دراسات قانونية
تأثير البنك الدولي على الأمن المائي العربي (بحث قانوني)
تأثير البنك الدولي على الأمن المائي العربي
د. حليمة حقاني، أستاذة محاضرة بكلية العلوم السياسية و العلاقات الدولية، جامعة الجزائر 3.
Abstract:
The international variables whether political or economic have influenced Arab security and its stability and the political map of the Arab states in cases of war and peace, especially with regard to the issue of Arab water. The policies of the World Bank do not agree in many points with national security Arab and especially water security, which requires working smartly and flexibly with this type of international institutions, which is one of the new and indirect weapons to break up the Arab countries and make them live in perpetuity to subservience the Western system, which is not known and did not seek political benefits through the historical census, N Arab countries to adopt the bloc’s policy and autism in the form of mutual accreditation Arabic to make Arab water is a common affair and the right of the Arabs.
Water security will occupy the importance that military security has occupied in the traditional, realistic proposition whereby military means will be used in a variety of traditional, modern or contemporary nuclear weapons to protect water assets and build water security.
مقدمة:
الماء هو مصدر أساسي للإستهلاك والحياة في شق متفق عليه كذلك أحد الأبعاد الأمنية والجيوسياسية وبقدر ما هو نقطة أساسية في الصراع الحدودي والنزاعات مما ينطبق عن المنطقة العربية ويضيف لذلك التغير الإيكولوجي للبيئة الجغرافية التي في معظمها تعرف الشح البيئي من الجفاف و التصحر و عدم ثبات المجاري المائية والتلوث إلى جانب محدودية الموارد و المياه الجوفية
وما يزيد المعضلة تعقيدا هو نقص الوعي السياسي والاقتصادي العربي بأهمية الماء من الناحية الجيوسياسية في بيئة من التنافس الإقليمي للهيمنة على الذهب الأزرق وكذا ميوعة التدخل الأجنبي الرسمي من طرف المنظمات الغير حكومية مثل مؤسسات البنك الدولي والشركات المتعددة الجنسيات والتدخل الغير رسمي من الوحدات السياسية العالمية المهيمنة.
على هذا الأساس تركز هته الدراسة عن مصير الأمن المائي العربي في ظل التغيرات الدولية الواضحة التي لا تخدم العالم العربي الذي يعرف عدم الثبات والتغير السياسي الغير مستقر والتخلف الاقتصادي المشهود و كذا الغبن المجتمعي مما يعني سهولة التدخل الأجنبي و على هذا الأساس نطرح الإشكال التالي:
ما مدى تأثير تدخل البنك الدولي على الأمن المائي العربي؟ هل تعتبر أداة لحل المعضلة المائية العربية أم جزء منها؟
ومن أجل تحصيل منفعي أكبر ندعمه بالفرضيات التالية:
تغير سياسة البنك الدولي وفقا لتغير السياسة الدولية.
تعامل البنك الدولي مع المياه العربية بعد التسعينات بشكل زاد من المعضلة المائية.
تسعيرة المياه العربية تضيق من الأمن المائي العربي وتكسر المعاهدات القانونية المائية.
بناء استراتيجية أمن مائي عربي عربي موحد هو ضرورة يفرضها الواقع الإقليمي و الدولي.
1- أثر المتغيرات الدولية على الأمن العربي:
يعد بروز الرأسمالية المعاصرة في أشكالها التجارية و الصناعية و المالية و تطوير قوى الإنتاج من خلال العلم و التكنولوجيا، و تفشي ظاهرة العولمة بكل المقاييس جعل القوى الكبرى و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على الهرم الدولي وبالمقابل تقييد دول العالم الثالث التي تنتمي له الدول العربية للتمتع بأدوات الاستقلال الحقيقي و حماية أمنها القومي و استقرارها السياسي مما يجعلها تعيش حالة التبعية المبرمجة للنظام الرأسمالي بتأثير السياسات الانفتاحية الواجب اعتماداتها.
نظرا لحاجات العالم العربي السياسية والاقتصادية للمؤسسات الدولية و على رأسها البنك الدولي في شكل ديون خارجية ومعونات و قروض و الحاجة إلى بلوغ مراتب من الأمن الغذائي و التدخل في أوضاعها السياسية الداخلية العامة.
إن التغير في طبيعة و مكونات الأمن أدى إلى بروز المقاربة الموسعة للأمن حيث تم إدراج الأمن البيئي في الأجندة الأمنية الجديدة للدراسات الأمنية الدولية و العلاقات الدولية ككل كموضوع أكاديمي و كقضية سياسية بالغة الأهمية،[1] و من فقهاء الأمن الدولي الذين دعموا هذا المفهوم بشكل كبير المفكر الأمني الدولي ” باري بيوزن” الذي أدرج الأمن البيئي كقطاع مهم من قطاعات الأمن الدولي الخمسة الهامة و له دور مساوي للأمن العسكري و السياسي و الاقتصادي و المجتمعي ضمن الحوار النقدي للدراسات الدولية؛[2] لذا ستشكل الضغوط البيئية و الديموقراطية مجموعة المشاكل الاستراتيجية في المستقبل التي سماها ” روبرت كابلان” ” الفوضى القادمة” المتمركزة بشكل موسع في العالم النامي و على رأسها مشكلة المياه لذا يرى خبراء الأمن الطاقوي و مدى تأثيرها على النظام الدولي ” كان النفط هو المسيطر على الجغرافيا السياسية للموارد و لكن في المستقبل يحتل الماء هته المكانة”[3].
ينطبق التهديد البيئي و على رأسها مشكل المياه على الدول العربية لأنها:
يشير برنامج الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية لعام 2007/2008 حول المناخ أن منطقة الشرق الأوسط سوف تتعرض لندرة المياه و لخسائر كبيرة في درجة توافر المياه نظرا للجفاف و التصحر، و بحلول عام 2080 سيعيش 1.8 مليون شخص إضافي في بيئة نادرة المياه.[4]
و في ظل هذا الوضع الدولي الغير مستقر تشير الدراسات أن يصل عدد سكان الوطن العربي عام 2025 إلى 490 مليون نسمة مع العلم أن نسبة 85 % من سكان الوطن العربي يعيشون دون خط الفقر المائي المعروف ب 1200 متر مكعب في السنة و يصل عدد الدول العربية التي تعيش تحت هذا الحط ب 19 دولة [5]، و ما يزيد من تعقيد المعضلة المائية العربية هو تقاسم هته المياه مع بلدان مجاورة غير عربية مما يجعل العالم العربي يفقد السيطرة الكاملة على منابع مياهها.
بالاضافة الى ان ” منطقة الشرق الاوسط و شمال افريقيا هي المنطقة الاشد ندرة للمياه على مستوى العالم حيث يعيش نسبة 60 % من سكانها في مناطق تعاني من اجهاد كبير جدا للمياه السطحية، تدعيما لذلك في المنتدى الاقتصادي العالمي 2015 ان ازمة المياه في المنطقة العربية اعظم من عدم الاستقرار السياسي او البطالة”[6]
نظرا لارتباط التهديد المائي بالأنواع الأخرى من التهديدات التي تجعل الدولة تعيش في حالة اللاطمأنينة أو الوصول إلى درجة الدولة الفاشلة يتطلب من هته الدولة خاصة من الدول النامية و الدول العربية بالتحديد طلب المساعدة من المؤسسات الدولية الهامة من أجل تحقيق حالة الأمن في شكل قروض أو إستثمار لمشاريع أجنبية لدعم الاقتصاد المحلي و من أهم المؤسسات هي البنك الدولي:
باعتباره أحد آليات النظام الدولي الاقتصادي تعمل على تمويل مشاريع التنمية للدول النامية و الفقيرة و مساعدتها ماليا، نشأ عن اتفاقية بروتن وودز في الأربعينات.
يعد البنك الدولي من أكثر المؤسسات التنموية نفوذا في العالم في شكل مؤسسة اقتصادية عالمية مسؤولة عن إدارة النظام المالي الدولي و الاهتمام بتطبيق السياسات لاقتصادية و تحقيق التنمية لدول الأعضاء، و من أحد الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة تتكون من 188 دولة و تتضمن مجموعة ” البنك الدولي للانشاء و التعمير، وكالة التنمية الدولية، وكالة التمويل المالي، وكالة ضمان الاستثمار المتعدد الأطراف”.
يقدم البنك الدولي قروضا سنوية بين 20 و 28 مليار دولار للدول النامية حيث تعتبر جمهورية مصر العربية هي ثامن دولة في الترتيب العالمي ب: 1130 مليون دولار بعد ” الهند، الصين، تركيا، البرازيل، الإتحاد الروسي، المكسيك، نيجيريا”[7].
فيما يخص منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط وافق البنك الدولي على منحها عام 2014: 2.8 مليار دولار و 199 مليون دولار من المؤسسة الدولية للتنمية و لتوضيح أكثر للعلاقة المحتمة بين العالم العربي و البنك الدولي و ما يترتب عبى ذلك من تبعية في المجاللات المختلفة هو إرتفاع نسبة القروض المقدمة من البنك الدولي للمنطقة العربية من 2012 إلى 2014:[8]
الإرتباطات ( بملايين الدولارات) | المدفوعات ( ملايين الدولارات) | ||||||
السنة المالية | 2012 | 2013 | 2014 | 2012 | 2013 | 2014 | |
البنك الدولي للإنشاء و التعمير | 1433 | 1809 | 2588 | 1901 | 1786 | 1666 | |
المؤسسة الدولية للتنمية | 80 | 249 | 199 | 102 | 200 | 273 |
البنك الدولي، التقرير السنوي 2014، مجموعة البنك الدولي.*
الواقع الاقتصادي و السياسي الدولي يعطي صورة مغايرة للبناء القانوني لمؤسسات البنك الدولي الذي يدل على المسائلة و الشفافية بل أصبح يدافع عن مصالح الدائنين من الدول الكبرى بل و حتى دائنين تجاريين و محوريين مما يجعل هته الأخيرة تملي السياسات الاقتصادية على الأطراف المدينة و قد تصل إلى درجة الإستثمار الغير مثمر للقروض و التكدس الآلي للديون مما يتطلب ” التكيف و ” إعادة الهيكلة”[9]، ونتيجة لذلك تخفض الدول الإنفاق الحكومي و التوجه لسياسة تحرير التجارة وسياستها المالية و خوصصة الشركات ذات الملكية العامة مما يجعل أهمية الأمن الاقتصادي والأمن القومي للدول يعرف تذييق كبير لارتباطها اللامحدود بهته المؤسسات المالية العالمية.
التطورات التي عرفتها السياسة الدولية عموما و السياسة الاقتصادية بشكل خاص جعلت الدول العربية كأجزاء من العالم الثالث تعاني من معضلة التبعية الاقتصادية و المالية التي تطورت إلى الإملاءات السياسية و المجتمعية للعالم العربي تحت مسمى الديموقراطية و الحكم الراشد و حقوق الإنسان.
2- مسار سياسة البنك الدولي اتجاه المياه العربية:
نظرا لاعتبار البنك الدولي من أقوى المؤسسات الاقتصادية الدولية المالية الأمر الذي يجعله من أولى المنظمات التي لها دور هام في تحديد متغيرات الصراع على المياه في العالم العربي أو التعاون المائي بين الأطراف المعنية، خاصة و أن الإمكانيات المائية العربية تعرف الكثير من التباين مما يؤثر على نوع و حجم المشاكل التي قد تنشأ عن الأطراف المشتركة سواء أكانت أنهار أو مياه جوفية أو بحيرات و حتى ممرات مائية مختلفة.
عرفت السياسة المائية العربية الكثير من التطورات التي حددها البنك الدولي خاصة في تمويله لمشاريع الماء أو حل مشكل مائي بين أطراف عربية و أخرى غير عربية، و قد تماشى هذا التطور مع تغيير سياسة البنك الدولي و تاثره إلى حد كبير مع السياسات الغربية خاصة العالية الأصوات التي لها نصيب كبير من الرأسمال في مخزون البنك الدولي مثل الولايات المتحدة الامريكية و فرنسا و اليابان، مع العلم أن هدف البنك الدولي هو المساعدة في تنمية الدول النامية أو الفقيرة و ترشدها في استخدام مواردها بشكا كفء و لكن الواقع الاقتصادي و السياسي للمؤسسة هو توفير الظروف الملائمة لتغلغل الرأسمال الأجنبي في المنطقة العربية.
مرت سياسة البنك الدولي في التعامل مع قضايا الماء الدولية والإقراض الخاص بها بعدة مراحل أهمها:
المرحلة الأولى: عرفت بفترة الخمسينات و هي نقطة البداية بالنسبة للبنك الكثير من الحذر و التعامل المتخصص مع القطاع المعين، حيث أنه كان يحترم كثيرا الجمع بين المقاربة الاقتصادية و التعاونية و القانونية من خلال التساوي في تدعيم المشاريع المائية لكل الأطراف التي تطلب ذلك باعتباره مؤسسة دولية تضمن الإستثمار الناجح، و كان التركيز على المشاريع المائية التي ليست لها علاقة بالمنازعات الإقليمية و بالتالي علاقة البنك الدولي بالمقاربة السياسية في هته المرحلة كانت غير متداخلة و بعيدة عن إعتبارات بعض الدول و مصالحهم،[10] كما ركز البنك في هته المرحلة على مشاريع البنية الأساسية و الطاقة بينما لم تحظ مشاريع الخدمات الاجتماعية و الزراعة بأكثر من 10%.[11]
المرحلة الثانية: استمرت المرحلة حتى عام 1993 عرفت فيها المياه أهمية أكبر للبنى الإقليمية العربية لكمية كبيرة من الماء وزيادة أطماع الأطراف الأجنبية على هته المادة الطاقوية الهامة في التجارة والصناعة وحتى ضرورات العيش و التنمية بصفة عامة، مما جعل البنك الدولي يتعامل بأكثر حذر مع الأطراف المعنيةو زيادة التوتر الدولي و التغير الاقتصادي المشهود مع ذلك اعتمد البنك الدولي على الخطط التالية:
معاملة المشاريع في حطة واحدة من خلال الجمع بين النهر وحوضه في وحدة واحدة.
ضرورة موافقة كل الأطراف على المشروع المائي.
إحترام المبدأ القانوني بالحقوق المكتسبة.
التعامل مع المشاريع وفقا لخصوصياته و آثاره مما يعكس طابع مرونة سياسة البنك.
حيث واجه البنك الدولي الكثير من العراقيل نظرا لعدم اعتراف بعض الأطراف المتشاركة على وجود موضوع التشاطؤ و إشكالية العلاقة بين دول النهر و الحوض المائي الواحد، و رفض الإعتراف بالضرر المحتمل للدول المشاطئة ما يخلق حالة التصادم و بناء معضلة أمنية للمياه،[12] هاذا ما كان واضحا بين أثيوبيا و مصر، وتركيا و العراق حول نهري النيل و الفرات.
المرحلة الثالثة: بدأت من سنة 1993 أظهر البنك الدولي الكثير من التغيير في مساره و خططه الاقتصادية مع المتعاملين و الخروج الملحوظ عن الإتجاه المحافظ خصوصا في الجانب القانوني و المشترك، و في المقابل الاعتماد على خططه الخاصة و سياساته المقترحة و المفروضة على الأطراف المعنية خاصة في اطار المياه التي تعتمد على الكثير من الميل لأطراف على حساب أطراف أحرى، و تغليب المقاربة السياسية للتعامل مع القضايا الاقتصادية و إبراز أثر الدول الكبرى على مؤسسة البنك الدولي وتأثيرها على علاقاته و قراراته، مثلا: ميل التعامل الأمريكي مع إسرائيل و أثيوبيا كشريكين في منطقة النيل و القرن الإفريقي للتضييق السياسي و الأمني للدول العربية خاصة في عهد حكم بوش الإبن منذ 2000 باستخدام أثيوبيا كورقة أمنية في منطقة القرن الإفريقي و الإقليم العربي و دورها كقائد مركزي للتحكم في الدول المطلة على النهر مقابل بناء قاعدة عسكرية أمريكية لفرض السيطرة على دول حوض النيل.
و بالتالي يحذو البنك الدولي سياسة تتوافق مع السياسة للولايات المتحدة الأمريكية من خلال السياسة المائية الجديدة في الشمال الإفريقي و الشرق الأوسط من أجل السيطرة على الشرق الأوسط الكبير، لذا كشفت “مادلين أولبرايت” عن دوافع هته السياسة بتصريحاتها في جانفي 1998 ” لا ينبغي أن تترك منطقة شمال إفريقيا دون توجيه استراتيجي أمريكي يحول دون قيام عدة دول إسلامية في المنطقة” [13].
في هته الفترة تخلى البنك الدولي عن قانون التحيز و الشفافية في التعامل مع الأعضاء خاصة الدول المقترضة، حيث أعتمد البنك على الكثير من الشروط لمنح القروض و التعامل مع الدول النامية في مجال المياه حسب الموازنات السياسية والاقتصادية التي وصفت بالخطيرة حتى وصلت إلى تهديدات سياسية من خلال فرض استراتيجية للمياه في الوطن العربي تتوافق مع استراتيجية و شروط البنك الدولي و ليس العكس.[14]
سياسة البنك الدولي هي صورة تعكس المصالح الغربية و الإسرائيلية في المنطقة العربية و الشرق الأوسط خصوصا و قد أدى التداخل بين الدول الكبرى و الدول المشتركة التابعة إلى طرح البنك سياسة تسعير و بيم المياه و كذا خصحصة المياه وتحديد بورصة المياه و تجسد ذلك في عام 1993 بوضع البنك شروط لنح القروض والتعامل مع الدول النامية في مجال المياه،[15] و قد تأثرت الدول العربية كثيرا من هته السياسة كونها تعاني من معضلة مائية واضحة نتيجة تشاركها الجيوبوليتيكي مع دول متصالحة مع السياسة الأمريكية مثل إسرائيل.
3 -تقييم سياسة تسعير المياه و بيعها على الأمن العربي:
عمل البنك الدولي في طرح أمني جديد لمشكلة المياه تحت مسمى ” الفكر المائي الجديد” [16] و أعد هذا الإقتراح ” فرانكلن فيشر” في معهد ” ماسا شوستس للتكنولوجيا” وتجسد الطرح في قمة الأرض سنة 1992 بريوديجانيرو حيث يتم توزيع الموارد المائية من خلال ( إدارة الطلب) بمعنى استخدام الأسعار و القيود على الكماليات للحد من الطلب على المياه من خلال العمل بسياسة ” تسعير المياه” و التي تعني العملية التي تتم بموجبها تحديد سعر المياه بشكل يحقق توازن العرض و الطلب و يساوي التكاليف الحقيقية باستخراجها بالنظر إلى قيمتها في الإستعمالات العامة.[17]
تقوم سياسة تسعير المياه على فتح صندوق مشترك لكل الدول المشاطئة لمجرى مائي دولي حساب يسجل فيه ثمن الماء الدولي الذي لديها على أساس أن قيمة المتر المكعب تعادل أرحص قيمة الماء الذي نستهلكه، و تحتسب هته القيمة من حصة الدولة في الصندوق المشترك إما ان يكون الحساب سلبيا فتدفع الدولة الفرق أو إيجابيا فتحصل عليه الدولة و تحدد العملية بالحصص المختلف عليها و ليس على مجموع المياه.
إن المساهمات المالية التي تدفعها الدولة مشاطئة إلى دولة أخرى من أجل تشييد سدود أو حماية المياه من التلوث أو من أجل الحصول على معلومات فنية أو لحساب الإدارة المشتركة في المياه لا علاقة لها بالثمن التقديري للمياه التي تحصل عليها الدولة المعنية، أو دفع تعويض مالي لخسائر تكبدتها دولة مشاطئة بسبب إجراء يتعلق بالمياهو حتى في ممارسات الدول و لا في معاهداتها أية إشارة إلى مبلغ مالي يدفع مقابل المياه التي تجري من أراضي دولة إلى أراضي دولة أخرى.
اقتراح تسعير و بيع المياه ليس له أي سند أو مصدر قانوني دولي و لا يمكن أن يكون هناك قانون دولي يسري على جميع المجاري المائية، فالمعاهدات التي أبرمت حول المياه تنطبق على الحالات التي أبرمت من أجلها.
إن فكرة تسعير و بيع المياه لا سابق لها في تاريخ العلاقات المائية الدولية و لا يوجد أي معاهدة ثنائية أو متعددة الأطراف في هذا الصنف من المواضيع ، و لا أية ممارسة عملية و لا حتى مطالبة رسمية بممارسة حق البيع و لكن كانت التلميحات القليلة جدا و التي يمكن عدها و هي ” تسريح تركيا الصحفي أن الماء ثروة وطنية كالبترول و كما للدول العربية بترول لتركيا مياهها، حيث يمكن مقايضة الماء بالبترول و ليس لتركيا أن تتخلى عن مياهها كما ليس للسعودية أن تتخلى عن النفط”[18]، و لكن تركيا لم تذكر أية فكرة من هذا النوع من بيع الماء في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة و المؤتمرات الدولية للمياه و لا في تعليقاتها على تقارير لجنة القانون الدولي عن المياه في الجمعية العامة خلال الأعوام التي نوقشت فيها التقارير و لا في تعليقاتها الخطية المؤرخة في 25 جانفي 1993.[19]
وجود 300 معاهدة في القانون الدولي في مجال المياه الدولية إلى جانب التحكيم والقضاء و الوساطة الدبلوماسية المتمكنة تجعل تسعير الماء و بيعه أمرا غير وارد ولا يتناسب مع كل الأحواض الدولية لأن كل نهر له ميزاته الخاصة به و مسار متخصص، بل يستدعي الأمر النظر في المعاهدات السابقة و العمل على تطويرها وفقا للأوضاع الدولية الراهنة و التغيرات الإيكولوجية و الحاجات الاقتصادية للدول المشاطئة.
إذا كان هناك ممارسات دولة ما أو معاهدة أو معاهدات قليلة تعقد في تسعير المياه وبيعها أنها تعديل للقانون الدولي الحالي للمياه هذا غير كافي و لا يصل إلى درجة إشعار عن قانون دولي أو عرف لأن هذا الأخير يحتاج إلى مدة زمنية طويلة لنشوء قاعدة عرفية و ممارسات من دول حول قضية المياه تكون كثيرة و مختلفة.
تم رفض تسعير المياه و بيعها قانونيا و من طرف العديد من الدول و على رأسها العربية لأن المياه هي مورد اجتماعي جماعي ضروري للإنسان و الأساس الإيكولوجي للحياة، فالإنصاف في توزيع المياه بين الأطراف المعنية أمر واجب كملكية جماعية ويتوسع ذلك حتى لحق الأجيال القادمة من الماء،[20] و في حالة الحرب تتميز المياه و المنشآت الخاصة بها بحرمة دولية إذ يحضر تدميرها و التعرض لها نص عليها البروتوكول الأول لعام 1977 لاتفاقيات جنيف عن القانون الدولي الإنساني للمنازعات المسلحة.
يقوم القانون الدولي على ضرورة تطبيق مبدأ الاستخدام المنصف و عدم الإضرار بالغير خاصة بالنسبة للدول التي تقع عند أعالي مجرى النهر، و الدول التي تقع في أسفل مجرى النهر.[21]
على الرغم من وجود 40% من سكان العالم يعيشون على أحواض مشتركة و يوجد 214 حوضا مائيا مشتركا مما يقدم مدلول على رفض الدول العربية تسعير المياه وبيعها و أبدت ” مصر ” خاصة في العديد من المرات رأيها الرسمي الدولي في ذلك، لأن أكبر جزء من المياه العربية تأتي من خارج أراضيها، حيث تبلغ نسبة المياه ذات المصدر الخارجي على مجموع مياه دولة مصر ب: 90 % و بالنسبة لسوريا تقدر ب: 75 %.
لذا يقول الأستاذ الأمريكي ” جون كولارس” أن الحل لمواجهة قصور المياه المتوفرة لتلبية حاجات الشرق الأوسط هو تطبيق مباديء القانون الدولي لأن مشاكل المياه أعقد من أن تترك للاقتصاديين و المهندسين.[22]
و في ضوء ما تقدم يبين أن مبدأ تسعيرة المياه و تحديد قيمته المادية هو مبدأ مرفوض و موضوع و هذا ما أكدته الأمم المتحدة سنة 2010 و هي المصدر الأساسي للبنك الدولي حيث تعتبر توفير المياه النظيفة و الصرف الصحي من الحقوق الإنسانية الأساسية.
4- إستراتيجية أمننة المياه العربية:
سمحت العولمة و مصالح الغربية الاقتصادية إلى ميوعة كبيرة للتهديدات و المخاطر اللامحدودة و المتعددة الأبعاد على العالم الثالث و خصوصا العالم العربي في شتى المجالات، و ربط أي بعد سواء اقتصادي و اجتماعي أو بيئي أو ثقافي بالمعنى السياسي ليصب في طابع التبعية المحتمة مشروطية تطبيق مبادئ النظام الدولي الجديد و ذلك من خلال تسخير منظمات و مؤسسات فوق قومية التي أصبحت تعمل من أجل تحقيق ذلك و على رأسها مؤسسات البنك الدولي و التي فرضت سياسات وإملاءات خاصة مع الألفية الأخيرة تبين بوضوح انتمائها للمسار الغربي الأمريكي الواضح.
إن الوضع الدولي يحتم على الدول العربية بناء مسارات أمننة المصالح البيئية و النظم الإيكولوجية حيث أن المصلحة المشتركة العربية تتطلب حماية الإمكانيات المائية من أجل التقدم الاقتصادي و كذا متطلبات الأمن القومي العربي بصفة عامة، مما يستدعي بناء استراتيجيات أمنية موحدة مع العلم أن أكبر نسبة للقروض المقدمة من البنك الدولي و المؤسسة الدولية للتنمية توجه لإمدادات المياه و الصرف الصحي و الوقاية من الفيضانات ب: 6 %، و القروض الموجهة لإدارة الموارد الطبيعية ب: 10 %، وفقا لتقرير 2014.[23]
تتمثل أمننة المياه العربية في نشر الوعي و إدراك كل من صناع القرار العرب والمؤسسات الداخلية التابعة لها بأهمية الماء في تحقيق الأمن العربي و مستقبل العالم العربي في ظل التحديات المائية سواء من الطبيعة أو من الدول العربية الأخرى و غير العربية التي تنافس و تخلق مضايقات حقيقية للعالم العربي لذا لا بد من:
العمل المشترك و الوعي الجماعي لبناء مشروع عربي قومي مبني أساسا على التمسك بالحقوق المائية العربية و العمل الجماعي لصد أي طرف يحاول الإنقاص من هذا الحق و هنا نضيف لضرورة التعامل الأمني المعلوماتي المتكامل للعرب مع الأخذ بعين الإعتبار المصلحة المشتركة و المصير المشترك.
إنشاء شبكة عربية إقليمية و كذا المنظمات الإقليمية و الصناديق العربية لتقريب مطالب العالم العربي من بعضهم و ليس للأطراف الأجنبية، و تكثيف العمل مع المنظمات الإقليمية الغير عربية و الدولية لخلق بدائل عن مؤسسات البنك الدولي الموالية للغرب مثل منظمة التعاون الخليجي، الإتحاد الإفريقي، منظمة الدول الإسلامية و البنوك الإسلامية، الإتحاد الأوروبي.
العمل على بناء المشروع المائي العربي من خلال وفير القاعدة المعلوماتية حول مصادر المياه الحالية و المستقبلية خصوصا المياه الجوفية في العالم العربي و متابعة التحديث و كسب التكنولوجيا من الدول الغير عربية مقابل مثلا مادة النفط مثلا الحصول على الأقمار الصناعية التي تكشف عن المناطق التي تحوي مياه باطنية مخزنة، و الإستثمار ببناء السدود على الأنهار الدائمة الجريان، و تحسين شبكات الري و معالجة المياه و الصرف الصحي و تحلية مياه البحر للتخلص من ظاهرة الجفاف.
نشاط الشبكات الحقوقية العربية و مؤسسات المجتمع المدني من شمال إفريقيا والشرق الأوسط و مدى وعيها و إلمامها بالقوانين الدولية المائية و الإقليمية وإقتراح بدائل لمحكمة العدل الدولية و حضور الجلسات القانونية الدولية و طرح التغييرات الهامة التي تمس متطلبات الشعوب العربية و الأمن القومي و المائي العربي من خلال المسائلة و الوصول للمعلومات و الإطلاع عليها من طرف شبكات التفتيش المستقل من أجل كسر بيروقراطية مؤسسات البنك الدولي، ولما لا إصلاح الخلل الذي وصل له الوضع الدولي للخطط الاقتصادية منذ التسعينات.
الاتصال الامحدود و المتواصل للدول العربية مع مؤسسات القانون الدولي لمطالبتها بحقها الدائم من المياه الواقعة في إقليمها مثل محكمة العدل الدولية و”غرفة الشؤون البيئية” من أجل تطبيق الأحكام المائية و تحقيق الإنصاف والعدالة لحل الخلافات المائية دون اللجوء إلى الصراع مع الأطراف الأخرى كإسرائيل و تركيا.
سمي الماء بالذهب الأزرق يوزع في العالم بطريقة غير منصفة إذ توجد نسبة 60 % من المياه العالمية عند 9 دول، و لكن تعاني 80 دولة المتبقية من نقص في المياه الكافية أو الفقر المائي و 40 % من سكان العالم يحصلون على المياه الكافية.[24]
خاتمة:
تشير الرؤية الاستشرافية للأمن الدولي أن الأمن البيئي و في مقدمتها الأمن المائي سيحتل مكانة الأهمية التي كان يحتلها الأمن العسكري في الطرح الواقعي التقليدي حيث أنه سوف يتم استعمال الوسائل العسكرية بتنوعها من البناء التقليدي و الحديث أو المعاصر المكون من السلاح النووي لحماية الممتلكات المائية و بناء الأمن المائي.
أفرزت و ساهمت المتغيرات الدولية سواء السياسية أو الاقتصادية في التأثير على الأمن العربي و على استقراره و على رسم الخارطة السياسية للدول العربية في حالات الحرب و السلم، و تحديدا فيما يخص قضية المياه العربية إن سياسات البنك الدولي لا تتفق في الكثير من النقاط مع الأمن القومي العربي و خصوصا الأمن المائي مما يستدعي العمل بذكاء ومرونة مع هذا النوع من المؤسسات الدولية التي تعتبر أحد الأسلحة الجديدة و الغير مباشرة لتفتيت الدول العربية و جعلها تعيش في الديمومة لتبعية النظام الغربي الذي لم يعرف و لم يلتمس فوائد سياسية من خلال الإحصاء التاريخي لذا لا بد من الدول العربية أن تعتمد سياسة التكتل و التوحد في شكل إعتماد متبادل عربي عربي لجعل المياه العربية هو شأن و حق مشترك للعرب.
(محاماه نت)