دراسات قانونية
أحكام الرقابة على نشاط الأحزاب السياسية – بحث قانوني
الرقابة على نشاط الأحزاب السياسية في الدول المقارنة :
سنتناول في هذا الموضع من الدراسة بحث الاحكام المتعلقة بموضوع الرقابة على نشاط الأحزاب السياسية في قوانين كل من مصر والاردن واليمن والجزائر. فقد أناط المشرع المصري مهمة الرقابة على نشاط الأحزاب السياسية الى لجنة شؤون الأحزاب السياسية حيث نصت م (8) من القانون رقم (40) لسنة 1977 على ان (( … وللجنة في سبيل مباشرة اختصاصاتها طلب المستندات والاوراق والبيانات والايضاحات التي ترى لزومها من ذوي الشأن في المواعيد التي تحددها لذلك، ولها ان تطلب أية مستندات او اوراق او بيانات اومعلومات من اية جهة رسمية او عامة وان تجري ما تراه من بحوث بنفسها او بلجنة فرعية منها وان تكلف من تراه من الجهات الرسمية باجراء أي تحقيق او بحث او دراسة لازمة للتوصل الى الحقيقة فيما هو معروض عليها…)). في حين نصت م (16) على ان (( يخطر رئيس لجنة شؤون الاحزاب السياسية بكتاب موصى عليه بعلم الوصول باي قرار يصدره الحزب بتغيير رئيسه او بحل الحزب او اندماجه او بأي تعديل في نظامه الداخلي وذلك خلال عشرة ايام من تاريخ صدور القرار)).ونصت م (21) على ان ((تضع لجنة شؤون الاحزاب السياسية القواعد المنظمة لاتصال الحزب باي حزب او تنظيم سياسي اجنبي وذلك بناء على ما يقترحه رئيس هذه اللجنة)).
وعلى الرغم من ان المشرع المصري لم يمنح الجهات الادارية أية سلطات في مجال الرقابة الا ان جانب كبير من الفقه المصري قد درج على توجيه النقد الى لجنة شؤون الاحزاب السياسية من ناحية تشكيلها وعدم استقلال اعضائها عن الحكومة(1). ومنح المشرع المصري للأحزاب السياسية ضمانة هامة تمثلت في حظر تفتيش أي مقر من مقرات الحزب إلا بحضور احد رؤساء النيابة العامة في غير حالات التلبس بجناية او جنحة ، وأوجب على النيابة العامة اخطار رئيس لجنة شؤون الاحزاب السياسية بما اتخذ من اجراء بمقر الحزب خلال (48) ساعة من اتخاذه(2). اما قانون الاحزاب السياسية الاردني رقم (33) لسنة 1992 ، وقانون الاحزاب السياسية الجزائري رقم (9 – 97) لسنة 1997 فلم يتضمنا اية اشارة صريحة الى اناطة مهمة الرقابة بجهة من الجهات، وهذا – في تقديرنا – نقص تشريعي لما لنظام الرقابة من تأثير على نشاط الاحزاب السياسية فلا يصح تبعا لذلك ان تترك الجهة المختصة بممارسته للاجتهادات. ونرى ان وزارة الداخلية هي الجهة المختصة بهذا الشأن، فهي المسؤولة عن الموافقة على اجازة (تأسيس) الاحزاب السياسية في كل من الدولتين فضلا عن صلاحياتها في مجال الغاء اجازتها وهذا يفضي بلا ادنى شك الى منحها اختصاص الرقابة على نشاط الاحزاب السياسية لأن من يملك حق الانشاء والالغاء يملك بلا شك حق الرقابة والاشراف. ومن الجدير بالملاحظة ان قانون الاحزاب السياسية الاردني اشار الى منح الاحزاب عدد من الضمانات في مواجهة السلطات الادارية بينتها م (18) التي نصت على ان:
(( أ. مقار الحزب ووثائقه ومراسلاته ووسائل اتصاله مصونة فلا يجوز مراقبتها او مداهمتها او مصادرتها الا بقرار قضائي.
ب. لا يجوز تفتيش أي مقر للحزب، باستثناء حالتي التلبس والجرم المشهود الا بقرار من المدعي العام وبحضوره بالاضافة الى ممثل عن الحزب فاذا رفض الاخير يثبت ذلك في محضر التفتيش الذي يجري حينئذ بحضور شاهدين.
ج. يترتب على مخالفة الفقرة السابقة بطلان التفتيش وما يترتب عليه ويتحمل المخالف المسؤولية المدنية والجزائية)).
ومنح قانون الاحزاب والتنظيمات السياسية اليمني رقم (66) لسنة 1991 للجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية صلاحية فرض الرقابة على نشاط الاحزاب السياسية حيث نصت م (36) على ان ((للجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية توجيه التنبيه او الانذار لأي حزب او تنظيم سياسي يرتكب مخالفة لأحكام هذا القانون. واذا كان الفعل المرتكب يشكل جريمة جزائية وفقا لأحكام قانون العقوبات تحال الواقعة الى النيابة العامة للتصرف فيها وفقا لأحكام القانون)). وحسنا فعل المشرع اليمني بتحديده لصلاحيات لجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية بالتنبيه والانذار حتى لا تتحول صلاحيات هذه اللجنة الى سلطة للتحكم في مصير الاحزاب السياسية. والزمت م (32) الحزب او التنظيم السياسي باخطار رئيس لجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية بكتاب مسجل بأي قرار يصدره الحزب او التنظيم السياسي بتغيير رئيسه او بحله او اندماجه او بأي تعديل في نظامه الداخلي وذلك خلال (10) ايام من تاريخ صدور القرار. في حين نصت م (29) على ان ((مقرات الاحزاب والتنظيمات السياسية ووثائقها ومراسلاتها ووسائل اتصالاتها مصانة فلا يجوز مراقبتها او تفتيشها او مداهمتها او مصادرتها كما لا يجوز في غير حالة التلبس بجريمة جزائية تفتيش مقرات الحزب او التنظيم السياسي الا بحضور رئيس النيابة المختصة وحضور ممثل عن الحزب او التنظيم السياسي المعني فاذا رفض الاخير يثبت ذلك بمحضر. ويجري التفتيش بحضور شاهدين ويترتب على مخالفة هذه المادة بطلان التفتيش وما يترتب عليه، ويتحمل المخالف المسؤولية المدنية والجنائية، ويجب على النيابة العامة اخطار لجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية بما اتخذ من اجراء بمقر الحزب خلال (48) ساعة من اتخاذه)).
الرقابة على نشاط الأحزاب السياسية في العراق :
تواترت القوانين المنظمة لشؤون الجمعيات والأحزاب السياسية في العراق على منح وزارة الداخلية سلطة الرقابة والاشراف على كل ما يتصل بها. فقد نصت م(10) من قانون 1922 على ان ((لوزير الداخلية حق الاشراف والمراقبة على كافة امور الجمعية ومعاملاتها وله ان يبطل الرخصة اذا تعاطت الجمعية احد الامور الممنوعة في المادة الرابعة(1). على ان يكون للجمعية حق الاعتراض على ذلك ورفعه الى مجلس الوزراء)). والملاحظ ان هذا النص قد منح لوزير الداخلية سلطات واسعة حيث اجاز له ابطال اجازة الحزب دون ان يسبق ذلك باجراء تمهيدي كالتنبيه اوالانذار ، ولا يقدح في صحة هذا الراي ما منحه النص من حق الاعتراض على قرارات وزير الداخلية لدى مجلس الوزراء لأن ذلك لا يمنح للأحزاب السياسية ضمانات جدية في مواجهة اجراءات السلطة الادارية. كما منحت م(12) لوزير الداخلية صلاحية تفتيش السجلات والوثائق والمحاضر المحفوظة في مقر الحزب السياسي في الاوقات التي يعينها لهذا الغرض. واشار كل من مرسوم الجمعيات رقم (19) لسنة 1954، وقانون الجمعيات رقم (63) لسنة 1955 الى النص الآتي:((لوزير الداخلية حق الاشراف والمراقبة على امور الجمعيات ومعاملاتها كافة))(2) .اما قانون الجمعيات رقم (1) لسنة 1960 فقد نظم موضوع الرقابة الادارية على الجمعيات في عدة نصوص ، حيث نصت م(22) على ان:((1. لوزير الداخلية ان ينبه او ينذر الجمعية عن المخالفات القانونية التي تقوم بها وله بموجب ذلك حق الاشراف العام والرقابة على الجمعيات وعليه استعمال هذا الحق بالطرق المقررة في القانون.2. يجوز للجمعيات الاعتراض على قرارات وزير الداخلية امام الهيئة العامة لمحكمة التمييز في خلال ثلاثين يوما من تاريخ تبليغها بهذه القرارات)).
والملاحظ ان هذا النص قيد سلطات وزير الداخلية بالمقارنة مع ما منحه له نص م (10) من قانون الجمعيات 1922 فضلا عن اقراره لمبدأ الرقابة القضائية على قرارات وزير الداخلية. كما ألزمت م (24) الجمعية بأن تقدم الى وزير الداخلية في خلال شهر حزيران من كل سنة بيانا عن السنة المنصرمة يتضمن عدد اعضاء الجمعية الجدد واسمائهم وجنسياتهم ومهنهم واعمارهم وعدد اعضائها في اليوم الاخير من السنة. وقد نصت م (39) على ان ((تؤلف لجنة دائمة من كل من وزارات الداخلية والشؤون الاجتماعية والصحة والمعارف والعدل تقوم باعطاء المشورة لوزير الداخلية فيما يتعلق بالجمعيات من ناحية شرعية اغراضها وتماشيها مع احكام القانون وغير ذلك ويعتبر راي هذه اللجنة استشاريا ولا يشمل ذلك الأحزاب)). ويعد تشكيل هذه اللجنة المبادرة التشريعية الاولى من قبل المشرع العراقي في مجال الرقابة على نشاط الجمعيات غير ان النص قلل من اهمية الدور الذي تمارسه بأن جعل رأيها استشارياً فضلا عن انه اخرج الأحزاب من نطاق اختصاصاتها ، ولا نرى في ذلك أي مبرر الا احكام هيمنة وزارة الداخلية على نشاط الأحزاب السياسية. واشارت م (11) ف (1) الى جواز ابطال كل قرار تصدره الهيئة العامة ويكون مخالفا للقانون او لنظام الجمعية، وكل عمل يقوم به مديرو الجمعية او هيئات ادارتها متجاوزة به حدود اختصاصها او مخالفة فيه احكام القانون او نظام الجمعية او قرارات الهيئة العامة بحكم من محكمة البداءة التابع لها مركز الجمعية بناء على طلب أي شخص ذي مصلحة وذلك في ظروف ستين يوما من تاريخ صدور القرار او القيام بالعمل مع حصر كل ما تقدم بالحقوق المدنية فقط. ولا نرى ان الاحكام التي جاء بها نص م (11) من (1) قد افضت الى انشاء حق للأفراد في اللجوء الى القضاء او تبني رقابة قضائية على اعمال الجمعيات بل اقتصر دورها الكشف عن هذا الحق لان القانون منح للجمعيات شخصية معنوية تؤهلها لان تكون مدعية أو مدعى عليها فضلا عن مسؤوليتها عن القرارات والاعمال الصادرة عنها.
ويستفاد من هذا النص تحديده للمحكمة المختصة بالنظر في الدعوى المقامة ضد القرارات والاعمال الصادرة عن الهيئة العامة للجمعية او هيئات ادارتها. اما قانون الأحزاب السياسية رقم (30) لسنة 1991 فقد نص في م (22) على ان ((يقدم الحزب السياسي الى وزير الداخلية خلال شهر كانون الثاني من كل عام بيانا يتضمن اسماء المنتمين الجدد وعددهم وعناوينهم ومهنهم وتاريخ انتمائهم واسماء الذين فقدوا العضوية وأية بيانات أخرى تحددها التعليمات)). ولم نجد في هذا النص او في غيره من نصوص قانون الأحزاب السياسية ما يشير الى صلاحيات وزير الداخلية في مجال الرقابة والإشراف على الأحزاب السياسية ، كما لم يمنح هذا القانون أية ضمانات لها في مواجهة سلطة الرقابة. ومما يدل على صحة هذا الرأي تنظيم المشرع العراقي لحق الطعن القضائي لدى الهيئة العامة لمحكمة التمييز في القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء والمتعلقة بتطبيق احكام قانون الأحزاب السياسية (3). دون الاشارة الى منح الأحزاب السياسية هذا الحق فيما يتعلق بقرارات وزير الداخلية، ولا شك ان هذا يؤدي الى فسح المجال امام وزارة الداخلية للتضييق على نشاط الأحزاب السياسية. وكان الاجدر بالمشرع العراقي ان يمنح للأحزاب السياسية حق الطعن القضائي في قرارات وزير الداخلية الخاصة بالرقابة والاشراف على انشطتها.