الاستقلال (التوصية رقم 1)الحيادية و النزاهة (التوصية رقم 42إلى 48 ) و الملائمة و المساواة و الكفاءة ( التوصية رقم 157 إلى 159) .

ب)أهم خصائص الميثاق : لقد تميز هذا الميثاق بمجموعة من الخصائص سواء على مستوى الشكل أو على مستوى المضمون :

أما على مستوى الشكل : فيتميز بتبويب محكم و منهجي اعتمد على مقاربة تشاركية من حيث الإعداد و التحضير كما أنه اعتمد منهجية عقلانية تنبني بالأساس على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية و الفرعية و هو ما يوضح بجلاء اعتماده تقنية التدبير و العمل وفق الأهداف و البرامج محددة وفق إطار زمني محدد . غير أنه تميز من جهة أخرى بعدم الواقعية و الالتزام فمثلا بالرجوع إلى المخطط الإجرائي نجد أن القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة مبرمج له زمنيا في سنة 2014 و الأن نحن في سنة 2015 و لم يخرج إلى حيز الوجود أغلب هذه التوصيات المنصوص عليها في الميثاق . فرغم أنه من الناحية الشكلية تميز بالتنظيم في الأولويات و الأهداف إلا أنه إذ لم يتم الالتزام بتحقيق هذه الأهداف ستفرغ كل هذه الإيجابيات من محتواها .

أما على مستوى المضمون : فالميثاق يتميز بالشمولية و التأطير الشامل لمجموع مكونات العدالة بحيث تحدث عن السلطة القضائية و سبل النهوض بها و كذا عن تأهيل المهن القانونية و القضائية إضافة إلى ضرورة تحديث الإدارة القضائية و العمل على تطوير أدائها و فعاليتها كما حث من جهة أخرى على تعزيز حماية القضاء للحقوق و الحريات كهدف رئيسي ثالث منها تطوير أليات العدالة الجنائية و كذلك تناول تخليق منظومة العدالة و هو ما يجعله وثيقة متعددة الأبعاد و الأهداف .

المبحث الثاني : التوجهات الكبرى للميثاق من خلال الأهداف الاستراتيجية بشأن استقلالية السلطة القضائية و مكانة الامن القضائي و القانوني في الميثاق.

مما لا شك فيه أن تحقيق مبدأ استقلالية السلطة القضائية على المستوى الدستوري و القانوني و الفردي يشكل مدخلا أوليا و أساسيا لإصلاح منظومة العدالة , و عليه فباستقراء مقتضيات الميثاق يتضح لنا أن ذات المبدأ تم اعتباره الهدف الأول لهذا الإصلاح الشامل و ذلك هديا على التوجيهات الملكية في هذا الباب ( المطلب الأول ) كما أن تحقيق أمن المواطن أصبح في ظل الدولة الحديثة في صلب السياسات العمومية و خصوصا إذا تعلق الأمر بالأمن القضائي الذي يشكل دعامة أساسية في بناء دولة الحق و القانون , فإلى أي حد كان حاضرا هذا المفهوم في ضوء هذا الميثاق ؟(المطلب الثاني ).

المطلب الأول : التوجهات الكبرى للميثاق من خلال الأهداف الاستراتيجية بشأن استقلالية السلطة القضائية .

إن أي إصلاح لمنظومة العدالة يجب أن ينطلق بداية من الركائز الأولية التي تتأسس عليها منظومة العدالة و المتمثلة في تكريس استقلال فعلي للسلطة القضائية , على اعتبار أن التوجه الدستوري في هذا المجال كان واضحا بحيث نص فصله 107 أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية و التشريعية , كما أن استقلال السلطة القضائية بالمفهوم الدستوري مفاده عدم خضوع القضاة في أدائهم لمهامهم لسلطان أو تعليمات أي جهة أخرى و أن يكون عملهم القضائي خاصا و محايدا طبقا لما يقضي به الشرع و القانون و الضمير العادل دون أي تأثير كيفما كانت طبيعته من طرف أي جهة كيفما كانت . لذلك فالقائمين بالميثاق كانوا مدركين للوضع الدستوري والقانوني القديم الذي كان يكرس تبعية القضاء للسلطة التنفيذية و هذا ما يتضح جليا في الجزء الأول من الميثاق المخصص لتشخيص الوضعية الراهنة حيث أنه من بين الاختلالات التي كان يعرفها الوضع السابق على دستور 2011 على مستوى استقلالية السلطة القضائية و في مقدمة ذلك تبعية النيابة العامة لوزارة العدل هذه الأخيرة التي تشرف أيضا على تدبير المسار المهني للقضاة , فالمقتضيات السابقة كانت تعطي لوزارة العدل الإشراف الكلي على القضاء مما يفرغ مبدأ استقلالية السلطة القضائية من محتواه الدستوري و الكوني .

لذلك كان الهدف الرئيسي الأول للميثاق هو توطيد استقلالية السلطة القضائية الذي يرمي إلى ضمان مقومات استقلال القضاء و كفالة حسن سير العدالة و تكريسا لحق المواطن في الاحتماء بالقضاء المستقل المنصف .

و لبلوغ هذا الهدف الأساسي تم وضع مجموعة من الأهداف الفرعية لأجل تحقيق استقلالية السلطة القضائية و ذلك من خلال الأليات التالية :

-على المستوى المؤسساتي : تم تقرير وضع القانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية و تكريس الاستقلال المالي و الإداري للمجلس عن طريق وضع ميزانية خاصة للمجلس . كما تم تقرير إحداث مفتشية عامة للمجلس يسيرها مفتش عام مما يحتم نقل وثائق المفتشية العامة لوزارة العدل إلى المفتشية العامة للمجلس و طبقا للتوصية رقم 27 فإنه سيتم إناطة مهمة التحري و التحقق و المراقبة بالمفتشية العامة للمجلس بالشكل الذي يمكن من تقييم سير المحاكم و أساليب أداءها و توحيد مناهج العمل بها و الكشف عن الاختلالات المهنية بهدف تقويمها , و اقتراح الإجراءات الكفيلة بالرفع من النجاعة القضائية . أما بشأن النيابة العامة فقد تم تخصيص لها الهدف الفرعي السابع و التوجه الذي سار عليه الميثاق في هذا الجانب أنه أسند بموجب التوصية رقم 37 رئاسة النيابة العامة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض , أما دور وزير العدل سيظل محايدا للنيابة على اعتبار أنه سيقتصر دوره على تبليغ مقتضيات السياسة الجنائية للوكيل العام لدى محكمة النقض بكيفية كتابية و أن الوكيل العام هو الذي سيعمل على تبليغ التعليمات الكتابية القانونية إلى الوكلاء العامين للملك كما أن الميثاق خلق ألية للمراقبة و التقييم من خلال التوصية رقم 41 الذي جاء فيها يقدم الوكيل العام لدى محكمة النقض تقريرا سنويا إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية و سير جهاز النيابة العامة و يكون موضوع نقاش داخل المجلس . إن استقراء هذه المقتضيات بالتحليل و الدراسة يفضي إلى القول بأن توجه الميثاق الذي سهر على تقريره مختلف مكونات العدالة و المجتمع المدني و الفقهاء و جامعيون هو استقلال النيابة العامة . لكن الغريب في الأمر هو أن هناك شبه انقلاب على هذا التوجه الدستوري الخالص من طرف الأغلبية البرلمانية و بعض الكتابات الفقهية .الذين ينادون بضرورة تبعية النيابة العامة لوزارة العدل , و هذا ما يطرح عدة تساؤلات و إشكالات هل تقرير استقلالية النيابة العامة كان عبثيا في الميثاق بمعنى كان أمرا غير مدروس و هذا أمر غير مقبول من طرف هيئة مكونة من ثلة من الفقهاء و القضاة ؟؟ أم هناك عدم الثقة في قدرة قضاة النيابة العامة على قيادة المرحلة الانتقالية ؟ و ردا على هذا نقول أن المغرب يتوفر على ثلة من الكفاءات القضائية العالية التي تستطيع قيادة المرحلة بكل تميز و نجاح و عوض أن نقول بأن هذا الجهاز لا يتوفر على إمكانيات بشرية و مادية من أجل استقلاليته عن الوزارة يجب التفكير في وضع الإمكانيات اللازمة لتحقيق هذه الاستقلالية , على اعتبار أن السير في التوجه تبعية النيابة العامة للوزارة يعني لا محالة فشل هذه المرحلة الانتقالية و عدم الرغبة و القدرة لتحقيق أهداف الميثاق . و هناك من يقول بأن التوجه الدستوري سار في اتجاه تبعية النيابة العامة للوزارة فهل هذا صحيح ؟؟ نقول في هذا الباب أنه بقراءة الأحكام العامة للدستور نستنتج أن المشرع الدستوري أراد رفع يد الوزارة بالكامل عن القضاء و يتجلى هذا في كون الفصل 115 ألغى عضوية وزير العدل من المجلس الأعلى للسلطة القضائية و من جهة أخرى نجد أن الفصل 110 الذي تضرع به البعض لم يقل حرفيا بأن قضاة النيابة العامة يلتزمون بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن وزارة العدل بل قال عن السلطة الذي يتبعون لها و بالتالي فتحديد هذه السلطة يجب أن يستند إلى مجموعة من المعايير و القواعد العامة المتمثلة في استقلالية السلطة القضائية المنصوص عليه في الفصل 107 وبما أن قضاة النيابة العامة جناح السلطة القضائية فلا يمكن فصله عن هذه الاستقلالية . هذا بالإضافة إلى أن الفصل 55 من الدستور جعل الاتفاقيات الدولية تسمو على القوانين الوطنية بمجرد المصادقة عليها و حيث أن مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد في هفانا في سنة 1990 قرر معايير الأمم المتحدة حول دور المدعي العام , باعتبارها مبادئ توجيهية تم إعدادها لمساعدة الدول الأعضاء في مهامهم المتمثلة في ضمان و تعزيز فعالية أعضاء النيابة العامة و حيادهم و عدالتهم في الإجراءات الجنائية و بالتالي يجب الالتزام بهذه المبادئ . كما أن الفصل 23 من الدستور نص على قرينة البراءة و الحق في المحاكمة العادلة مضمونان و أن هذه المبادئ لا يمكن تحقيقها عن طريق هيئة سياسية تعمل وفق ما تمليه عليها أحزابها السياسية فهذا الأمر أثبت فشله و يجب إعادة النظر في هذا التوجه. كما أن هناك من يقول بأنه في حالة جعل النيابة العامة تابعة للوكيل العام فلا يمكن محاسبتها ؟؟ نقول في هذا الباب أن المشرع الدستوري أعد لهذا السؤال جوابا شافيا في الفصل 113 و هو أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يصدر بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان أراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط و أن القول بخلاف هذا يقع تحت طائلة مخالفة روح و فحوى الوثيقة الدستورية التي صادق عليها الشعب المغربي.

-على المستوى الفردي : و ذلك تنفيذا لمقتضيات الدستور بشأن وضع قانون تنظيمي متعلق بالنظام الأساسي للقضاة إضافة إلى ضرورة النهوض بالوضعية الفردية و المادية للقضاة و إسناد اتخاذ القرارات المتعلقة بالمسار المهني للقضاة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية و كذا وضع معايير واضحة لتقييم أداء قضاة الحكم و النيابة العامة من درجة لأعلى و وضع ضوابط قانونية بشأن تأديب القضاة .

المطلب الثاني : مكانة الأمن القضائي في ميثاق إصلاح منظومة العدالة :

انطلاقا من الفصل117 من الدستور الذي نص على أن القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص و الجماعات و حرياتهم و أمنهم القضائي و تطبيق القانون .و أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و عن مصالحه التي يحميها القانون . فقد جعل الميثاق حماية حقوق المتقاضين الهدف الرئيسي الثالث و ذلك من خلال نهج سياسة جنائية جديدة مرتكزة على الحقوق الدستورية و الاتفاقيات و الأوفاق الدولية و كذلك إرساء سياسة عقابية جديدة مرتكزة على أسس قانونية و شرعية واضحة .

و علاوة على هذا فقد كان من أهم توصيات الميثاق الرفع من جودة الأحكام القضائية و ضمان الأمن القضائي و ذلك من خلال اعتماد اليات تمكن من توحيد الاجتهاد القضائي و الحد من تضاربه عن طريق نشر الأحكام القضائية و إعداد الوسائل الكفيلة لضمان جودتها و ذلك بالاهتمام بالتكوين التخصصي و المستمر للقضاة . ومن أهم المقتضيات التي جاء بها الدستور في هذا الجانب هو ما كرسه الفصل 122 من أنه يحق لكل متضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة .و قد وضع الميثاق ألية لتنفيذ هذا المقتضى عن طريق سن نص قانوني خاص ينظم مسطرة التقاضي بشأن التعويض عن الخطأ القضائي . كما نص الميثاق على تطوير نظام المساعدة القانونية و تحسين ظروف استقبال المواطنين و المواطنات بالمحاكم و تعميم المعلومة القانونية و القضائية و ذلك عن طريق إحداث نظام وظيفي خاص بالموظفين المكلفين بالاستقبال بالمحاكم .

خاتمة :

إن ورش إصلاح منظومة العدالة يعتبر بحق من أهم الأوراش الإصلاحية الكبرى الذي خاضها المغرب , و التوجه نحو إقرار ميثاق للإصلاح الشامل لمنظومة يعد في حد ذاته لبنة أساسية في سبيل تحديث المنظومة القضائية و عقلنة تدبير الشأن القضائي . فالميثاق جاء بمقتضيات مهمة من شأن الالتزام بها و العمل على تحقيقها إحداث إصلاحات مهمة في سبيل تقوية السلطة القضائية و تخليق منظومة العدالة و تعزيز حماية القضاء للحقوق و الحريات و الارتقاء بفعالية و نجاعة القضاء و إنماء القدرات المؤسسية للقضاء و تحديث الإدارة القضائية و تطويرها إلا أن نجاح أهداف هذا الميثاق رهين بعنصرين اثنين أولهما مدى التزام القوانين التنظيمية بمقتضيات الميثاق و توجهاته الإصلاحية الكبرى و ثانيهما ضرورة التشبع بروح الإصلاح و الرغبة القوية في النهوض بقطاع العدالة خصوصا و المجتمعي عموما .و هو ما سيكون له وقع كبير على جميع مكونات المجتمع المغربي. فكل هذه المعطيات مرتبطة بالأساس بمدى التزام الدولة و جميع الفاعلين القانونين و القضائيين و السياسيين و الاقتصاديين و المواطنين بهذه الأهداف . لما لذلك من أثر كبير على مستقبل البلد . و تجب الإشارة ختاما أن العنصر الحاسم الذي يظهر الرغبة الحقيقية في الإصلاح هو التدابير العملية و الفعلية عن طريق الممارسة و العمل في سبيل استقلالية القضاء , كما أن نجاح ما يسمى بالمرحلة الانتقالية رهين بحسن تطبيق و تفعيل و تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالموضوع و أنه كما قال الملك محمد السادس ( مهما تكن أهمية الإصلاح , و مهما عبأنا له من نصوص تنظيمية و أليات فعالة فسيظل الضمير المسؤول للفاعلين فيه , هو المحك الحقيقي لإصلاحه بل و قوام نجاح هذا القطاع برمته ) .

 

(محاماه نت)

إغلاق